استمع إلى الملخص
- **جذور الأزمة:** تعود أزمة المياه إلى نكبة 1948 وتفاقمت بعد اتفاق أوسلو 1993، حيث سيطر الاحتلال على مصادر المياه الفلسطينية، خاصة الأحواض المائية، مما جعل الفلسطينيين يعتمدون على كميات محدودة.
- **تحديات وحلول:** تواجه المناطق الفلسطينية قيوداً إسرائيلية تمنع حفر آبار جديدة، مما يفاقم الأزمة. الحلول المقترحة تشمل البحث عن دعم دولي وتمويل مشاريع استخراج المياه، لكن هذه الحلول تواجه تحديات كبيرة.
يواجه الفلسطينيون حرب تعطيش ينفذها الاحتلال الإسرائيلي الذي يستخدم المياه سلاحاً لتقييد حقوقهم. ومع بدء فصل الصيف، أعلنت شركة "ميكروت" الإسرائيلية تقليص كميات المياه الخاصة بمناطق الضفة الغربية وسط غياب دور الجهات الرسمية الفلسطينية في إيجاد حلول وبدائل.
وتستهدف حرب "التعطيش" بالدرجة الأولى جنوبي الضفة الغربية، وأعلنت بلدية الخليل في 8 يونيو/حزيران الماضي، خفض كمية المياه المخصصة للمدينة وبيت لحم بنحو 35 في المائة، بهدف زيادة حصة المستوطنين من المياه، أما سلطة المياه الفلسطينية فأعلنت أن شركة "ميكروت" خفّضت كميات المياه للمناطق الخاضعة لمصلحة مياه رام الله والقدس بنسبة تجاوزت النصف.
تعود جذور أزمة المياه إلى نكبة 1948، وتفاقمت بعد توقيع اتفاق أوسلو عام 1993 الذي أرجأ حسم ملف المياه إلى قضايا الحل النهائي، بحسب ما أوردت المادة 40 من الملحق الثالث للبروتوكول الخاص بالشؤون المدنية، والذي لم ينفذ. وخلال العقود الماضية سيطر الاحتلال على مصادر المياه الفلسطينية، وأبرزها الأحواض المائية، وتحديداً الحوض المائي الغربي الذي يشكل أكثر من نصف مخزون المياه في الضفة، ويضم أربعة آلاف نبع في مناطق جنوبي القدس وبيت لحم وشمالي الخليل، كما حرم الاحتلال الفلسطينيين من الحصول على مصادر جديدة للمياه، حتى أصبح المصدر الأساسي للمياه.
وتفوق حاجة مدينة الخليل 40 ألف كوب ماء يومياً، لكن حصتها الفعلية لم تكن تتجاوز 22 ألف كوب. وبعد القرار الإسرائيلي الأخير، لا يوجد رقم ثابت حيث تتراوح الكميات التي تصل يومياً بين 10 و15 ألف كوب، بحسب ما توضح نائبة رئيس بلدية الخليل، أسماء الشرباتي التي تقول لـ"العربي الجديد": "تزداد المخاوف حالياً من احتمال انقطاع المياه بالكامل، لا سيما أن البلدية لم تعد قادرة على نشر خطة توزيع المياه شهرياً أو نصف شهري، لأنها باتت رهينة وصول كميات مياه غير محددة مسبقاً".
تعود جذور أزمة المياه إلى نكبة 1948 وتفاقمت بعد توقيع اتفاق أوسلو
وما يزيد تعقيد الأزمة، وفق الشرباتي، أنها تطاول المناطق المغلقة التي يحاصرها الاحتلال في البلدة القديمة ومحيط المسجد الإبراهيمي في المدينة، والتي كانت تحصل على مياه كل خمسة أيام، علماً أن لا آبار في هذه المناطق، ويعتمد سكانها على تخزين المياه. وتشير الشرباتي إلى أن "الاحتلال يواصل توجيه رسالة تفيد بأنه يتحكم بمصادر المياه بالكامل، في حين لا يتوفر دعم دولي من المانحين لتمويل مشاريع استخراج المياه، بحجة أن هذا الأمر يخالف ما تنص عليه الاتفاقات المتبادلة بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي، وسط مخاوف من قطع المياه التام عن الفلسطينيين".
وتقيّد إشكالية الاتفاق المتعلق بالمياه إمكانية وصول الهيئات المحلية إلى مصادر المياه، ويوضح رئيس سلطة المياه في بيت لحم، أنطون سلمان، لـ"العربي الجديد": "يضع الاحتلال شروطاً معقّدة تمنع الفلسطينيين من حفر آبار جديدة للمياه، كما أن معظم الينابيع والآبار في محافظة بيت لحم تتركز في "المناطق ج" التي تخضع للسيطرة الأمنية الإسرائيلية بموجب اتفاق أوسلو، ما يجعل الوصول إليها أو حفرها أمراً صعباً".
ويلفت سلمان إلى أن "كمية المياه التي كانت تصل إلى محافظة بيت لحم قبل نحو 30 عاماً كانت 18 ألف كوب، أما اليوم فلا يصل أكثر من 13 ألف كوب شهرياً، رغم الزيادة السكانية الكبيرة، ما يعني أن حصة الفرد الفلسطيني لا تبلغ 30 ليتراً يومياً، وهذا لا يتلاءم مع معايير منظمة الصحة العالمية المحددة بـ100 ليتر للفرد يومياً". ويحذّر سلمان من وصول نسبة التقليص إلى 50% من الكمية التي كانت تصل سابقاً، ما ينذر بأزمة قد تصل في نهاية الأمر إلى قطع المياه كلياً عن جنوب الضفة في ظل الإجراءات والقرارات التي يتخذها اليمين المتطرف في الحكومة الإسرائيلية، وسط عجز سلطة المياه الفلسطينية عن تقديم حلول يمكن تنفيذها.
