في الأسبوع الأخير من شهر مايو/ أيار الماضي، عاشت السويد على دموية عالم الجريمة المنظمة، وحصدت عمليات إطلاق نار أرواح 3 شبان من سكان ضواحي المهاجرين الذين أضيفوا إلى قائمة طويلة لضحايا إطلاق النار في الأعوام الأخيرة.
وفي حي فاربيرغا السكني بمنطقة أوريبرو (جنوب وسط)، قتل شابان في أوائل العشرينيات بإطلاق نار شمل الجزء العلوي من الجسم، وحصل أمام روضة للأطفال. وسبق ذلك تصفية شاب آخر بإطلاق النار على رأسه.
وتقدر الشرطة السويدية و"مجلس الوقاية من الجريمة" وجود بين 10 و15 شبكة عصابات إجرامية في منطقة أوريبرو وحدها، علماً أن أرقام العام الجاري تشير إلى حصول 145 إطلاق نار بين يناير/ كانون الثاني ومايو/ أيار الماضيين، معظمها في مناطق الجنوب والشرق والعاصمة استوكهولم. وسبق ذلك 344 حادث إطلاق نار العام الماضي، و379 عام 2020، و360 عام 2019.
وتوضح الشرطة أن تبادل إطلاق النار قد يشترك فيه أكثر من شخص، أي أن الحوادث لا تعني إطلاق رصاصة واحدة بل رشقات، علماً أنها تحتفظ بإحصاءات تبادل إطلاق النار منذ عام 2017 فقط. ويتهم سويديون السلطات بالاستسلام للعنف المتنامي والمستمر منذ سنوات، ما جعل بلدهم يتصدر القائمة الأوروبية للدول الأكثر احتضاناً لعنف العصابات واستخداماً للأسلحة النارية في إطار عمليات تعتبر أن أهدافها الرئيسية تشمل الهيمنة على أسواق المخدرات. وينتشر العنف في ضواحي المدن وبينها العاصمة استوكهولم.
غضب من "القتل بالصدفة"
وتربط تقارير الشرطة غالبية الضحايا بالعالم السفلي للجريمة، لكن تبادل إطلاق النار بين أفراد العصابات أدى إلى سقوط ضحايا آخرين لا علاقة لهم بعالم الجريمة، علماً أن قائمة العام الماضي للضحايا ضمت مراهقين وطلاباً وعمالاً لا علاقة لهم بالعنف، وتوفوا برصاصات "خاطئة" أصابتهم خلال مرورهم في الشارع أو جلوسهم في مطعم.
وتثير عمليات "القتل بالصدفة" غضباً كبيراً في المجتمع ولدى المسؤولين السياسيين، علماً أن العنف بات يؤثر على مجتمعات الهجرة نفسها مع توسع الشعارات التي يطلقها اليمين المتشدد لتحريض المواطنين ضد سكان ضواحي. واندرجت في هذا السياق الاحتجاجات التي نظمت في إبريل/ نيسان الماضي ضد الأوضاع السيئة السائدة في ضواحي استوكهولم ومدن في جنوب البلد، مثل مالمو وغوتبورغ وأوريبرو، والتي شهدت أحدها إحراق المتطرف اليميني الدنماركي الأصل راسموس بالودان نسخة من القرآن.
وما إن هدأت الأوضاع في السويد بعد هذه الاحتجاجات حتى تجددت موجات عنف العصابات التي تقول السلطات إنها شملت كل المناطق على مدار السنوات الماضية، وأدى أحدها إلى مقتل ضابط في الشرطة منتصف صيف العام الماضي في غوتبورغ.
وترافق تجدد هذه الموجات مع تأكيد السياسيين من معسكري يسار ويمين الوسط تمسكهم بملاحقة العصابات. لكن أي تغيير لم يسجل على صعيد تصدر السويد قائمة الدول في الاتحاد الأوروبي التي تشهد أكثر عمليات القتل واستخدام الرصاص والتفجيرات خلال المعارك المندلعة بين العصابات.
