حساب المسافة بين عالمين

10 فبراير 2021
من الاحتجاجات ضد سدّ مروي عام 2011 (أشرف الشاذلي/ فرانس برس)
+ الخط -

عندما يكون الإمداد الكهربائي أحد الأسباب التي يسوقها السياسيون لإنشاء السدود على المجاري المائية، يتجاهل المواطن العادي، بسبب حاجته للطاقة، أصوات الاحتجاج القائلة إنّ نتائج اقتراض الملايين لمثل هذه المشاريع ستكون كارثية على اقتصاد البلاد، إلى جانب آثار مجتمعية وبيئية أخرى تترتب على إنشاء السدود. بعد كارثة إنشاء السدّ العالي (جنوبي مصر، 1970) على الأراضي النوبية، حدث الأمر مجدداً عندما همّت الحكومة السودانية هذه المرة (2003) بإنشاء سد مروي في شمال البلاد، بكلفة فاقت ملياري دولار أميركي. وقبل أن يكتمل البناء في 2009، كان البيئيون والاقتصاديون قد قالوا كلمتهم حول كارثية الأمر، لكنّ أحداً لم يلتفت لقولهم، وها قد ضاعت الأراضي الزراعية، وأُغرقت القرى، وتأثر مناخ المنطقة عموماً، بل مات وأصيب عشرات في احتجاجات ضدّ السدّ، كما غرق التلاميذ الصغار عندما فرض عليهم الوصول إلى مدارسهم بعبّارة محلية، وبعد كلّ هذا لم يفلح السدّ في سدّ فجوة الإمداد الكهربائي.
تجدد الأمر حين تفجرت قضية سدّ النهضة الإثيوبي، على الحدود السودانية الشرقية، بين مؤيد ومعارض، لكنّ حلم حلّ أزمة الكهرباء أبقى الأمر لدى المواطن العادي في خانة صراع الكبار، فيما كان من بين الحلول المطروحة التوجه نحو الطاقات البديلة، وفي السودان، كبقية دول أفريقيا، متسع لمثل هذه الخيارات، لأنّ في تطبيقات تكنولوجيا الطاقة المتجددة قدرة على تقليص مشاكل عدة، خصوصاً إذا تم الأمر بطريقة مستدامة تعطي الأولوية لحقوق الإنسان. وقد ثبت أنّ في القارة موارد وفيرة من طاقة الشمس والرياح، إلى جانب كميات مهولة من الغاز الطبيعي، مع إمكانات الاستفادة من الغاز الحيوي (بيوغاز).

موقف
التحديثات الحية

اتخذت الطاقة أهمية أكثر شمولية منذ أزمة الطاقة العالمية (1973)، حين بدأ الاهتمام بتزايد استغلال الطاقة البديلة وتنمية مواردها، وهي الأكثر ديمومة، والأقلّ تلويثاً للبيئة. ومؤخراً، توجّه البعض للاستثمار في مجال إنتاج الطاقات من المخلفات، إذ ها هي وحدات إنتاج البخار من الأخشاب للاستخدام المنزلي والتوليد الكهربائي المحدود تدخل حيز الإنتاج المحلي، بتشجيع من المهمومين بقضايا الزراعة العضوية، الذين يؤكدون أنّ من مميزات الغاز الحيوي الإنتاج المستمر للسماد العضوي لاستخدامه في زراعة الخضروات والفواكه في المنازل. وفي حين يعاني الملايين من عدم توفر الطاقة في عالمنا الثالث، نجد العالم الأول قد مضى بعيداً، ولعلّ التجربة البريطانية لإنتاج عربات سكك حديدية تعمل بالغاز المصنوع من فضلات البشر والحيوانات وبقايا الأطعمة تعدّ الخطوة الأكثر جرأة. فقد ورد في "ديلي مايل" حول التجربة أنّه "في أعقاب كوفيد 19، سيوفر القطار الجديد ميزات صحية مثل الإضاءة فوق البنفسجية، والأسطح النحاسية القاتلة للفيروسات، والدروع البلاستيكية، والتهوية القوية". فكيف نحسب المسافة بيننا وهؤلاء؟ هل بالسنين الضوئية؟ أم بنتائج الجرأة والمثابرة على الاكتشاف؟
(متخصص في شؤون البيئة)