- القطاع التعليمي يعاني من تحديات بسبب عدم إجراء الامتحانات، تحول الجامعات إلى مأوى للمهجرين، وتدمير البنية التحتية التعليمية نتيجة الوضع الأمني المتدهور.
- الأزمة الأكاديمية تفاقمت بسبب النقص في التمويل والخدمات، غياب الكوادر التعليمية، وعجز الحكومة عن دفع الأجور، مما يهدد بفقدان عام دراسي آخر ويضع مستقبل التعليم العالي في خطر.
في العام الدراسي 2022 – 2023، تحول عشرات آلاف الطلاب والأساتذة في جامعات السودان إلى مهجرين في بلادهم الواسعة. والتهجير له مترتباته المالية والمعيشية. هؤلاء المهجرون في حاجة إلى عمل يحصلون منه على أجر يعيل أسرهم. لذلك، كثر الباعة وممارسو الأعمال الهامشية. ولا يبدو أن هؤلاء الذين يهيمون في الشوارع من أجل لقمة العيش يعرفون نهاية أو موعداً ما يعيدهم إلى قاعات دراساتهم.
وفي السودان، كان هناك قرابة 600 ألف طالب جامعي في 104 من مؤسسات التعليم العالي العام والخاص يواجهون مصيراً مجهولاً بعد إغلاق جامعاتهم، وخسارة الكثير من وثائقهم الأكاديمية والدراسية تحت وطأة القتال الذي لا يتوقف عادة بين قوات الجيش والدعم السريع. إذا ما توقف لنقصان الذخيرة يعاود الاندلاع حالما تتوفر. والحصيلة أن القطاع التعليمي يمر في حال من الموت المفتوح.
العام الماضي، لم تتمكن معظم مؤسسات التعليم العالي من إكمال العام الدراسي، لأنها لم تجر الامتحانات الفصلية النهائية، فكان أن خسر الطلاب عامهم والأساتذة أجورهم الشهرية. وأكثر جامعات السودان أساساً وبالأصل لم تفتح أبوابها هذا العام لاستقبال الطلاب، لتستقبل جموع المهجرين الذين خلعوا أبوابها واعتبروها مستقرات لهم. والطبيعي في أوضاع على هذا النحو أن تخسر الجامعات موجودتها وتجهيزاتها. ومع انقطاع الوقود وتوقف الأفران عن إعداد الخبز، لجأ هؤلاء إلى ما تيسر في المكتبات والمكاتب واستعملوه وقوداً.
وما لم تطأه أقدام المهجرين انتهكته جزمات العسكر فباتت مواقع عسكرية ترسل طلقات المدافع وتتلقاها، فتعيث خراباً في مكوناتها. ومنذ منتصف نيسان / إبريل الماضي، تاريخ انفجار الوضع حتى الآن، تبادل الطرفان المتقاتلان المواقع الأكاديمية، وباتت المباني والتجهيزات والمستلزمات أكياسَ رمل مستهدفة بالقذائف. وأكدت وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، في بيان، أن عمليات التخريب طاولت كل المؤسسات العامة والخاصة بولاية الخرطوم وفي العديد من الولايات الأخرى التي شهدت اقتتالاً بين المكونين العسكريين. وشملت الأضرار والحرائق مباني الوزارة ومكاتبها وطوابقها والصندوق القومي لرعاية الطلاب. وبناءً عليه، لم يسلم أي ما من شأنه أن يسمى تجهيزات تتعلق بالتعليم العالي من قاعات ومكاتب وغرف أساتذة ومكتبات ومعامل ومختبرات وورش تدريب ومطابع وملاعب ومسارح.
وقالت الوزارة إن التدمير كان ممنهجاً وشمل ممتلكات ومساكن أعضاء هيئة التدريس والعاملين في مناطق كثيرة من العاصمة وبعض الولايات. يضاف إلى كل هذا عجز الحكومة عن دفع أجور الأساتذة والهيئات الإدارية والمدربين لأشهر متتالية، ما دفع كل من توفر له طريق الخروج من السودان إلى مغادرة البلاد لتأمين مقومات عيشه. وهكذا خسرت البلاد إلى جانب المستلزمات اللوجستية اللازمة الموارد البشرية الضرورية لاستعادة الحياة الأكاديمية إلى مجراها الطبيعي.
ونظراً إلى ما شهده العام الدراسي من أيام من الهدوء وأسابيع من القتال، لم تتعد أيام التدريس الـ 90 يوماً طوال العام الماضي، في حين أن الحد الأدنى للسنة الدراسية يجب ألا يقل عن 180 يوماً. وعندما فتحت بعضها أبوابها هذا العام، برز غياب الكثير من الكوادر، مع نواقص وثغرات، ما يحول من دون إنجاز عام دراسي مقبول، خصوصاً مع امتداد القتال إلى أكثر من 10 ولايات من أصل 18 ولاية، كما أن تلك التي نجت منه عانت نقصاً في التمويل والخدمات ومرونة المواصلات، وكل ما له علاقة بظروف توافر الدراسة الأكاديمية من مكتبات ومنشورات بحثية ومواد وتركيز.
وواجه آلاف الطلاب الجامعيين مشكلات في نقل أوراقهم إلى جامعات في بلدان مجاورة بسبب تعرض مكاتب وزارة التعليم العالي ومقارها وعدد كبير من جامعات السودان للسرقة وإتلاف الأوراق والممتلكات بدءاً بجامعة الخرطوم وأم درمان الأهلية، بالإضافة إلى جامعتي السودان للعلوم والتكنولوجيا، وجامعة الأحفاد للبنات. ووصل التدمير إلى جامعات دارفور وباقي الولايات. ومن حاز أوراقه أقعده غياب الدخل العائلي عن متابعة الدراسة. وهكذا كان التعليم العالي هو الضحية المباشرة للحرب في البلاد.
(أكاديمي وإعلامي)