يشاهد من يتجول في سوق الغزل لبيع الحيوانات وسط بغداد، تحديداً يوم الجمعة من كل أسبوع، أنواع طيور وحيوانات مختلفة وقع غالبيتها ضحية عمليات الصيد الجائر، وتباع للأكل أو الزينة.
ويؤكد متخصصون في شؤون البيئة أن صيادين يتجمعون عادة ضمن فرق جوالة في المناطق الجنوبية والشمالية والغربية لا يستثنون أي طير يصادفهم بهدف الربح والمتعة معاً، ما يجعل مئات من الطيور مهددة بالانقراض، علماً أن العراق يعتبر أحد أبرز دول المنطقة التي تعبرها طيور مهاجرة من مناطق في شمالي أوروبا وروسيا وكازاخستان خلال فصل الشتاء، وبداية فصل الصيف.
واللافت أن القانون العراقي يتضمن مواد تهدف إلى التصدي للصيد العشوائي الجائر من أجل حماية البيئة وتحسينها، وأيضاً لمنع الاتجار وبيع الطيور النادرة أو تلك المهددة بالانقراض. وتنص عقوبات القانون على دفع المخالفين غرامة مالية تتراوح بين مليون دينار (700 دولار) و10 ملايين دينار (7 آلاف دولار).
ويكشف ممثل تجمع حماية البيئة في العراق، أحمد الجشعمي، لـ"العربي الجديد"، أن "200 صنف من الطيور المهاجرة التي تصل إلى العراق سنوياً تقع ضحية الصيد الجائر، وبينها الحبارى والقطا والسمان والإوز البري والبط البري والحمام والصقور والنسور والبلابل، وحتى العصافير".
ويؤكد أن "عمليات قتل ممنهجة تمارس في حق الطيور والحيوانات في غالبية المناطق البرية بالعراق، بدليل أن بعض الأشخاص يصطادون أكثر من ألف طائر يومياً، وهي تحتاج إلى موقف حكومي لإصدار قوانين تضع حداً للظاهرة التي باتت غير محصورة بالصيادين المحليين إثر دخول أجانب على الخط في البوادي والمناطق الصحراوية".
بدوره، يحذر الناشط البيئي مهدي ليث من مخاطر الصيد الجائر على التنوع البيئي، ويقول لـ"العربي الجديد": "كل حيوان له سبب في الوجود، وانقراضه أو نقص أعداده يؤثر في التنوع البيئي للعراق". يضيف: "لا يقل خطر الإجرام في الحياة البرية عن أي تهديد آخر، لذا من الضروري اتخاذ موقف جدي لتطبيق القوانين التي تتصدى لكل شيء ممنوع، وسوق الغزل يشهد فعلياً ارتكاب أبشع الجرائم في حق الحيوانات البرية، وذلك أمام أنظار رجال الأمن من دون أي تحرك منهم بسبب عدم وجود أوامر عليا بتنفيذ القوانين".
ويصف عضو جمعية الصيادين الذي يملك محلاً لبيع أسلحة الصيد، كرار الخفاجي، ظاهرة الصيد الجائر بأنها "ملف شائك ومعقد تتدخل فيه جماعات وعشائر تسيطر بالكامل على مسطحات مائية بعضها طبيعية وأخرى صناعية".
ويضيف في حديثه لـ"العربي الجديد": "بعض الأشخاص الذين يمارسون الصيد الجائر ويسكنون في البراري والبوادي يصنعون مسطحة مائية مصطنعة يتركون فيها أطعمة، ويمنعون أي صياد يملك ترخيصاً من دخولها أو الاقتراب منها. وهذه المسطحات المائية الاصطناعية تمثل فعلياً فخاً للطيور المهاجرة التي تقصد العراق خلال موسم الهجرة، وتسمح باصطياد آلاف الطيور يومياً، علماً أن غالبية من يمارسون هذه الطريقة في الصيد يحظون بغطاء عشائري يحميهم من أي مساءلة قانونية، أو يرتبطون بعلاقات مع قوات أمنية تتمركز قرب المسطحات". ويلفت الخفاجي إلى أن "هؤلاء الصيادين يدفعون رشى مالية أو يتقاسمون بعض ما يكسبونه مع ضباط في أجهزة أمن يحمون مسطحات مائية".
وفيما وعدت وزارة البيئة بتطبيق عقوبات رادعة ضد كل شخص يمارس مهنة الصيد الجائر، توضح المسؤولة في الوزارة هيام عبد السادة، في حديثها لـ"العربي الجديد"، أن "شعبة التنوع الأحيائي في الوزارة تتابع عمليات الصيد الجائر بالتعاون مع جمعية الصيادين العراقيين، أما إذا كانت التجارة بالطيور والحيوانات خارجية، فيلتزم العراق بالاتفاقات الدولية".
وتوضح أن الوزارة دعت الجهات المسؤولة إلى عقد اجتماع عاجل لوضع حلول سريعة لمنع الصيد الجائر للطيور النادرة والمهددة بالانقراض، علماً أن هناك مواد قانونية تتعلق بالصيد وتسعى الوزارة بالتعاون مع الجهات المعنية إلى تطبيقها في شكل صارم".
إلى ذلك يؤكد مدير البيئة في محافظة المثنى، محمد سوداني، أن الصيد الجائر يخضع لرقابة بيئية من خلال جولات ميدانية تنفذها شعبة النظم الطبيعية في بادية مدينة السماوة (جنوب) لمتابعة التنوع البيولوجي للبيئتين المائية والصحراوية في المحافظة.
ويقول سوداني لـ"العربي الجديد": "تنفذ دائرتنا إجراءات قانونية بالتنسيق مع أجهزة الأمن في المحافظة، ونشدد على أهمية أن يضطلع المواطنون بدور كبير لمساعدة الأجهزة المعنية في التصدي للصيد الجائر. ويشمل ذلك عدم شراء الطيور التي تعرض في الأسواق، ما يضرب المتاجرين بها، وأيضاً إشاعة ثقافة التنوع البيئي ومعرفة أضرار الصيد الجائر ومخاطره على البيئة".
ويستخدم الصيادون في العراق الأسلحة النارية، بينها بندقية الصيد التقليدية وبندقية الشوزن، بالإضافة إلى الشباك والمصائد الحديدية، كما يستخدمون الطيور الجارحة في الصيد. ومن بين أكثر الحيوانات البرية المرغوبة الصقور مثل الصقر الحرّ وصقر الغزال وصقر الشاهين والصقر البربري، إضافة إلى الأفاعي والغزلان والأرانب البرية، والذئاب والثعالب.