يشُق وادي غزة مساره من شرق قطاع غزة إلى غربه، وسط الأراضي الزراعية والمناطق السكنية، قاطِعاً مسافة تسعة كيلومترات، بينما لا يزال يعاني الإهمال، ما دفع إلى إيجاد توجهات جديدة لإعادة الحياة الطبيعية إليه.
وأُعلِن الوادي محمية طبيعية، عام 2000، من قبل سلطة جودة البيئة الفلسطينية، وكان مُدرجاً ضمن قائمة "يونسكو" الأولية لمواقع التراث العالمي حتى عام 1970 للتنوع الحيوي الكبير فيه، قبل انخفاض تدفق المياه بداخله بشكل كبير، ما أدى إلى تحوّله لمكرهة صحية نتيجة ضخّ المياه العادِمة، واستخدام مناطق واسِعة منه مكبّاً للنفايات.
ويمُر وادي غزة من خلال جبال الخليل في الضفة الغربية شرقاً، ويصُب في البحر المتوسط قريباً من مدينة الزهراء وسط القطاع، بمساحة إجمالية تبلغ حوالي 3500 كيلومتر مربع، ويُعد الوادي الأكبر في شمال النقب، ويصل مجموعاً بأكبر روافده، وادي الشريعة (ويعد أكبر هذه الروافد) ونهر بئر السبع، إلى أقصى الشرق في الصحراء.
ويُعتبر وادي غزة أحد أكبر الأراضي الرطبة الساحلية في الأراضي الفلسطينية، وأحد أهمها في حوض شرق البحر الأبيض المتوسط، ويتمتع ببيئة بيولوجية نابضة بالحياة، ويُعتبر بمثابة محطة للعديد من الطيور المُهاجِرة، كما أنّ لديه القدرة على أن يكون منطقة ترفيهية.
وتُستعمل الأراضي الرطبة التي يمرّ بها الوادي مجمعاً للنفايات ومصباً لمياه الصرف الصحي العادمة منذ 2012، ما أدّى إلى تحوّله لبؤرة تلوث يعاني منها 150 ألف نسمة في خمس تجمّعات فلسطينية تحيط بالوادي، ما دفع إلى توجهات جديدة، تهدف إلى وقف التهديد الحقيقي للتنوع الحيواني والنباتي، خاصة أنه لا يزال يحمل مقومات عودته إلى حياته الطبيعية، وذلك عبر إعادة جريان المياه النظيفة ومصدرها الأمطار.
ويُعاني الوادي من تغيير عميق بسبب عقدين من انخفاض تدفق المياه العذبة إليه، والتطوّر الحضري والبنيان الزاحِف، إلى جانب التلوث البيئي، والاستخدام المكثف لمبيدات الأعشاب ومبيدات الآفات، فيما تجرى المُحاوَلات لاسترداد قيم الوادي الأصيلة والتاريخية، من التنوّع البيولوجي فيه إلى كونه محمية للحيوانات والطيور المُهاجِرة والنباتات، بغرض الحفاظ على البيئة وإنهاء كافة أشكال تلوث الوادي.
وتضُم محمية وادي غزة في وضعها الطبيعي ما لا يقل عن 154 نوعاً من الفقاريات الأرضية، وأبرزها الطيور، كما أنها تدعم نباتات متنوعة تضم 70 نوعاً، وهي تُعتبر بيئة بيولوجية نابِضة بالحياة، وقد تخلّصت "جزئياً" من الرائحة الكريهة فيها بسبب توقف وصول المياه العذبة بفعل السدود الإسرائيلية، إلى جانب تدفق مياه الصرف الصحي إليها، وذلك بعد مُعالجة تلك المياه في محطة المُعالجة المركزية وسط قطاع غزة.
ويُواجِه وادي غزة جُملة من التحديات، وأبرزها فترة الفيضان الناتِجة عن فتح السدود من الجانب الإسرائيلي، ما يُساهِم بتعريض حياة السُكان للخطر، إلى جانب غياب الاهتمام الرسمي والمؤسساتي فيه، علاوة على شُح الموارد، التي ساهمت في تدهور الوضع البيئي، بفعل الزحف العمراني، واستخدام الوادي مصباً لمياه الصرف الصحي "غير المُعالجة".
ويوضح منسق المتابعة والتقييم في برنامج الأمم المتحدة الإنمائي UNDP، محمد أبو شعبان، أنّ وادي غزة يُعتبر من أهم المناطق البيئية المُتعلقة بالتراث الحضاري الموجود في غزة، ومن أهم المناطق الرطبة، ويحتوي على العديد من الخصائص البيئية والطبيعية، بما تضم من طيور وفقاريات ولافقاريات، وأشجار أصيلة وغير غازية.
ويضيف منسّق حملة التوعية المتعلقة بوادي غزة، والتي تأتي تحت شعار "نحتاجه الآن"، أنّ الوادي يشهد حراكاً منذ عامين لإعادة الحياة الطبيعية إليه، عبر خطة تنموية شاملة تستهدف البنية التحتية والبيئة الحيوية داخل الوادي وفي محيطه، والتي ستساهم في تحسين المشهد العام، إلى جانب خلق فرص عمل، وخلق أماكن ترفيهية للمواطنين والزوار.
ويوضح أبو شعبان لـ"العربي الجديد" أنّ المشروع الواعِد، ويأتي تحت اسم "برنامج حماية وتطوير وتنمية منطقة وادي غزة الساحلية الرطبة"، جاء بعد التدهور الذي شهده الوادي في العقدين الأخيرين، وبتكلفة إجمالية تصل إلى 66 مليون دولار، ويضم ثلاث مراحل، قصيرة ومتوسطة وطويلة الأمد. تستهدف المرحلة الأولى بناء الهيكل العظمي للوادي، وتنظيفه وتشجيره للسيطرة على الزحف العمراني تمهيداً للمرحلتين التاليتين، واللتين ستشهدان بناء شبكات الطرق والممشى حول الوادي، إلى جانب توفير مناطق ترفيهية للمواطنين.
من ناحيته، يقول رئيس المعهد الوطني للبيئة والتنمية، أحمد حلس، إنّ وادي غزة يملك المقومات البيئية والجغرافية الفريدة، التي تجمع أكثر من بيئة من الصعب أن تلتقي في منطقة واحدة، فيما يشهد تنوعاً حيوياً غنياً، ويستقبل مياهاً عذبة تغذي الخزان الجوفي. ويضيف أنّ الوادي يواجه العديد من الأزمات، وفي مقدمتها السدود الإسرائيلية التي تتسبّب في منع وصول المياه العذبة، إلى جانب العديد من الممارسات المجتمعية الخاطئة.
ويُشير المختصّ البيئي لـ"العربي الجديد" إلى أنّ الحراك الحاصل لتطوير الوادي وإعادة الحياة إليه مهم، خاصة أنّ الوادي يمتلك بيئة صحراوية من خلال السوافي الرملية والتربة الطينية شرقي قطاع غزة، كما المناخ الشامي الرطب، علاوة على المنطقة المالحة إلى الغرب باتجاه البحر، فيما يعمّ الهدوء ضفاف الوادي، الذي تُهاجِر الطيور إليه للتكاثر وبناء الأعشاش.