حصار متكرر... عشرات الآلاف ممنوعون من الحركة في غزة

30 مارس 2024
الحصار يحرمهما حتى من النزوح (داود أبو القص/الأناضول)
+ الخط -
اظهر الملخص
- غزة تعاني من نزوح قسري وهجمات متكررة، خصوصًا بعد الهجوم على مجمع الشفاء الطبي، مما أدى لنزوح الآلاف وفرض حصار على مناطق مثل حي الرمال والنصر، مع تقييد حركة السكان وتعرضهم للإعدام الميداني.
- محمد حلس يشهد على الحصار الإسرائيلي المتكرر ومقتل جيرانه، مع توسع الحصار ليشمل مناطق عديدة في غزة، مما أجبر السكان على النزوح وواجهوا خطر الاعتقالات.
- الأطفال والمرضى تأثروا بشكل خاص بالنزوح والحصار، حيث تعرضت المستشفيات للهجوم وأجبر النازحون على البحث عن أماكن آمنة، مع تجارب مؤلمة لأفراد مثل باسل أبو فرج وزوجته مريم الذين واجهوا الحصار وشهدوا جرائم ضد الإنسانية.

عايش عشرات الآلاف من فلسطينيي قطاع غزة نزوحاً قسرياً متكرراً خلال الأشهر الأخيرة، ونجا كثيرون من موت محقق، أو من حملات الاعتقال التي نفذها الاحتلال بحق المئات من ذويهم وجيرانهم.

قدرت جهات رسمية نزوح عشرات آلاف الفلسطينيين داخل قطاع غزة منذ بدء العدوان الإسرائيلي، وخلال الأسبوع الماضي، نزح آلاف بعد العملية العسكرية لجيش الاحتلال على مجمع الشفاء الطبي ومحيطه، والذي كان يؤوي آلافاً من النازحين، ومئات من المرضى والمصابين وأسرهم.
في مناطق أخرى من مدينة غزة، خصوصاً حي الرمال وحي النصر، لا يزال الغزّيون يعيشون ضمن إمكانات تنقل محدودة أشبه بالحصار، إذ يواصل الاحتلال استهداف كل من يتحرك في محيط مجمع الشفاء، وكذلك المنطقة الغربية المعروفة شعبياً بمنطقة الميناء القديم، إضافة إلى منطقة فندق الأمل، ومنطقة حبوش، وسكان جميع تلك المناطق عايشوا حصاراً مشدداً لفترات طويلة، وأُعدم الكثير منهم ميدانياً، ودُمرت عشرات المنازل.
كان محمد حلس (54 سنة) أحد الناجين من مجزرة مجمع الشفاء الطبي قد نجا من مجازر سابقة، وتعرض أثناء العدوان الحالي للحصار الإسرائيلي ثلاث مرات، ونجا للمرة الأولى من الحصار المشدد على المنطقة الشرقية من حي الشجاعية، والتي تضم حي التركمان ومنطقة المنطار، وظل 10 أيام تحت الحصار بعد أن قتل الاحتلال عدداً من جيرانه الذين عجز عن إغاثتهم.
يقول حلس لـ"العربي الجديد": "عاود الاحتلال حصار المنطقة بعد انسحاب جزئي منها، وقتها كنا نحاول إعادة الحياة إلى المنطقة، لكن من دون الاقتراب من المنطقة الشرقية، والاكتفاء بالتنقل على مفترق حي الشجاعية الفاصل مع شارع صلاح الدين، وعندما عادوا لحصارنا، اضطررنا للانتظار أربعة أيام من دون حركة، وكان النزوح إلى مجمع الشفاء الطبي آخر أمل بالنسبة لنا، لكنهم حاصروا المجمع أيضاً، ثم اقتحموه".

