في حادثة مؤلمة أثارت جدلاً كبيراً حول آليات حماية الطلاب في الجامعات الفلسطينية، ونزع فتيل أي مشكلة بينهم أكانت اجتماعية أو على مستوى الحركات الخاصة بهم، وزادت المطالب بمعالجة أسباب المشاكل نفسها والتجاذبات أو الضغوط الخارجية التي قد تنعكس على الطلاب، قضى في الرابع من ديسمبر/ كانون الأول الجاري الطالب في كلية التمريض بالجامعة العربية الأميركية في مدينة جنين شمال الضفة الغربية، مهران خليلية، بطعنات سكين تلقاها إثر شجار اندلع بينه وبين زملائه الشباب قبالة حرم الجامعة.
وأشعل ذلك موجة غضب في المدينة دفعت الجامعة إلى تعليق الدروس، وإعلان تجميد أنشطة الكتل الطلابية. ثم امتدت الأحداث إلى مواجهات مع الأجهزة الأمن الفلسطينية في مسقط رأس الشاب خليلية ببلدة جبع جنوب جنين، رغم أن هذه الأجهزة اعتقلت متهمين بالمشاركة في الجريمة.
والخميس الماضي، قررت إدارة الجامعة العربية الأميركية فصل جميع الطلاب الذين لهم علاقة بجريمة قتل مهران، وطالبت السلطات بإنزال أقصى العقوبات في حق من يثبت تورطهم فيها.
وأوضحت في بيان أنها ستعمم أسماء الطلاب المفصولين على كل الجامعات الفلسطينية تطبيقاً لقرار مجلس التعليم العالي. وقررت تشديد إجراءات الأمن داخل حرمها، وعدم السماح بدخول زوار، مع مطالبة الطلاب بإظهار بطاقاتهم الجامعية للدخول. وأشارت إلى أنها تعمل لإعادة الدوام الدراسي مجدداً.
قرارات مجلس التعليم العالي
وبالتزامن مع الجريمة، تعالت الدعوات إلى منع أسباب العنف في الجامعات الفلسطينية، ما اضطر مجلس التعليم العالي إلى إقرار توصيات نتجت من اجتماع عقده مجلس رؤساء الجامعات، وأهمها تشديد العقوبات ضد مخالفي القوانين ومرتكبي التجاوزات والاعتداءات الجسدية واللفظية بكل أشكالها في مؤسسات التعليم العالي، وتعزيز دور الأمن في مساندة عناصر الأمن في الجامعات، ومنع حمل كل أشكال الأسلحة النارية أو البيضاء، وتهديد من يُضبط سلاح في حوزته بالفصل نهائياً وتطبيق النظام في التعامل مع أي مخالفات أخرى.
وأكد مجلس التعليم العالي في بيان أصدره بعد اجتماع عقده الثلاثاء الماضي تمسكه بمنع أي تدخل خارجي في الجامعات وتعزيز أمنها، وقرّر إعادة النظر في أنظمة مجالس الطلاب والعقوبات التي تطبقها مؤسسات التعليم العالي، والعمل لإعداد نظام أساسي موحد لها.
أما مجلس رؤساء الجامعات الفلسطينية فدعا إلى تحمّل مؤسسات المجتمع المدني والفصائل الوطنية والإسلامية مسؤولياتها في تعميق الفهم الوطني وتقبل الرأي الآخر، وتغليب ثقافة الحوار على العنف، ومساندة إدارات الجامعات في تنفيذ مهماتها في بناء جيل من الشباب المثقف وذات الانتماء الوطني.
جامعة بيرزيت
وفي حادثة منفصلة، أوصت لجنة النظام في جامعة بيرزيت شمال رام الله وسط الضفة الغربية بتوجيه إنذار أول ونهائي بالفصل لثمانية طلاب، وبتنفيذ قرار فصل طالب واحد، ومنعهم جميعاً من دخول الجامعة حتى بت قضية تسببهم في شجار داخلي حدث نهاية نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، ودفع إدارة الجامعة إلى إخلاء الحرم وإعطاء الحصص عن بعد، وسط اتهامات لأطراف أمنية وأخرى تابعة لفصائل حزبية بالتدخل في الكتل الطلابية.
وأوضح عضو نقابة العاملين في جامعة بيرزيت سامح أبو عواد لـ"العربي الجديد"، أن "ما يحدث في جامعة بيرزيت استمرار للشعور السائد بأن أفراداً في الكتل الطلابية يحظون بحماية من أجهزة أمنية وجهات حزبية، وعدم اتخاذ إدارة الجامعة إجراءات رادعة في حق هذه الأطراف بسبب ضغوط خارجية من الأجهزة والكوادر السياسية للفصائل، وهو ما يؤدي لتكرار المشاكل".
وتحدث عن أحداث أخرى شهدتها جامعة بيرزيت منذ بداية الفصل الدراسي الحالي بين الكتل الطلابية المختلفة، وأحياناً بين أعضاء في الكتل نفسها، والتي تشكل بحسب قوله "امتداداً لحال الانقسام السائد خارج الجامعة، وآخرها اعتداء أفراد من حركة الشبيبة الطلابية، الذراع الطلابية لحركة فتح على منسق كتلة الوحدة الطلابية، الذراع الطلابية للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين".
