جرحى ينزفون حتى الموت في أنحاء شمال غزة

11 نوفمبر 2024
لا تتوفر أية وسائل لنقل الجرحى في شمالي غزة (فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- الوضع الصحي الكارثي: تتفاقم الأزمة الصحية في شمالي غزة بسبب الحصار الإسرائيلي، حيث يمنع دخول سيارات الإسعاف ويستهدف الطواقم الطبية، مما يؤدي إلى وفاة الجرحى بسبب نقص الرعاية والمعدات الطبية.

- قصص الشجاعة والتضحية: تجسد قصة المسعف أحمد النجار شجاعة الطواقم الطبية في غزة، حيث يواصلون العمل رغم المخاطر الكبيرة ونقص المعدات، مما يبرز التضحيات الإنسانية الكبيرة.

- المجازر الإنسانية وتفاقم الأزمة: شهدت المنطقة مجازر مروعة مثل قصف بيت لاهيا، مما أدى إلى استشهاد أكثر من 130 فرداً، مع استمرار القصف ونقص الموارد الأساسية، مما يعكس حجم المعاناة.

مع استمرار العملية العسكرية الإسرائيلية في شمالي قطاع غزة، تحولت الإصابات الطفيفة والمتوسطة إلى قاتلة نتيجة عدم وجود خدمات طبية يمكنها إنقاذ الجرحى الذين ينزف بعضهم حتى الموت.

 

يمنع جيش الاحتلال دخول سيارات الإسعاف إلى مخيم جباليا، وقام بتدمير معظم المركبات العاملة في المنطقة، ما يمنع الفرق الطبية من إسعاف المصابين لتبقى عمليات الإنقاذ تطوعية بجهود من المسعفين، والذين يحاولون نقل المصابين إلى مستشفى كمال عدوان أو مستشفى العودة في ظل أوضاع صحية كارثية تعيشها المنطقة كلها. وأمام منظومة صحية عاجزة عن تقديم الخدمات الطبية، يتم تحويل المصابين إلى مستشفيات مدينة غزة، بالتزامن مع إطباق الاحتلال حصاره منذ بدء اجتياحه الثالث المتواصل لبلدات شمالي القطاع منذ الخامس من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، والذي خلف أكثر من 1800 شهيد، فضلاً عن إصابة أكثر من 4 آلاف آخرين، معظمهم لم تجر لهم تدخلات طبية، وفق معطيات حكومية بقطاع غزة.

لم يجد المسعف الفلسطيني أحمد النجار سوى عربة يجرها حمار لنقل المصابين من عائلة أبو صقر بعد استهداف جيش الاحتلال الإسرائيلي منزلهم في مخيم جباليا شمالي قطاع غزة، ما أدى إلى استشهاد بعضهم، وإصابة آخرين لم يتوقفوا عن الاستغاثة لإنقاذهم على مدار يوم كامل.
نجح المسعف النجار بشجاعة في نقل عدد من المصابين بعد أن توجه إلى المكان المستهدف صبيحة 15 أكتوبر الماضي، بعد حصوله على تنسيق من اللجنة الدولية للصليب الأحمر لإتمام مهمته الإنسانية، ثم كان على موعد مع المهمة التالية بعد قصف الاحتلال منزل عائلة السيد بالمخيم، والذي وصل إليه في وقت باكر بعد حصوله على التنسيق.

