جبل النمرود... أساطير تمرُّد حتى على زلزال تركيا

08 يونيو 2023
جبل النمرود جزء من أكبر متاحف العالم المفتوحة (طيب حصباص/ الأناضول)
+ الخط -

تتنوع التفسيرات حول لغز صمود جبل النمرود وتماثيله في محافظة آديمان المنكوبة بالزلزال المدمر الذي ضرب جنوب تركيا في 6 فبراير/ شباط الماضي. ويربط رجل الدين محمد حالف من منطقة أفجولار بإسطنبول الظاهرة بالبعد الديني للموقع، باعتبار أن "قصة النمرود وردت في سورتي الأنبياء والبقرة بالقرآن الكريم، وكذلك بإنجيل العهد القديم"، كما يقول لـ"العربي الجديد"، مضيفاً: "إنها قصة النمرود الذي تحدى النبي إبراهيم، وآثاره الباقية عبرة لتمرد البشر ثم هلاكهم، فنمرود أول البشر الذي زعم الألوهية، وحاول قتل النبي إبراهيم".
في المقابل، يربط باحثون بقاء الجبل والآثار "بكون الملك أنطيوخوس الأول أحد كهنة المجوس الذين امتلكوا معرفة فلكية خارج حدود الأرض. ويمكن بالتالي أن يكون موقع المعبد مكان اتصال بين المؤمنين المجوس، وأشخاص يملكون معرفة بعلم التنجيم والفلك والفضاء الخارجي، والغموض والمعلومات القليلة التي جُمعت من الموقع تظهر وجود معرفة قوية واستثنائية بعلم الفلك والتنجيم وأفكار دينية خاصة ومتقدمة".

وترى أستاذة التاريخ سيهان كارمان، في حديثها لـ"العربي الجديد"، أن "القصة لا علاقة لها بالدين، بل تعود إلى تصميم التماثيل بحجارة كبيرة، ووجودها على جبل بارتفاع ألفي متر، ولو كانت تعكس فكرة ضرورة بقاء شاهد على جبروت البشر وتحديهم للأنبياء، لما تهالكت مملكة كوماجين، ولم يبقَ منها إلا بعض الآثار على جبل النمرود".
تضيف: "الجبل الشاهق جزء من سلسلة أو حلقة جبل الثور الذي يقع على ضفة نهر الفرات، والمعبد والآثار القليلة الباقية جزء من أكبر متاحف العالم المفتوحة، وتعود إلى 160 سنة قبل الميلاد".
لكن، مهما كانت التفسيرات، يزيد عمر الآثار عن ألفي عام، وقد صمدت أمام الزلزال بقوة 7.8 درجات على مقياس ريختر الذي ضرب جنوب تركيا في 6 فبراير/ شباط الماضي.
وقبل أيام أعلن مدير متحف آديمان، محمد ألكان، جاهزية المتحف المفتوح في جبل النمرود لاستقبال الزوار، وقال: "ننتظر أن يتجاوز عدد السياح المحليين والأجانب رقم العام الماضي الذي بلغ 250 ألفاً".
وأكد ألكان عدم تضرر أطلال جبل النمرود بالزلزال، مذكراً بأن آثاره مدرجة في قائمة منظمة الأمم المتحدة للعلوم والتربية والثقافة "يونسكو"، و"نحن ننتظر الزوار لمشاهدة أجمل شروق وغروب شمس من الجبل".
وتؤكد سيهان أن "رؤية شروق وغروب الشمس من جبل النمرود لا مثيل لها، علماً أن بقايا مملكة الكوماجين تعني مجمع الأحياء، وتماثيل الجبل الباقية حتى اليوم تدل على استقلال المملكة عن الملك ميثيريدس الأول في بداية القرن الأول قبل الميلاد، وبعض التماثيل بطول 50 متراً وقطر يتجاوز 150 متراً، وكلها منحوتة وفق النمط اليوناني، أما نقوش الملابس ففارسية".
وعن الأهمية التاريخية التي أفضت إلى إدراج الموقع ضمن قائمة "يونسكو"، تشير إلى أن "معبد الملك أنطيوخوس على الجبل يجسد ثقافة التوفيق والتآخي بين الأديان، في امتداد للثقافة الهلنستية عبر دمج تماثيل آلهة الإغريق والفرس في مكان ولباس واحد، كما أن التماثيل القديمة عززت إدراج الموقع في القائمة".
وتفيد مراجع تاريخية بأن "الملك السوري أنطيوخوس الأول استعاد عرش أبيه سلوقوس بعدما قتله كراوتوس، نتيجة تعاطف ملك مقدونيا جوناتاس وملك إبيروس بوروس مع الابن الذي منعت ثورة اندلعت في المدن السورية مغادرته بابل، واجتيازه جبال طوروس كي يثأر لأبيه. لكن أحداً لم يحدد أين دفن، حتى اكتشف الألماني كارل سيستر أنقاض معبد في قمة جبل النمرود ضمن سلسلة جبال طوروس بتركيا، حين كان يشرف على مشاريع لشق طرق جبلية عام 1880، ما سمح بتسليط الضوء على الجبل المليء بالأسرار بعد نحو 2070 سنة من بناء المعبد".
لكن البعثات وفرق التنقيب لم تعثر حتى اليوم على حجرة دفن الملك أنطيوخوس الأول في الجبل والمعبد. ويعتقد البعض بأن المدفن يوجد تحت تلة الحصى الكبيرة خلف المعبد، والذي عززه اكتشاف باحثين أتراك مقبرة احتوت على لوائح ومخطوطات ووثائق، إضافة إلى كنوز كثيرة تعود للملك. ورجح الباحث التركي محمد تورهان سردار تواجد جسد الملك نمرود داخل المقبرة في كهف أسفل الجبل.