وفي جردة لجرائم القتل التي حصلت العام الماضي، لم تستطع الشرطة السويدية الوصول سوى إلى حفنة صغيرة من الجناة واعتقالهم، علماً أنه أطلق سراح بعضهم لغياب الأدلة، وقضى آخرون قتلاً أثناء انتظار محاكماتهم، وهو ما حصل تحديداً لأحد الشبان مؤخراً، بعدما كان أوقف بتهمة قتل شاب من عصابة أخرى، لكن أفرج عنه لعدم كفاية الأدلة في مارس/ آذار الماضي.
جدار "صمت الشهود"
وتواجه الشرطة ما تصفه بـ"صمت الشهود" في البيئات المهاجرة، حيث يكتم البعض شهادته خوفاً من انتقام العصابات، في ظاهرة تشكل مشكلة مستعصية مستمرة منذ سنوات. ورغم مقتل أبرياء وعابري سبيل كثيرين، كما حصل لمراهق في الـ16 من العمر بمدينة إسكيلستونا (وسط) في خريف عام 2020، وتعبير سكان عن امتعاضهم وغضبهم من دورة العنف، يتكرر اصطدام الشرطة بجدار "صمت الشهود"، فتعود إسكيلستونا ومدن أخرى إلى دورات العنف التي تحصد مزيداً من الضحايا، وهو ما حصل في العامين الأخيرين. كذلك ترهق صراعات عصابات "الشباب" التي تضم أفراداً ذوي خلفيات مهاجرة من دول نامية، الشرطة السويدية التي تستخدم الكثير من مواردها لمحاولة السيطرة على انفلات العنف. والعام الماضي، وعد رئيس الحكومة السابق ستيفان لوفين وسياسيين بينهم وزير العدل الحالي مورغان يوهانسون، باتخاذ إجراءات قاسية لتشديد العقوبات والدفع بمزيد من ضباط الشرطة المتخصصين في محاربة الجرائم. لكن ذلك لم يغير واقع أن السويد التي عُدت بلداً مسالماً وآمنا أصبحت اليوم في موقع مختلف تماماً.
تردد في التشدد
ولا شك في أن موجات القتل وتزايد استخدام الأسلحة وتوسع المنافسة على أسواق المخدرات المهربة من خارج الحدود تصب في مصلحة خطاب اليمين القومي المتشدد الذي يركز على فشل سياسات دمج المهاجرين ذوي الأصول الشرق أوسطية والأفريقية، ويحملها مسؤولية التطور السلبي للمجتمع السويدي في السنوات الأخيرة. وفي حديث سابق لـ"العربي الجديد"، أبدت الصحافية السويدية المخضرمة ماريا ستيفنسون التي عملت خلال 30 سنة في تغطية أخبار سياسات الهجرة والدمج، خوفها من "نتائج استغلال الانقسام المجتمعي العميق القائم بين أقلية شاركت في أعمال العنف الأخيرة، وغالبية المواطنين الذين شعروا بصدمة المواجهات وانعكاساتها الخطيرة على المستقبل".
والحقيقة أن السلطات السويدية لا تزال مترددة في انتهاج سياسات متشددة مع العصابات، خصوصاً على صعيد حظر مجموعات وأندية تشكل غطاءً لجماعات الجريمة المنظمة، وتطبق النموذج الأميركي في مكافحة هذه العصابات عبر تعاون أجهزة الأمن مع مختلف السلطات الاجتماعية والمجتمعات المحلية. ويخالف ذلك ما فعلته السلطات في الدولة الجارة الدنمارك التي واجهت انفلات حرب العصابات في مناطقها عام 2015، بحل وحظر أندية وتجمعات شبابية مثل "الولاء للأسرة"، ومضاعفة عقوبة من ينتمي إليها، علماً أنها اعتبرت أكبر العصابات المهاجرة، وأنشطها في تجنيد مراهقين وتنفيذ عمليات القتل.