كرّر الاحتلال فرض الحصار على مجمع الشفاء ومجمع ناصر الطبيين

يضيف: "الحصار الإسرائيلي في هذا العدوان يكون مفاجئاً، ونبقى منبطحين على الأرض لساعات عندما يتم إطلاق النار، وحتى عندما نريد الذهاب إلى الحمام، نزحف على الأرض بسبب كثافة إطلاق النار، وإصابة جميع النوافذ بالرصاص وشظايا الصواريخ. أصعب المواقف التي عايشتها خلال الحصار حين كنت أسمع صراخ أطفال أو نساء، لكني لا أستطيع التحرك لإغاثتهم، وعدد من الجيران استشهدوا حين محاولة إغاثة آخرين، وفي مجمع الشفاء جرت محاصرتنا بشدة، وكنت أقبع على أحد السلالم مع أسرتي المكونة من 6 أفراد، بينما نزح بقية أفراد العائلة في وقت سابق".
يتابع حلس: "نفذ الاحتلال حصار مجمع الشفاء بطريقة تخلق ممرات ضيقة، وتعتبر مصائد لمن يحاولون النزوح، والذين يصطدمون بالجنود الذين يقومون بالتفتيش والتحقيق معهم، وقد اعتقل كثيرين، وأعدم البعض عند خروجهم، رغم تأكيد الاحتلال أنهم سيخرجون آمنين إلى جنوبي القطاع، وحالياً أصبحت أشعر برعشة شبه مستمرة، خصوصاً في فترات المساء، بعد أن عايشت الحصار مرات عدة".

بحملون كل ما تبقى لديهم (فرانس برس)
يحملون كل ما تبقى لديهم (فرانس برس)

وتعرضت المنطقة الشمالية من القطاع التي تضم محافظة غزة ومحافظة الشمال لحصار متكرر شمل العديد من المناطق، وبعضها واجهت الحصار أكثر من ثلاث مرات، كما تعرضت مناطق عدة في مدينة خانيونس لحصار متكرر، في ظل استمرار العملية العسكرية في خانيونس، والتي شهدت اقتحام مجمع ناصر الطبي أكثر من مرة.
وحسب الخريطة التي أعلنها الاحتلال الإسرائيلي للمناطق التي صنّفها على أنها "زرقاء"، ما يعني أنها مناطق استطاع الوصول إليها خلال العدوان على قطاع غزة، يتبين أن معظم مناطق الشمال التي جرى فصلها كلياً عن المنطقة الجنوبية، استطاعت آليات الاحتلال العسكرية الوصول إليها، وتنفيذ عمليات عسكرية فيها، ما يجعل قرابة 350 ألف فلسطيني تبقوا في تلك المناطق، بحسب تقديرات المكتب الإعلامي الحكومي قبل اقتحام مجمع الشفاء الطبي، قد عايشوا أكثر من حصار إسرائيلي.

نفذ جيش الاحتلال عمليات عسكرية مدمرة في معظم مناطق شمال غزة

كان سليم رمضان (27 سنة) ممن خضعوا للحصار في بلدة بيت لاهيا، وقد نجا من الاعتقال الذي طاول عدداً كبيراً من أفراد عائلته، والذين أطلق سراحهم لاحقاً، باستثناء ثلاثة منهم ما زالوا في السجون الإسرائيلية، وبعد نزوحه، تعرض للحصار في منطقة شارع الجلاء بمدينة غزة، عبر طائرات الكواد كابتر والآليات العسكرية التي سيطرت على المنطقة لأيام عدة، ثم نزح إلى أحد المنازل القريبة من حي الزيتون، وهناك عايش حصاراً جديداً أصيب خلاله إصابة متوسطة في فبراير/ شباط الماضي، قبل أن ينزح إلى الجنوب.
وصل رمضان إلى مخيم النصيرات بعد أن فقد عدداً من أفراد عائلته شهداء في يناير/ كانون الثاني، أثناء الحصار الأول في بلدة بيت لاهيا، ويقول إنه نجا من الاعتقال حينها بعد أن اختبأ في مكان غير ظاهر داخل مدرسة تابعة لوكالة "أونروا"، وإنه كان يجلس تحت أحد الأسِرة، ويكرر الشهادة، وظل على هذا الحال حتى هدأت الأوضاع، فتوجه إلى مخيم جباليا لينتظر وصول بقية أفراد عائلته، ثم نزحوا إلى شارع الجلاء عند أحد أقاربهم، وهناك أصيب في كتفه ورأسه.