يضيف: "حصل الاعتداء الأخير بعدما أصدرت الكتل الطلابية بياناً استنكرت فيه دور أجهزة الأمن الفلسطينية في قضية دخول مستوطنين إلى رام الله وتسليمها إياهم إلى الاحتلال الإسرائيلي، إذ أبدت حركة الشبيبة غضبها من مضمون البيان، واعتدى أفرادها على منسق كتلة الوحدة الطلابية من دون أن تتخذ إدارة الجامعة أية إجراءات في شأن ما حصل".
ويشير أبو عواد إلى أنه تعرّض نفسه لحملة تحريض بعدما طالب في مقابلة تلفزيونية "بكفّ يد أجهزة الأمن والفصائل عن الحركات الطلابية، والإفساح في المجال أمام هذه الحركات لتحديد بوصلة العمل الوطني كما حصل دائماً، ورفع حصانة أجهزة الأمن والفصائل عن أي طرف يخطئ"، ويقول: "استفزت هذه المطالب حركة الشبيبة التي هاجمتني شخصياً بطريقة غير لائقة في بيان أصدرته، لكن أشخاصاً تضامنوا في الدفاع عني ودعم مواقفي التي يعرفها الجميع".
ويرى أبو عواد أن البيان لم يصدر بقرار من حركة الشبيبة الطلابية نفسها، بل من أطراف تقف خلفها وتعارض مواقفه النقابية والوطنية، وتستهدفه بحملة ترهيب لم يستبعد أن تبلغ حد إيذاءه.
أسلحة الجامعات
وفيما أثار قرار مجلس التعليم العالي فصل أي طالب جامعي يُضبط سلاح في حوزته تساؤلات حول وجود تغاضٍ فعلي عن حمل السلاح داخل الجامعات، يؤكد أبو عواد أن "هذا الأمر صحيح بدليل استخدام غاز الفلفل في شجار حصل بين طلاب محسوبين على حركة الشبيبة الطلابية قبل نحو أسبوعين، وعدم استبعاد شهود وجود سلاح معهم".
ويشرح أن الجامعات ووحدات الأمن فيها تتشارك بمسؤولية التعامل مع التجاوزات، لكنه تحدث عن ضغوط خارجية مورست سابقاً على إدارات جامعات لـ"لملمة" قضايا مماثلة.
ويصف أبو عواد الإجراءات الجديدة لإدارات الجامعات بأنها "خطوات إيجابية رغم أنها تحتاج إلى تطبيق، لكن حل قضية العنف في الجامعات يتطلب محاربة كل أطياف المجتمع الظاهرة الخطرة. وأرى أن فرض وصايات على الكتل الطلابية يضرّ بالجميع، علماً أن الوضع لم يكن بهذه الخطورة قبل عشر سنوات، ما يؤكد مسار الانحدار. ونحن نعلم بوجود عنف في كل المجتمعات، لكن شكله الحالي غير مقبول".
سطوة العشائر
إلى ذلك، أخلت إدارة جامعة الخليل قبل نحو شهر حرمها ليوم واحد، بعد تحذيرات من إمكان انتقال شجار كبير اندلع بين عائلتين من مدينة الخليل إلى معقلها. ويعتبر رئيس جامعة "بوليتكنك فلسطين" في الخليل، أمجد برهم، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن "أعمال العنف في الجامعات أمر خطير جداً لم يعتده الفلسطينيون في الجامعات. لكن هذه الجامعات تعكس ما يعيشه المجتمع كونها تضم مختلف شرائحه".
ويؤكد تطبيق الجامعات أنظمة وعقوبات رادعة لممارسي العنف، لكن بعضها تتعمّد تخفيف هذه العقوبات بضغوط من العشائر ووجهاء المناطق لاحتواء مشاكل تعالج عبر الصلح. وهذا الأمر ذات نتائج سلبية على المدى البعيد، فالعقوبات الرادعة والتوعية تحاصر فعلياً أعمال العنف، وتمنع تكرارها".
جريمة "عالقة"
ورغم مرور أكثر من 14 عاماً على مقتل محمد رداد محمد برصاص أطلقه مسلحون داخل حرم جامعة النجاح في مدينة نابلس شمال الضفة، في حادث جرى ربطه حينها بأحداث الانقسام الفلسطيني بين حركتي "فتح" و"حماس"، لا يزال والده عبد الرحيم رداد من قرية صيدا شمال طولكرم شمال الضفة الغربية يتمسك بحق المطالبة بمحاسبة قتلة ابنه، واعتباره شهيداً، ورد الاعتبار المعنوي والمادي للعائلة.
وقد رفض محامون حينها متابعة قضية جريمة القتل خشية التعرض لتهديدات، لكن النيابة العامة الفلسطينية في مدينة نابلس استدعت الوالد عبد الرحيم رداد ودونت إفادته التي يوضح لـ"العربي الجديد" أنه حمّل مسؤولية الجريمة فيها لجامعة النجاح ورئيسها رامي الحمد الله (رئيس الوزراء الفلسطيني السابق)، مؤكداً حقه في متابعة القضية في أي وقت. لكن الظروف السياسية السائدة والأحاديث عن إمكان إنجاز المصالحة الفلسطينية دفعت العائلة إلى إرجاء رفع دعوى بالقضية.