استمع إلى الملخص
- تكرار حوادث القتل بين الأقارب في المغرب يثير تساؤلات حول الأسباب الكامنة، مع تأكيد الباحثين على دور الأزمات الاجتماعية، الاقتصادية، والاضطرابات النفسية في تفاقم هذه الجرائم.
- الإحصائيات الرسمية تظهر انخفاضًا في معدلات الجريمة بنسبة 10% في 2023، بما في ذلك جرائم القتل، ما يعكس جهود السلطات في مكافحة الجريمة لكن يتطلب تحليلًا للأسباب الجذرية للجرائم الأسرية.
أعادت جريمة قتل رجل زوجته وحماته وابنه الرضيع في إقليم الحوز وسط المغرب، يوم الثلاثاء الماضي، إلى الواجهة جرائم قتل الأقارب في المجتمع المغربي. ولا يكاد يمر وقت على وقوع جريمة حتى يتم الإعلان عن وقوع أخرى، ما يشير إلى تصاعدها في المجتمع.
وهزت جريمة قتل مروعة جماعة أغواطيم نواحي تحناوت بإقليم الحوز، وأقدم زوج على قتل زوجته وحماته وابنه الرضيع، فيما أصيبت شقيقة زوجته بجروح بليغة نقلت على إثرها إلى المستشفى وهي في حالة حرجة. وبينما تعكف السلطات الأمنية على التحقيق في ملابسات الجريمة التي أثارت ضجة مجتمعية بعد إلقاء القبض على الجاني، تحدثت مصادر محلية عن خلافات زوجية ومشاكل عائلية تقف خلف ارتكاب الجاني جريمته، وكانت هذه الخلافات موضع شكاوى سابقة لدى مصالح الدرك الملكي بجماعة أغواطيم.
وفي الآونة الأخيرة، تشهد البلاد جرائم قتل بشعة، أبطالها أزواج وزوجات وآباء وأمهات وأبناء نفذوا جرائمهم وسط ظروف مختلفة، لكن النتيجة هي قتل أناس تربطهم صلة قرابة مع القاتل، ما يطرح علامات استفهام كبيرة بشأن دوافع وأسباب تكرارها.
وفي 17 إبريل/ نيسان الماضي، شهدت مدينة الجديدة (جنوب مدينة الدار البيضاء) جريمة راح ضحيتها مسن، بعدما أقدم ابنه على الاعتداء عليه بالضرب. وتكرر الأمر في مدينة وجدة (شرق البلاد) في 16 مارس/ آذار الماضي، حين قتل شاب زوجة أبيه بواسطة بندقية صيد، قبل أن ينتحر.
كما شهدت مدينة العرائش (شمال) في 12 مارس/ آذار الماضي الموافق لأول أيام رمضان في البلاد، جريمة مروعة راحت ضحيتها سيدة في الستينيات من العمر، بعدما قتلها ابنها المدمن على المخدرات. في هذا السياق، يقول الباحث في علم الاجتماع، هشام بوقشوش، إن "التصاعد المطرد لمستوى وبشاعة الجرائم في المجتمع المغربي يثير أكثر من تساؤل حول الأسباب الكامنة وراء ذلك، ويحيلنا إلى تتبع مؤشرات منسوب الحقد الاجتماعي ومدى امتلاك الفرد ملامح الهوية والانتماء"، موضحاً أن "توالي وتلاحق الأزمات الاجتماعية الأسرية والاقتصادية وما تنتجه من اضطرابات نفسية أثرت بشكل كبير في العلاقات الإنسانية، التي أصبحت مبنية على منسوب يكاد ينعدم من القيم".
ويوضح في حديثه لـ "العربي الجديد"، أن "الجريمة خليط من الدوافع المرتبطة بالقيم والتربية والظلم الاجتماعي والتوازن النفسي. كل فرد يعيد ترتيب حياته الشخصية وفقاً لمتغيرات اجتماعية ونفسية وتربوية وقيمية تحركها تفاعلات مجتمعية يفقد ضمنها الفرد القدرة على إدارة تفاصيل حياته، محاولاً تجنب الوقوع في المخالفات والجرائم. الشخص الذي فقد تقديره لذاته وتقدير المجتمع له، وعانى اضطرابات نفسية وفقد الآليات الدفاعية القيمية والتربوية، لن تشكل له القواعد القانونية أو الضوابط الاجتماعية أي مرتكز في بنيته العقلية والنفسية".
ويقول بوقشوش إنّ بعض تلك الجرائم ترتبط بالاضطرابات النفسية والعقلية، وهي ذات مؤشرات مقلقة للصحة النفسية والعقلية في المجتمع المغربي. ويعزو السبب إلى قلة المستشفيات المتخصصة، وإحجام الكثيرين عن طلب العلاج بسبب الوصمة الاجتماعية التي ترتبط بالأشخاص الذين يعانون اضطرابات نفسية وعقلية، في ظل تنامي التنمر الاجتماعي. ويلفت إلى أن المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي (CESE) كان قد كشف أن المسح الوطني للسكان من سن 15 عاماً وما فوق، أظهر أن 48.9 في المائة من المغاربة يعانون أو قد سبق لهم أن عانوا اضطراباً نفسياً أو عقلياً في فترة من فترات حياتهم.
من جهته، يرى الباحث في علم الإجرام، رشيد بوعبيد، في حديثه لـ "العربي الجديد"، أن الأسباب التي تقف وراء الجرائم البشعة التي تثير مستوى من الفزع وعدم الاستقرار داخل المجتمع متعددة ومتنوعة، منها ما يرتبط بالأفراد الجناة مقترفي الأفعال الجرمية، ومنها ما يتعلق بالضحايا والمحيط القريب. ويوضح أن مرتكبي تلك الجرائم البشعة غالباً ما تتميز شخصيتهم بنوع من الاضطراب وعدم الالتزام، كما ترتبط بما عاشوه من ضغوط الحياة والوضعية الاجتماعية المتسمة بنوع من التفكك وضعف التماسك والتواصل بينهم وبين محيطهم القريب، وكذلك بضغوط العمل والبطالة. ويلفت إلى أن ضحايا تلك الجرائم البشعة قد يشكلون عوامل مساهمة في وقوعها مباشرة أو غير مباشرة، إذ قد تربطهم بمرتكبيها علاقة يمكن وصفها بشكل عام بالتشنج والنفور والرفض المتراكم.
كما يشكل المحيط العام المرتبط بضغوط المعيشة والاستهلاك وضعف القدرة الشرائية والازدواجية في ما يخص القدوات التي يتخذونها، والازدواجية بين الانفتاح والمحافظة، أحد الأسباب التي تساهم في حدوث تلك الجرائم البشعة التي تخلق نوعاً من الفزع والشك في منظومة القيم عامة ومعايير وقواعد العيش المشترك، التي تصبح محل تساؤل من خلال شك الناس في القيم التي تؤطر مجتمعهم، بحسب بوعبيد.
وتفيد آخر الإحصائيات الرسمية الصادرة عن المديرية العامة للأمن الوطني بتسجيل انخفاض ملحوظ في المظهر العام للجريمة (عدد القضايا والملفات المسجلة) خلال عام 2023 بنسبة 10 في المائة، وقد بلغ عددها 738 ألفاً و748 قضية. كما شهدت مؤشرات الإجرام العنيف بدورها تراجعاً في مختلف الجرائم الخطيرة، إذ انخفضت جرائم القتل والضرب والجرح المفضي للموت بنسبة 25 في المائة.