أما الشرباتي، فتعتبر أن "الخليل تعاني من انعدام العدالة في توزيع المياه بين مدن الضفة"، وتطالب سلطة المياه بأن "تتحمّل مسؤولياتها، وتنفذ دورها في البحث عن حلول، فحفر البلدية آبار مياه والبحث عن مصادر بديلة أمران صعبان بسبب القيود التي وضعها الاحتلال في اتفاق أوسلو". وليست مناطق شمالي الضفة بعيدة عن حرب التعطيش المائية، وتحديداً قرى نابلس التي تعاني من أزمة مياه "جنونية" بحسب ما يقول محافظها غسان دغلس لـ"العربي الجديد". ويوضح أن "قرى جنوب محافظة نابلس، مثل قريوت وجالوت وقصرة وتلفيت وقبلان تصلها المياه مرة واحدة شهرياً، ولا حل إلا بإمدادها بالمياه من نبع قريوت، وهو ما يرفضه الاحتلال بحجة أن النبع يقع في المناطق المصنّفة جي في اتفاق أوسلو".
وعن الحلول المطروحة يقول دغلس: "واضح أن لا حلول في الأفق القريب، لأننا أمام تطرّف إسرائيلي يتخذ أي قرار أو إجراء لمعاقبة الفلسطينيين، ولا يسمح حتى بإصلاح خلل تقني أو مضخة مياه تعطلت في وقت سابق. وإذا حفرنا آباراً يصادر الاحتلال المعدات".
ويعلّق الأكاديمي الخبير في المياه يوسف عمرو، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن "المفاوض الفلسطيني في اتفاق أوسلو لم يملك دراية كافية بشؤون المياه، فصادر الاحتلال عبر الاتفاق نفسه المصادر واستولى على الينابيع الكبيرة. ولاحقاً لم يلتزم الاحتلال بما اتفق عليه مع الفلسطينيين، وفرض عليهم قيوداً منعتهم من الحصول على كميات مياه كافية عبر الآبار التي تنتشر في أكثر من ثلاث آلاف نقطة بمحافظة الخليل. والأزمة مستمرة والتكلفة المالية للحصول على المياه مرتفعة، لأن المواطنين يشترون الكميات التي يحتاجونها من أصحاب الآبار والينابيع لتعويض الفاقد".
ويتحدث عمرو عن أن المفاوض الفلسطيني في اتفاق أوسلو اعتبر أنه حقق إنجازاً بحصوله على 80 مليون متر مكعب من المياه سنوياً، لكن الجانب الإسرائيلي لم يوفرها للفلسطينيين. وبدلاً من أن يشترط المفاوض الفلسطيني زيادة كمية المياه بالتزامن مع زيادة الكثافة السكانية، خفّض الاحتلال سنوياً كميات المياه الخاصة بالمحافظات الفلسطينية، في وقت زادت الكثافة السكانية".
كما أخطأ المفاوض الفلسطيني، وفق عمرو، في قبول الشروط الإسرائيلية المرتبطة بمنح رخص حفر آبار مياه جديدة بعمق لا يتجاوز 140 متراً، وبكمية مستخرجة لا تتجاوز مائة متر مكعب في الساعة. وهكذا منع الاحتلال الإسرائيلي الفلسطينيين من بناء سدود وخزانات، في حين أنشأ نفسه 23 سداً وحاجزاً في الضفة الغربية لحجز المياه السطحية التي تتجه إلى الأودية، كما حرم الشعب الفلسطيني من حقه الطبيعي في مياه نهر الأردن الذي أعلنه منطقة عسكرية مغلقة.
من جهته، يرى الباحث السياسي سامر عنبتاوي، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أنه "لا يمكن فصل الإجراءات الإسرائيلية باستخدام المياه وسيلة تعطيش عن سياق أي حرب قادمة في المنطقة". يضيف: "يحاول الاحتلال السيطرة على أكبر كميات من المياه المتوفرة في الضفة، والتي تعتبر من حصة الفلسطينيين، وتزويد المستوطنين بها، وذلك لتحضير أي مواجهة قادمة في ظل وجود أزمة مياه في الأردن الذي يشتري حصصاً مائية من إسرائيل، ما يوحي بتوسيع الاحتلال سيطرته على مصادر المياه في المنطقة".
وتبقى الأسئلة مطروحة حول دور المستوى الرسمي الفلسطيني في الرد على تعديات إسرائيل على حقوق المياه الفلسطينية، وإذا كانت هناك حلول فنية وسياسية لتعويض الفاقد المائي، وإمكان التحلل من بنود قضايا المياه المرتبطة باتفاق أوسلو التي تنصل الاحتلال الإسرائيلي من تنفيذها. وجّهت "العربي الجديد" أسئلة إلى دائرة الإعلام في سلطة المياه الفلسطينية من أجل الحصول على إجابة واضحة من رئيس سلطة المياه مازن غنيم، ورغم ترتيب إجراء الحوار الصحافي، فقد تنصّل من الإجابة.