يُسجَّل نزوح كثيف في قرى جنوب لبنان الحدودية مع فلسطين المحتلة، منذ بدء الاشتباكات ما بين القوات الإسرائيلية وحزب الله غداة الحرب على غزة. ويأتي ذلك وسط تصاعد حدّة التوترات، منذ الثامن من أكتوبر/ تشرين الأول، عند الحدود الجنوبية للبنان الممتدة على نحو 120 كيلومتراً، من مرتفعات الجولان السوري شرقاً إلى بلدة الناقورة اللبنانية غرباً.
وتلك الاشتباكات التي لم تصل بعد إلى ما يمكن توصيفه "حرباً" أدّت إلى قرى خاوية في جنوب لبنان ومنازل مدمّرة فيما خلت الطرقات من المارة والمركبات، بالإضافة إلى سقوط عشرات القتلى والجرحى. لكنّ ثمّة مخاوف مستمرّة من نشوب "حرب شاملة"، ولا سيّما مع التهديدات الإسرائيلية المستمرة.
ومنذ الثامن من أكتوبر الماضي، استشهد من جرّاء القصف الإسرائيلي على جنوب لبنان 26 مدنياً لبنانياً، من بينهم ثلاثة صحافيين وثلاثة أطفال، إلى جانب 126 مقاوماً في صفوف حزب الله.
60 ألف نازح من قرى جنوب لبنان
ومع تصاعد حدّة الاشتباكات في جنوب لبنان أخيراً، اضطرّ نحو 60 ألف مدني إلى مغادرة منازلهم، وذلك بحسب البيانات المتوفّرة ما بين الثامن من أكتوبر الماضي والخامس من ديسمبر/ كانون الأول الجاري، واللجوء إلى أماكن أكثر أمناً، بحسب ما أفادت المنظمة الدولية للهجرة التابعة للأمم المتحدة.
وفي جولة لفريق وكالة الأناضول بالقرى الحدودية في جنوب لبنان، رصد تحوّل الطريق المحاذي للجدار الحدودي ما بين لبنان وفلسطين المحتلة إلى منطقة "محفوفة بمخاطر كبيرة"، بعد استهداف القوات الإسرائيلية المدنيين على طول هذا الخطّ.
كذلك سجّل الفريق مغادرة سكان هذه القرى الحدودية مناطقهم حتى صارت "فارغة من سكانها"، بعد التصعيد الإسرائيلي الأخير، بالإضافة إلى رصد استهداف منازل بصورة مباشرة.
ولاحظ فريق وكالة الأناضول المنازل المدمّرة كلياً في بلدة كفرشوبا، علماً أنّها تتعرّض لقصف إسرائيلي مكثّف في الأيام الأخيرة. وبيّن أنّ سكان كفرشوبا هجروها، ولم يبقَ فيها إلا 10 مدنيين فقط من أصل 2100 نسمة كانت تقطنها.
ومن أجل تفادي التعرّض لنيران القوات الإسرائيلية، يستخدم المواطنون والصحافيون الذين يتنقلون في بلدات جنوب لبنان وقراه الطرق الداخلية، الأمر الذي يضاعف الوقت الذي يستغرقونه للوصول إلى المناطق المقصودة بفعل زيادة طول المسافات. لكنّ ذلك يبدو أمراً ضرورياً، إذ إنّ قوات الاحتلال تراقب أيّ تحرّك. وتُعَدّ قيادة السيارة على الطرقات الداخلية في القرى المحاذية للشريط الحدودي، ولا سيما من كفرشوبا (جنوب شرق) إلى الناقورة (جنوب غرب) أمراً خطراً جداً، ويزيد من احتمال التعرّض لإطلاق النار.
بالإضافة إلى بلدة كفرشوبا، يوضح فريق وكالة الأناضول أنّ ثمّة بلدات أخرى في جنوب لبنان "كانت أكثر عرضة" للقصف الإسرائيلي، وشهدت تدمير عدد كبير من المنازل، سواءً بصورة كلية أو جزئية. ومن بين هذه البلدات كفركلا، وعيترون، وعيتا الشعب، ومركبا، ورامية، ورميش، ويارون، والضهيرة، وعلما الشعب، والخيام، وميس الجبل، وبليدة، وميس الجبل.
هدير المسيّرات الإسرائيلية لا يفارق جنوب لبنان
وفي مناطق جنوب الليطاني، وثّق فريق وكالة الأناضول خلوّ الطرقات تماماً من السيارات أو المارة في الفترة الأخيرة، باستثناء دوريات خاصة بالقوة المؤقتة للأمم المتحدة في لبنان (يونيفيل)، وكذلك سيارات الإعلاميين التي تقلّصت أخيراً بسبب استهداف القوات الإسرائيلية الصحافيين.
وفي سياق متصل، أقفلت المحال التجارية بمعظمها أبوابها وتوقّفت الأسواق عن العمل في تلك البلدات والقرى، ولم يتبقَّ إلا بضعة محال ومطاعم تسترزق بتلبية احتياجات جنود حفظ السلام والصحافيين فقط.
وفي خلال الجولة الميدانية نفسها في جنوب لبنان، سجّل فريق وكالة الأناضول الهدير المستمر لمسيّرات الاستطلاع الإسرائيلية التي تُعرَف باسم "إم كا"، وكذلك الأصوات التي لا تهدأ للقذائف التي تتساقط في أماكن قريبة، وذلك عند اجتياز نقطة التفتيش الخاصة بالجيش اللبناني في منطقة الخردلي جنوبي الليطاني.
وفي الإطار نفسه، أفاد مواطنون لازموا بيوتهم في منطقة مرجعيون، وهي النقطة التي يتجمّع فيها الصحافيون لنقل الأخبار، بأنّ هدير المسيّرات الإسرائيلية يرافقهم على مدار الساعة، بالإضافة إلى أصوت القذائف التي تزايدت حدّتها في الفترة الأخير، وقد بدأت تستهدف المنازل.
يُذكر أنّ المواطنين الذين التقت بهم وكالة الأناضول فضّلوا عدم الظهور أمام الكاميرا والتحدّث علناً والكشف عن هوياتهم، وقد اتّفقوا بمعظمهم على القول "الله يحمي لبنان".
(الأناضول، العربي الجديد)