تفيد بيانات فرع الأمن الجنائي في حلب بأنّ شكاوى عدّة تصل إليه بشكل شبه يومي حول عمليات سرقة وتشليح وخطف في مقابل الفدية. يأتي ذلك وسط غضّ نظر أمني، في حين أنّ السكان لا يخفون قلقهم إزاء ما يجري إذ هم أهداف محتملة.
تشهد مدينة حلب في شمال سورية، في السنوات الأخيرة، ارتفاعاً غير مسبوق في معدّل الجريمة. وتُصنَّف هذه الجرائم في معظمها ذات طابع اقتصادي، إذ تأتي على شكل عمليات سرقة ونهب وخطف في مقابل فدية. ويُسجَّل ذلك في وقت تعيش فيه المدينة وغيرها من مدن البلاد فلتاناً أمنياً، في حين يشكو الناس من أحوال معيشية سيّئة تسبّب فيها الهبوط الكبير لقيمة الليرة السورية وانخفاض الدخل والتضخّم، علماً أنّ ذلك أثّر على القدرة الشرائية لدى السوريين الذين لم يعد دخلهم يؤمّن أبسط احتياجاتهم اليومية.
حسام من سكان مدينة حلب وهو واحد من الضحايا. هو كان ينتظر حافلة في أحد المواقف في طريق عودته مساءً إلى منزله وقد أنهى عمله، عندما انتزع شخص هاتفه المحمول من يده ثمّ فرّ هارباً من المكان. يخبر حسام "العربي الجديد": "كنت أجري محادثة واتساب مع زوجتي وأسألها عن الأغراض التي تحتاجها للمنزل، عندما اقترب شخص ووقف بمحاذاتي. ظننت أنّه مثلي ينتظر الحافلة، لكنّ الأمر لم يكن كذلك. وبعد أن سلبني هاتفي، حاولت اللحاق به لبضع دقائق لكنّه اختفى بين الحارات في منطقة بستان القصر ولم يعد له أيّ أثر". ويشير حسام إلى أنّ ثمن هاتفه وهو من طراز "سامسونغ" نحو 600 ألف ليرة سورية (نحو ألف و200 دولار أميركي)، موضحاً "اضطررت إلى العمل لبعضة أشهر حتّى تمكّنت من شرائه". يضيف أنّ "شراء هاتف محمول في سورية اليوم أشبه بالحلم، بسبب ارتفاع أسعار تلك الأجهزة وفقاً لسعر صرف الليرة في مقابل الدولار، في حين أنّ الأجور على حالها". تجدر الإشارة إلى أنّ هذا الواقع يجعل شراء هاتف من طراز "آيفون 12" مثلاً، يعادل متوسّط راتب الموظّف أو العامل في سورية لأكثر من عامَين.
من جهته، يخبر عبد الله من سكان المدينة كذلك، أنّه بينما كان نائماً وزوجته في منزلهما الواقع في حيّ الميسر شرقي حلب، دخل لصّان إلى منزل وسرقا هواتف محمولة وأموالاً وبعض الأجهزة الكهربائية والأثاث. ويوضح عبد الله أنّ "حتّى سجّادة غرفة الجلوس لم تسلم منهما، إذ سرقا كلّ ما يمكن حمله ثمَّ فرّا إلى الخارج"، مشيراً إلى أنّه "في حالة استغراب حتى الآن. لا أعرف كيف أنّني لم أستيقظ في خلال عملية السرقة التي وقعت". وفي اليوم التالي، علم عبد الله من أحد جيرانه أنّهما شاهدا اللصَين اللذَين كانا يرتديان لباساً عسكرياً مموّهاً، غير أنّه لم يخرج لمواجهتهما خوفاً من أن يكونا مسلّحَين. ويؤكد عبد الله أنّ "الخسارة التي مُنيت بها من جرّاء هذه السرقة دمّرت حياتي. فأنا لا أملك أيّ فرصة لشراء أغراض بديلة من تلك التي سُرقت. حتّى أنّ المبلغ المالي الذي كان مخصصاً للإنفاق على أسرتي سُرق كذلك، الأمر الذي يتركني من دون أيّ ليرة". ويصف عبد الله تعامل الشرطة السورية مع الحادثة بـ"غير المبالي"، لافتاً إلى أنّ أحد عناصر الشرطة قال له: "الله يعوضك". ويذكر عبد الله أنّ "ثمّة حوادث سرقة وتشليح كثيرة تجري في المدينة. فقبل الحادثة التي تعرّضت إليها بعدّة أسابيع، صوّب ملثّمون مسدّساً إلى رأس صديقي فيما كان يمشي وحيداً في الليل وأجبروه على تسليمهم هاتفه المحمول وكلّ ما يملك من نقود وأشياء ثمينة".
في سياق متصل، يقول صحافي يعمل في إحدى وسائل الإعلام المحلية في حلب إنّ "الشكاوى من جرائم متعددة تقع في المدينة كثرت منذ منتصف العام الماضي". ويشرح الصحافي الذي فضّل عدم الكشف عن هويته لـ"العربي الجديد" أنّ "الأمور لا تتوقّف عند سرقة الأموال أو التشليح والسلب في الشارع، بل ثمّة عمليات خطف أطفال في مقابل فدية، إلى جانب جرائم اغتصاب وأخلاقية مختلفة لا علاقة للمال فيها". ويلفت إلى أنّ "مرتكبي هذه الجرائم بمعظمهم لا يخافون القانون، بالتالي يُغضّ الطرف عن أنشطتهم، أو هم أشخاص لا يبالون السجن". يضيف الصحافي نفسه أنّ "أحد الأشخاص الذين قابلتهم سُرق منزله في وضح النهار من قبل أشخاص يرتدون لباساً عسكرياً ولم يستطع سكّان المبنى إيقافهم أو الاتصال بالشرطة لأنّهم كانوا مسلّحين. ويبدو من توقيت فعلتهم أنّهم غير خائفين من أحد".
تجدر الإشارة إلى أنّ مصادر عدّة أفادت "العربي الجديد" بأنّ الأغراض التي تُسرَق تُباع بشكل طبيعي في أسواق حلب الرسمية وتلك السوداء كذلك، في غياب كلّ رقابة ومن دون توفّر آلية للتعرّف على البضائع المسروقة، لا سيّما الذهب والهواتف المحمولة التي يمكن التعرّف عليها بسهولة. يأتي ذلك في حين يعاني سكّان المدينة انعداماً للخدمات، تحديداً المياه والكهرباء، بالإضافة إلى غلاء فاحش في السلع الضرورية.