استمع إلى الملخص
- الحديقة تحولت إلى مكان للمخالفات والجرائم، مع تهالك المقاعد وافتقارها للإضاءة والمرافق الضرورية، وهناك قلة وعي بأهميتها وضرورة ترميم المباني والأشجار التاريخية.
- يدعو خبراء وزوار لضرورة الاهتمام بالحديقة وتطويرها للحفاظ على قيمتها التاريخية والثقافية، ويتبنى الجهاز القومي للتنسيق الحضاري مشروعًا لإحياء الحدائق التراثية بما في ذلك حديقة الشلالات.
يطاول المناطق الأثرية والتاريخية في محافظة الإسكندرية شمالي مصر إهمال كبير، ومن بين أهمها "حديقة الشلالات" الأثرية الموجودة في منطقة الأزاريطة، والتي باتت عرضة للاندثار نتيجة عدم الترميم أو الاهتمام رغم ما تحمله من ذكريات وقصص تسرد تاريخ المدينة الساحلية.
وتحتضن الحديقة العديد من المواقع الأثرية النادرة، مثل أسوار الإسكندرية الرومانية، وطابية النحاسين، وهي جزء من الحصون الدفاعية التي بناها محمد علي باشا الذي حكم مصر بين 1805 و1848، ورغم ذلك، باتت الحديقة التي يتجاوز عمرها 150 سنة لا تصلح للتنزه.
أنشئت حديقة الشلالات في عام 1899 بأمر من الخديوي عباس حلمي الثاني، وتم تصميمها بحيث تتناغم فيها الطبيعة مع العمارة الكلاسيكية والصهاريج والتماثيل والمباني الأثرية والأشجار العتيقة والنباتات النادرة، كي تكون مصدر جذب للمواطنين.
ووفقاً لدراسة بحثية أعدتها لجنة أكاديمية من كليتي الزراعة والفنون الجميلة بجامعة الإسكندرية، وتم تقديمها لمسؤولي المحافظة في شهر مايو/ أيار الماضي، فإن حديقة الشلالات الأثرية "تحولت إلى مكان للمخالفات والجرائم، ومقاعدها متهالكة، وتفتقر إلى الإضاءة والمرافق الضرورية، وتغيب عنها الخدمات، مع انعدام الأنشطة". ولفتت الدراسة إلى أن نتيجة استبيان هجر الحديقة نتجت عن أسباب عدة، من بينها قلة الوعي العام بأهميتها كحديقة تاريخيه، وعدم ترميم أو صيانة المباني والأشجار التاريخية داخلها، وقلة تنوع النباتات، واقتصارها على أنواع قليلة، إضافة إلى كثرة القمامة بسبب إهمال النظافة.
يقول ياسر العمري، وهو أب لثلاثة أطفال، وكان أحد زائري الحديقة، لـ"العربي الجديد": "تعاني حديقة الشلالات من سوء الصيانة، فالأرضية متضررة أو متشققة، وهناك إهمال واضح لرعايتها والحفاظ على جمالها. لا يمكنني إخفاء خيبة أملي، فالأشجار مهملة، وبعضها تعرض للجفاف، وليس هناك نظام ري فعال، ما يؤثر سلباً على النباتات، كما أن الأثاث التالف والمهمل يعطي انطباعاً سيئاً، وتحتاج الحديقة إلى تحسينات كبيرة لكل ما فيها".
وتؤكد سمية أبو المعاطي، وهي ربة منزل ثلاثينية، لـ"العربي الجديد"، أن "تدهور وضع الحمامات في الحديقة يزعج مرتاديها، ولا بد من الاهتمام بالمرافق الصحية والنظافة العامة، كما تعاني الآثار الموجودة في الحديقة من عدم الاهتمام بصيانتها أو ترميمها، فالنصب التذكارية والمعالم الأثرية والأسوار القديمة تظهر عليها علامات التآكل، وهي معرضة للاندثار. الطبيعي هو أن يتم توفير الموارد والجهود لحماية هذه الآثار القيمة قبل فوات الأوان، خاصة أن بعضها جزء مهم من تراثنا وتاريخنا".