ليست أول رحلة نزوح (مجدي فتحي/Getty)
ليست أول رحلة نزوح (مجدي فتحي/Getty)

يقول رمضان لـ"العربي الجديد": "كنا نعيش في حالة من الرعب المتواصل الذي يفوق كل ما تصوره أفلام الرعب التي كنت مهووساً بمشاهدتها في السابق، لكن ما واجهته أكبر بكثير، ولا يستطيع أي مخرج أن يصور تلك الأوضاع التي عشتها في أي فيلم. كنا محاصرين من كل الاتجاهات، وأصوات الرصاص والقذائف لا تكاد تتوقف، والرسائل الواردة عبر مكبرات الصوت تطاردنا كأنها أشباح، وكانت الأرض تهتز من شدة القصف، والدماء في كل مكان، على الأرض، وعلى الحوائط".
يضيف: "كان جيش الاحتلال الذي يدعي أنه أخلاقي يعدم الناس ميدانياً في حي الزيتون وفي شارع الجلاء، وتمت محاصرتنا بالكامل، ومنعنا من التحرك إلى أي مكان، وكنت أنتظر وقوعي شهيداً في أي لحظة، لكني نجوت بأعجوبة، لأثبت لنفسي أن ما يعيشه الغزيون أقسى بكثير مما سجلته أفلام الحروب التي شاهدتها، وهي تروي قصصاً حول جرائم انعدام الإنسانية".
وصل عدد ممن نزحوا من مجمع الشفاء الطبي في مدينة غزة إلى مجمع ناصر الطبي في خانيونس، وغالبية هؤلاء تعرضوا للحصار في مجمع الشفاء مرتين، حين حاصره الاحتلال للمرة الأولى في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، وكذلك في الحصار والاقتحام الأخير، وقد طلب منهم التوجه إلى الجنوب، فاستجابوا لذلك، لكنهم فوجئوا بحصار الاحتلال مجمع ناصر، ليعايشوا حصار المستشفيين.
أجرى باسل أبو فرج (47 سنة) عملية جراحية في البطن بمجمع الشفاء الطبي لإنقاذه من تداعيات إصابة في بطنه، قبل الاقتحام الأول للمجمع، ثم اضطر إلى النزوح بينما جراحه لم تتحسن، ووصل إلى مستشفى شهداء الأقصى، ومن هناك جرى تحويله إلى مجمع ناصر الطبي لإجراء عملية ثانية في الأمعاء، لكن بسبب قلة الإمكانات كان يصاب بالتهابات داخلية، وظل يتلقى العلاج في مجمع ناصر الطبي منذ ذلك الحين.

وتؤكد زوجته مريم أبو فرج أنهم عاشوا أياماً طويلة من الحصار داخل المستشفيات، وكانوا يشمون رائحة الدماء والبارود، وعاينوا تحلل بعض الجثث التي كانت في ساحات المستشفيات. طلب الاحتلال الإسرائيلي من بعض المرضى والجرحى النزوح إلى مدينة رفح، رغم تهديداته بتنفيذ عملية عسكرية هناك، فسارت أبو فرج وزوجها المصاب بصعوبة لفترة، ثم نقلتهما إحدى العربات التي يجرها حمار إلى رفح، وهناك استقبلهما أحد الأقارب داخل فصل مدرسي.
وتوضح مريم أبو فرج لـ"العربي الجديد": "عايشنا الحصار الإسرائيلي ثلاث مرات، وكل مرة كانت تؤثر على صحة زوجي، وهو لا يزال مريضاً، ولا يقدر على الحراك بسهولة، ولم يحصل على علاجه في الفترة التي سبقت النزوح، وننتظر أن يتم تأمين العلاج له لأنه يعاني من التهابات شديدة في الجروح بمكان العملية الجراحية. نجونا بأعجوبة بعد أن عشنا مجازر شاهدناها بأعيننا، وسقط أمامنا شهداء، وقتل الاحتلال أطباء وممرضين أمامنا في جرائم متعمدة، وهناك ناجون من مرات حصار عدة مثلنا، هربوا من أكثر من مجزرة، كانت آخرها مجزرة جرت أثناء رحلة النزوح الأخيرة، والتي استشهد فيها ابن أخي إلياس أبو فرج (25 سنة)، وقد سبقني أبنائي بالنزوح إلى رفح، وكنت أتمسك بالبقاء في المستشفى لأن حالة زوجي لا تسمح له بالنزوح، وهو لم يتحسن رغم مرور قرابة خمسة أشهر على إصابته في حي الرمال بوسط مدينة غزة، والسبب انعدام المقومات الطبية".

المساهمون