لم تتدارك وزارة التعليم العالي والبحث العلمي في تونس بالكامل مشكلة التحاق 25 ألف طالب جديد بالجامعات هذه السنة، ما جعل مئات منهم "بلا مأوى".
ما زال مئات من الطلاب والطالبات في تونس ينتظرون الظفر بسكن جامعي، رغم مرور أكثر من أسبوعين على بدء العام الدراسي للتعليم العالي، وذلك بتأثير النتائج الاستثنائية التي سجلت هذه السنة على صعيد الأرقام الكبيرة لعدد الناجحين بامتحانات البكالوريا، والتي فاقت بآلاف تلك في السنوات السابقة، وبـ25 ألفاً تحديداً بالمقارنة مع العام الماضي (78 ألفاً في 2021 مقارنة بـ53 ألفاً في 2020).
وقد أربكت هذه الزيادة اللافتة والمفاجئة عمل وزارة التعليم العالي والبحث العلمي في البلاد على صعد مختلفة، إذ جعلتها غير قادرة على استيعاب الفائض الكبير في سعة المدارج الجامعية، وتواجه مشاكل النقص الحاد في عدد الأساتذة الجامعيين، وتوزيع الطلاب الجدد على الأقسام الذي تأثر سلباً أيضاً بصعوبة تنفيذ الوزارة متطلبات التوجيه الجامعي الذي منع آلاف الطلاب من الحصول على الاختصاصات الجامعية التي يرغبون في دراستها، وفرض توجههم إلى أخرى لا تلبي تطلعاتهم.
وتتعدد المشاكل الخاصة بالسكن الجامعي بسبب الضغط الشديد على الطاقة القصوى لاستيعاب المساكن، ما اضطر الطلاب وخصوصاً الطالبات إلى إنشاء مجموعات على موقع "فيسبوك" للتواصل الاجتماعي من أجل متابعة آخر مستجدات الموضوع، والحصول على معلومات أو معطيات عن احتمال انفراج الأزمة أو عدمها. والحقيقة أن غالبية العائلات لا تستطيع توفير مصاريف السكن الجامعي الخاص أو استئجار مسكن لأبنائها، بسبب ارتفاع الأسعار في مختلف المناطق خلال السنوات الأخيرة.
تقول الطالبة إيناس العرفاوي لـ"العربي الجديد": "عدت إلى الدراسة من دون أن يتوفر لي مأوى في السكن الجامعي، فاضطررت إلى التنقل بين مساكن توجد فيها زميلات وصديقات للإقامة عندهن مؤقتاً حتى الحصول على إجابة من ديوان الخدمات الجامعية". تُضيف: "السكن الجامعي ملاذي الوحيد لمواصلة دراستي في ظروف مناسبة، لأن حال عائلتي متوسطة، ولا تملك إمكانات مادية لتأمين غرفة لي في أحد المساكن الجامعية الخاصة، أو لمشاركة زميلاتي في سكن مستأجر، فالأسعار خيالية حقاً بالنسبة لي ولأسرتي التي تساعدني في توفير مصاريف السنة الجامعية، في ظل ضعف قيمة المنحة التي يقدمها ديوان الخدمات الجامعية". وتشير العرفاوي إلى أن متابعتها الدروس بلا توفر مأوى لها يربكها ويجعلها تشعر بعدم الاستقرار، "وأنا أخشى أن تطول هذه المشكلة، أو لا أحصل على سكن جامعي حكومي".
أما الطالبة سندس المقدم فتقول لـ"العربي الجديد": "العودة الجامعية هذه السنة استثنائية ومربكة جداً بالنسبة لي لأنني لم أحصل حتى اليوم على مسكن جامعي رغم أحقيتي في ذلك باعتبار أنني أوفر كل الشروط للحصول عليه". تُضيف: "فوجئت بالمشكلة، وبأن لا جواب حتى الآن عن موعد حصولي على مأوى في المساكن الجامعية كي أعود إلى مقاعد الدراسة. وأنا لا أزال ألازم المنزل في انتظار حصول انفراج في الأزمة".
وكانت وزيرة التعليم العالي والبحث العلمي السابقة ألفة بنعودة أقرّت أخيراً بوجود إشكاليات كبيرة على مستوى السكن الاستثنائي للطلاب في محافظات الشمال والجنوب وصفاقس، رغم رفع طاقة استيعاب المساكن الجامعية بنحو 12 ألف سرير للعام الدراسي 2021 – 2022.
من جهته، يقول عضو المكتب التنفيذي للاتحاد العام لطلاب تونس، سيف الغابري لـ "العربي الجديد" إن "السنة الجامعية الحالية استثنائية بامتياز، بسبب الإرباك الذي خلفته جائحة كورونا، وارتفاع عدد الطلاب الجدد. وبعدما ناقش الاتحاد مع مسؤولي وزارة التعليم العالي والبحث العلمي الصعوبات التي يواجهها الطلاب الجدد والقدامى في توفير سكن جامعي لهم، شكلت الوزارة لجنة لمتابعة الوضع نجحت في توفير مساكن جامعية لجميع الطلاب الجدد بخلاف مئات من القدامى الذين نحاول إيجاد حلول لهم بينها زيادة طاقة الاستيعاب وإضافة أسرّة في عدد من الغرف، مع الحفاظ على شروط الإقامة الصحية والمريحة. كما نراقب أسعار السكن الجامعي الخاص، ونبذل مساعٍ لترميم مباني ومساكن في سبيل توفير أسرّة إضافية، وتقليص الضغط على الغرف".
ويشير الغابري إلى أن "الضغط الكبير المُسجل على المساكن الجامعية في كل المحافظات دفع وزارة التعليم العالي والبحث العلمي إلى فتح طلب عروض للحصول على مساكن جديدة لاستقبال أكبر عدد من الطلاب، وهو حق مطلق لهم لا يمكن التنازل عنه".