آثار جبل النمرود مؤرخة بـ 160 سنة قبل الميلاد (أوهران بيهلول/ الأناضول)
آثار جبل النمرود مؤرخة بـ 160 سنة قبل الميلاد (أوهران بيهلول/ الأناضول)

ويرى الباحث أحمد غنّام، في حديثه لـ"العربي الجديد" أن جبل النمرود يتضمن أسراراً لم تكتشف، مرجحاً اختيار مكان المعبد، أو مقبرة العائلة الملكية، بسبب أسرار فلكية تظهر تباعاً. ويقول: "أعتقد بأن بقايا الصخور الصغيرة المكتشفة هي مقبرة بشكل هرم كبير، والمنحوتات تدل على عرش لآلهة غامضة تجسّد معتقدات الملك أنطيوخوس، وأرجح أن الموقع يشبه مكان واتجاه الأهرامات في مصر".
ويتحدث البعض عن أن المعبد- أو المقبرة- يتألف من كتلتين كبيرتين، تقع الأولى في الجهة الشرقية واستخدمت للاحتفال بعيد ميلاد الملك أنطيوخوس الأول، والثانية في الجهة الغربية استقبلت احتفال ذكرى التأسيس في عام 62 قبل الميلاد، وهو اليوم الذي يعتقد بأنه شهد التحاق الملك أنطيوخوس بالجماعة الدينية السرية لمملكة كوماجين وعاصمتها سميساط.
ويقال إن المعبد حاكى في مخططه نموذج جبل الأولمب في اليونان، وإن الملك أنطيوخوس حاول تقليده، وكما كان جبل الأولمب بيتاً للآلهة، جعل أنطيوخوس جبل النمرود بيت الآلهة المعبودة في مملكة كوماجين وسميساط عبر وضع تماثيل الآلهة عند منحدر الجبل والتلة الصناعية.
وتتوزع التماثيل خصوصاً على الجهة الغربية وكأنها وضعت للحراسة، وتتضمن أسدين كبيرين، وصقرين، والعديد من تماثيل الآلهة القديمة.
وتحتوي الشرفة الغربية على تمثال كبير لأسد يظهر قربه عرض لترتيب النجوم وكواكب عطارد والمريخ والمشتري. ويعتقد مؤرخون بأن القوم الذين عاشوا على قمة الجبل بدأوا في اكتشاف هذه الكواكب. أما الجزء الشرقي المحفوظ في شكل جيد فتألف من طبقات صخور، وممر يربط بين الجزأين الشرقي والغربي من خلال مدرجات توصل إلى معبد مفتوح. وتتواجد على هذه المدرجات تماثيل شاهقة لأسود وصقور، و5 تماثيل ضخمة لـ 4 آلهة من الرجال وامرأة تعتبر أكثر الأشياء المذهلة في المكان الذي يعتقد أنه كان يُستخدم لإحياء طقوس دينية خلال الظواهر الفلكية.
ويحتوي المتحف المفتوح على تماثيل ضخمة تجمع الآلهة الإغريقية والفارسية، وبينها تمثال للملك جالساً، ما يشير إلى محاولة أنطيوخوس الأول تأليه نفسه، لأن وضع تمثال له بين تلك الآلهة وربطه بكوكب عطارد يدلان على أنه كان برتبة كاهن. وتظهر الصور الجانبية في المعبد مصافحة بين الملك أنطيوخوس الأول وهرقل.

والغريب أنه جرى إخلاء المنطقة في القرن الأول ميلادي وسط ظروف غامضة. وعندما ضم الرومان المملكة تفرقت الحاشية الدينية لمعبد جبل النمرود الذي هدمه الرومان، وبقيت الأسرار الغامضة التي تحيط بالجماعة الدينة وبمملكة كوماجين.
وتتنوع الروايات حول النمرود، وتقول إنه "حكم 400 عام، وعاش في عذاب 400 عام أخرى بسبب دخول بعوضة من أنفه إلى رأسه قبل أن تقتله".
وفي موقع غير بعيد من ولاية ملاطيا، توجد بحيرة تحمل اسم إبراهيم الخليل في ولاية شانلي أورفا. ويُقال في تركيا إن البحيرة هي المكان الذي أُلقي فيه النبي إبراهيم بأمر من الملك نمرود لحرقه، قبل أن يأتي الأمر الإلهي الذي حوّل النيران إلى مياه، والحطب إلى أسماك.

المساهمون