المنظومة الصحية عاجزة عن تقديم الخدمات الطبية في شمالي غزة

يروي والده لـ "العربي الجديد" أن "أحمد وصل إلى مكان القصف، وقام بإجراء اسعافات أولية للمصابين، ونقل مجموعة منهم إلى المستشفى، ثم عاد لنقل مجموعة أخرى، من بينهم طفل صغير، وأثناء سيره بين ممرات المخيم جرى استهدافهم من قبل طائرة إسرائيلية بدون طيار. استشهد ابني على الفور، واستشهد بعض المصابين، ويرجح شهود العيان نجاة الطفل الصغير". يضيف: "كان أحمد يخاطر بحياته لإنقاذ الجرحى، وأحياناً يبذل جهداً كبيراً في مساعدة أفراد من الدفاع المدني لإزالة الركام، قبل انتشال المصابين وإجراء الإسعافات الأولية لهم ميدانياً، وكان يحرص على الاستجابة لنداءات الاستغاثة القريبة. كنت أطالبه بالحرص على سلامته، وأن لا يتحرك في المناطق الخطرة من أجل طفليه الصغيرين، لكنه كان يطمئنني، وطالبته بأن ينزح معنا، لكنه رفض، وأصر على البقاء لإسعاف المصابين، حتى دفع حياته ثمناً للقيام بمهمته الإنسانية".
كان النجار يعمل في المستشفى الإندونيسي، ومع صعوبة الوصول إلى المستشفى خلال التوغل الإسرائيلي، تطوع للعمل في نقطة طبية أقيمت داخل مدرسة في منطقة سكنه في "بئر النعجة" إلى الغرب من مخيم جباليا. وتجسد قصة المسعف الشهيد طبيعة الوضع الصحي في شمالي غزة، وتسلط الضوء على تفاني الطواقم الطبية في محاولات إسعاف المصابين رغم المخاطر الكبيرة، إذ يقدم الكثير منهم أرواحهم في سبيل أداء مهمتهم، في ظل استهداف كل معالم الحياة.

عربات تجرها الحمير تقوم بدور سيارات الإسعاف (فرانس برس)
عربات تجرها الحمير تقوم بدور سيارات الإسعاف (فرانس برس)

ومثلت المجزرة الدموية التي ارتكبها الاحتلال بحق عائلة أبو نصر في بلدة بيت لاهيا شمالي القطاع، واحدة من أبشع المجازر منذ بدء الحرب، إذ جرى قصف عمارة سكنية مكونة من خمسة طوابق تؤوي نحو 200 نازح، ما أدى إلى استشهاد أكثر من 130 فرداً، غالبيتهم من الأطفال والنساء، وظل كثيرون عالقين تحت الركام، في حين نجا بضعة أفراد فقط.
قبل أيام، تعرض الشاب مجدي مهدي للإصابة بشظايا في منطقة البطن بعد قصف جيش الاحتلال تجمعاً للمواطنين في سوق مركزي بمشروع بيت لاهيا، وأدت الغارة إلى استشهاد ثمانية مواطنين. لم يجد المصابون سيارة إسعاف لنقلهم، ولا أي وسيلة يمكن من خلالها الذهاب إلى المستشفى، وتدهورت حالة مجدي غير المميتة مع استمرار النزيف، فتناوبت مجموعة من الشبان على حمله والسير به إلى أقرب نقطة طبية.
يروي يحيى المدهون لـ "العربي الجديد": "وصلوا به إلى النقطة الطبية، لكن لم يكن يتوفر فيها المستلزمات المطلوبة لإجراء الإسعافات الأولية أو وقف النزيف، فنقلوه بعربة يجرها حمار إلى مستشفى كمال عدوان، وعدما وصلوا وضعوه على الأرض في قسم الاستقبال، وبدأ التعامل الطبي معه، لكن الوقت كان قد تأخر كثيراً، واستشهد نتيجة النزيف".
يسكن المدهون بجوار مستشفى كمال عدوان، ويتواجد يومياً فيه لتوثيق الإصابات ونقلها للعالم. ويقول إن "الجرحى ممددون على الأرض، والإصابات الخطيرة التي تأتي إلى المشفى يحاول الطاقم الطبي التعامل معها، لكن الكثير منهم يفقدون حياتهم نتيجة نقص المعدات والمستلزمات، وعدم وجود طواقم متخصصة. الجرحى ينامون في ممرات المستشفى من دون علاج، ولا تملك أي جهة نقلهم لإنقاذهم، فالاحتلال يمنع ذلك، والعلاج الذي تملكه المستشفى عبارة عن إسعافات أولية، والحالات التي تحتاج إلى عمليات جراحية يتم تحويلها إلى مستشفى العودة، وبسبب عدم وجود سيارات إسعاف، يتم نقل المصابين بصعوبة".