وعن تاريخ الحديقة، تقول أستاذة التاريخ والآثار الإسلامية، علا عبد المنعم، لـ"العربي الجديد": "تم تصميم الحديقة على طراز حدائق العصور الوسطى التي تأخذ شكل المدرجات، وتولى ذلك مصمم الحدائق الأميركي فريدريك لو أولمستد في عام 1899، وسميت بهذا الاسم نسبة إلى الشلالات الصناعية التي كانت توجد فيها. أهمية الحديقة لا تقتصر على كونها من بين أقدم حدائق الإسكندرية، أو لموقعها المتميز، لكن لكونها تحتوى على ثلاثة من أهم آثار المدينة، أبرزها البرج الشرقي الشاهد الوحيد على سور الإسكندرية القديمة، والذي يرجع تاريخه إلى عصر السلطان أحمد بن طولون في القرن التاسع الميلادي، ويتميز بتنوع الأحجار والعناصر المعمارية المستخدمة فيه".
تضيف عبد المنعم: "تضم الحديقة أيضاً (صهريج ابن النبيه) الذي يعود إلى العصر اليوناني، وهو الوحيد المحتفظ بشكله حتى الآن، ويتكون من ثلاثة طوابق تحت سطح الأرض، وداخله مجموعة من تيجان الأعمدة الأثرية الأكثر ندرة، إضافة إلى طابية النحاسين التي بناها محمد علي باشا، وهي عبارة عن حصن دفاعي، وسميت بهذا كونها كانت الأدوات النحاسية الخاصة بالجيش تُصنع داخلها. تضم الحديقة أيضاً مدرجات تاريخية ذات ارتفاعات مختلفة، والكثير من النصب التذكارية والتماثيل التي تعبّر عن التاريخ المصري، وكانت تضم تمثال رئيس الحكومة المصرية في العهد الملكي نوبار باشا، لكنه نقل إلى بهو دار أوبرا الإسكندرية".
ويبدي الأستاذ المتفرغ في قسم تنسيق الحدائق بكلية الزراعة بجامعة الإسكندرية، طارق القيعي، مخاوفه من أن تفقد المدينة واحدة من أقدم الحدائق الأثرية فيها بسبب استمرار الإهمال والتجاهل، والذي تسبب في ضياع معالم ذات قيمة مهمة، وجفاف بحيرات الحديقة التي كانت تستخدم سابقاً للصيد والتنزه، مطالباً بالاهتمام بالمعالم التاريخية، وعدم تركها فريسة الإهمال.
ويؤكد القيعي أن "تطوير الحديقة يجب أن يحافظ على النباتات والزهور التاريخية، ويشمل التخلص من النباتات العشوائية والمريضة، مع إضافة نباتات جديدة لتعزيز التنوع النباتي، وإضفاء مزيد من الألوان على الحديقة، وتوفير مساحات كافية من الأراضي الخضراء، مع تجهيز الطرق والممرات لتسهيل حركة الزوار. تعاني الحديقة أيضاً من عدم وجود تأمين أو أسوار تمنع الخارجين على القانون من التسلل إليها، وتعاني من نقص النظافة، والإنارة، والمرافق العامة، ومناطق لعب الأطفال، كما ينبغي أن تضم مطاعم ومقاهي، ومواقف للسيارات، ولوحات إرشادية".
بدوره، يقول رئيس الجهاز القومي للتنسيق الحضاري، المهندس محمد أبو سعدة، إن الجهاز يتبنى مشروعاً لإحياء الحدائق التراثية، وإعادتها إلى ما كانت عليه في الماضي، وإنجاز أرشيف قومي للحدائق التراثية ذات الطابع المعماري المتميز. ويؤكد أن "المرحلة الأولى مخصصة لتطوير حديقة الأزبكية بالتعاون مع محافظة القاهرة ووزارة الإسكان، والمرحلة الثانية تديرها وزارة الزراعة لإعادة إحياء حديقة الأسماك في القاهرة، وسيتم تطوير حديقة الشلالات بالإسكندرية في المراحل التالية. الأرشيف القومي سيكون مرجعاً لأي أعمال تطوير تتم في الحدائق".