متطوعون يحملون مسناً مصاباً نجا من قصف على جباليا (عمر القطاع/فرانس برس)
متطوعون يحملون مسناً مصاباً نجا من قصف على جباليا (عمر القطاع/فرانس برس)

ويلفت إلى حالة وثقها أخيراً، لشاب أصيب بشظايا في قدمه، فقام الممرضون بلف الجرح لوقف النزيف، وبقيت الشظايا داخل قدمه، ولم يمنع الشاش الطبي وقف النزيف، ما يهدد حياة الشاب، كما أن المضادات الحيوية التي يحتاجها غالبية المصابين غير متوفرة، وبالتالي تحدث مضاعفات خطرة.
تعرض محمد فرج الله للإصابة في 19 أكتوبر الماضي، ورغم محاولة الطواقم الطبية علاجه وتضميد جراحه، إلا أن نزيفه استمر لثلاثة أيام، ولم يستطع أحد نقله لإجراء جراحة، ثم حدثت انتكاسة مفاجئة في حالته الصحية في اليوم الثالث للإصابة، الأمر الذي أدى إلى استشهاده، تاركاً زوجته وأطفاله في صدمة كبيرة.
تروي زوجته لـ "العربي الجديد": "كانت إصابة زوجي في القدمين، وظل ينزف لثلاثة أيام، وجرت محاولات بدائية لوقف النزيف وإنقاذه. حاولنا عمل إسعافات أولية بواسطة ممرضين كانوا بالمدرسة التي نزحنا إليها على مدار الأيام الثلاثة، كما حاولنا الاتصال بسيارة إسعاف، لكنها لم تستطع القدوم إلى المدرسة كون المنطقة محاصرة بالدبابات، وقد استشهد نتيجة النزيف، ودفناه بالمدرسة".
نزحت الزوجة مع أطفالها وآخرين من أفراد العائلة من مدرسة أبو حسين في مخيم جباليا، حيث دفنت زوجها، إلى مشروع بيت لاهيا، وهناك تعرضوا للقصف، فاستشهدت ابنة شقيقها وابن عمها. تقول: "خرجنا كلنا مصابين من تحت الركام، ونزحنا ونحن مصابون إلى مدينة غزة، وكنا نعاني من رضوض كبيرة، لكننا تحاملنا على أنفسنا حتى وصلنا".
حالياً رانيا أبو حميدة مع عائلتها بمنطقة المنشية في بيت لاهيا، وهي تشاهد بشكل يومي عمليات نقل المصابين حملاً على الاكتاف نحو النقاط الطبية، حيث تقدم لهم الإسعافات الأولية، والبعض يجري نقلهم من خلال عربات تجرها الحمير، وكثيرا ما تسمع استغاثات المصابين العالقين تحت ركام المنازل المدمرة لإنقاذهم، والذين يحاول بعض المتطوعين الوصول إليهم بجهود بدائية، وفي معظم الحالات تختفي الأصوات بعد فترة، ما يعني استشهادهم.

تقول أبو حميدة لـ "العربي الجديد": "جيش الاحتلال لا يمنع دخول سيارات الإسعاف إلى المناطق المستهدفة فحسب، بل يمنع الشبان من التوجه لإسعاف المصابين عبر إطلاق الرصاص عليهم من الطائرات المسيرة (كواد كابتر). نعيش ظروفاً صعبة، وننزح من منطقة إلى أخرى داخل بيت لاهيا، والمجازر تحدث حولنا في كل مكان، ولم يعد هناك أكفان، ولا أغطية لتكفين الشهداء قبل دفنهم، وبعض جثث الشهداء ملقاة في الشوارع، والبيت الذي يسقط فوق رؤوس سكانه يصعب انتشال الشهداء منه أو إخراج المصابين من تحت ركامه".
وتضررت الأوضاع داخل مستشفى كمال عدوان بعد قصف الاحتلال طوابقه العلوية، واعتقال كوادره الطبية، مع بقاء طبيبين فقط داخل المستشفى مع عدد قليل من طواقم التمريض. يقول مدير المستشفى الطبيب حسام أبو صفية لـ"العربي الجديد": "فقدنا العديد من الجرحى لعدم وجود تخصصات جراحية، وأغلب الإصابات تصل مشياً على الأقدام، أو يحملهم آخرون، وتحتاج إلى تدخلات جراحية؛ وبعد اعتقال الطواقم لم يسمح جيش الاحتلال بإدخال طواقم جديدة، فضلاً عن عدم وجود مركبة اسعاف واحدة في شمالي القطاع، ما يجعل الأوضاع كارثية". ويلفت أبو صفية إلى أنّ "الكثير من المصابين يموتون في الشوارع لعدم قدرتهم على الوصول إلى المستشفى، وبعد تجدد قصف الطوابق العلوية من المستشفى بشكل مباشر، أصيب أطفال، وطواقم كانت تقدم الخدمة للمصابين".

المساهمون