حكايات من العيش تحت الحصار في أم درمان

31 يوليو 2024
شهدت أم درمان مآسي كثيرة (Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- **الحياة تحت الحصار:** أسر سودانية في أم درمان عاشت تحت حصار شديد، تعرضت لوابل من الرصاص وانقطاع الماء والطعام. آسيا الفاضل يحيى أصرت على البقاء رغم المخاطر اليومية.

- **التحديات الطبية والتطوع:** الطبيب محمد عبد العزيز تطوع لتقديم الخدمات الطبية، أسس عيادة لتدريب الشباب على الإسعافات الأولية، وتكفل رجال البر بتوفير الأدوية، مما ساهم في إنقاذ حياة العديد.

- **الترابط الاجتماعي والصمود:** الترابط الاجتماعي كان العامل الأهم في صمود الأسر، حيث تقاسموا الطعام والمياه رغم نقصها، وتحملت النساء معاناة أكبر في ظل الظروف القاسية.

عاشت أسر سودانية في مدينة أم درمان، غرب العاصمة السودانية الخرطوم، أكثر من عام، في حصار تحت وابل من الرصاص ودويّ المدافع، وانقطاع الماء والطعام، ثم سيطر الجيش على المدينة، ما سمح بعودة بعضهم إليها. 
تخبر آسيا الفاضل يحيى، وهي ربّة منزل، "العربي الجديد"، أنها أصرّت مع أفراد من أسر قليلة على البقاء والصمود في حي أبو كدوك الذي يقع على خط تماس مع مواقع القتال الدائر بين الجيش وقوات الدعم السريع، وظلت أسرتها تواجه المخاطر يومياً، وأحدها سقوط قذيفة على المنزل لم تُصب أحدا بأذى. وتقول: "رفضت المغادرة رغم ما حدث، إيماني لأن المدينة هي الأرض التي عشت عشرات السنين فيها، وارتبطت بها وجدانياً. وتحمّلت مشكلات نقص الغذاء والمياه وانقطاع التيار الكهربائي. علماً أن الأسر الصامدة في حي الضباط اضطرت إلى أكل أشياء لم تكن في الحسبان، ولم يجربوها من قبل، وعانت من نقص في مياه الشرب النقية وأزمات أخرى". 
وتروي آسيا قصة إصابتها بطلق ناري لا يزال في جسدها: "كنت أتحدث عبر الهاتف مع شقيقتي التي نزحت إلى مدينة شندي، وقررت في لحظة أن أمنح جهاز الهاتف إلى ابنتي كي تتحدث إلى خالتها، فشعرت فجأة بألم حاد في يدي اليسرى التي بدأت تنزف. لم أعلم ما جرى حتى قال أفراد أسرتي لي إن رصاصة استقرت في جسدي، فحملوني إلى مستشفى قريب من الحي، حيث جرت معالجتي، وأخبرني الطبيب أن الرصاصة ستخرج بعد خمسة أيام من دون إجراء عملية جراحية، لكن ذلك لم يحدث، فتوجهت إلى مستشفى خارج المدينة، وقابلت طبيباً آخر قرر إجراء عملية جراحية لي، لكن انقطاع التيار الكهربائي منع إجراءها. الحادث لم يشعرني مطلقاً بالندم على البقاء في المنزل، والرصاصة التي سكنت جسدي لا تقارن بما يجري للشباب الذين يقاتلون من أجل حماية الناس". 

تحمّلت عائلات أم درمان أياماً من نقص الغذاء والمياه وانقطاع الكهرباء

وكان الحصول على العلاج من بين الصعوبات التي واجهتها الأسر في حي أبو كدوك، في ظل صعوبة الوصول إلى المستشفيات وانعدام الأدوية، لكن من حسن حظهم أن الطبيب محمد عبد العزيز رفض أيضاً مغادرة منزله، وتطوّع مع طبيب آخر لتقديم الخدمات الطبية.
يقول عبد العزيز لـ"العربي الجديد": "أسسنا عيادة لاستقبال المرضى والمصابين، وبدأنا تدريب عدد من شباب الحي على تقديم الإسعافات الأولية والتعامل مع الإصابات والجروح، وتكفّل رجال البر والإحسان بتوفير كميات من الأدوية والعقاقير الطبية فنجحنا في إنقاذ حياة عدد من الناس. كانت الحالة النفسية للأسر عالية، وقررت الصمود وعدم مغادرة المنازل مهما كانت النتائج، وتحمّلت أكل أوراق الشجر، وجلب المياه من مسافات بعيدة، ومخاطر القصف المتبادل حتى حرر الجيش معظم أحياء أم درمان، وبدأت الحياة تعود إلى طبيعتها". 

أم درمان في قضبة الجيش السوداني حالياًً (Getty)
استعاد الجيش السوداني السيطرة على أم درمان (Getty)

وفي شأن عملية دفن الموتى في تلك الأيام، يوضح عبد العزيز، أنه "جرى توفير معدات الحفر، وتطوّع شباب في المنطقة لتجهيز الموتى والشهداء في الحي والمناطق المجاورة، ودفنهم في مقبرة أنشئت في ميدان نتيجة صعوبة الوصول إلى المقابر، وبلغ عدد من دفنوا فيها نحو 50". 

وتقول هالة عثمان من حي الضباط، لـ"العربي الجديد"، إن "العامل الأهم الذي أبقانا صامدين كان الترابط الاجتماعي بين الأسر، والذي زاد كثيراً خلال الحرب. نقص الغذاء كان أحد أهم المصاعب، لكننا تقاسمنا الطعام ومياه الشرب. شعرت بالخوف في لحظات كثيرة، لكني لم أستطع الذهاب إلى مكان آخر، وفضلت البقاء في المنزل". 
ويستعيد أسامة عبد الله، أصعب اللحظات التي مرّ بها أثناء الحصار، ويقول لـ"العربي الجديد": "تواجدت مع شقيقي في منزل بشارع فارغ من السكان، وكان أخي يتلوى من دون أن أعلم السبب، أو أملك القدرة على علاجه بسبب عدم توفر المال للذهاب إلى المستشفى. حين قصدنا المستشفى بعد أيام أخبرني الطبيب أن شقيقي أصيب بفشل كلوي بسبب مياه الشرب الملوثة، وتوفي بعد أيام، وأشعر بمرارة الفقد حتى الآن".

وتقول ميسون ساتي لـ"العربي الجديد": "كانت معاناة النساء أكبر، إذ اضطررن إلى الذهاب إلى أسواق تقع تحت سيطرة قوات الدعم السريع، وتعرض البعض للضرب والإهانة والتفتيش، ما دفعتني إلى المغادرة مع أبنائي وبناتي، ثم عدت إلى حي الضباط بعد سيطرة الجيش عليه". 
وتخبر حواء الفاضل فضل المولى "العربي الجديد" أنها كانت تسكن في حي الموردة، حيث كانت قوات الدعم السريع تهاجم الأسر داخل المنازل. وتقول: "نهبوا المنازل والسيارات، ثم أمرونا بالخروج بحجة أن المنطقة باتت عسكرية، فانتقلت مع أسرتي إلى حي الضباط حيث كان ينتشر الجيش، وهناك شعرنا بالأمان، لكننا نتعرض أحياناً للقصف. مات بعض الناس من الجوع، لكن الأمور تحسنت بعدما سيطر الجيش على المدينة".

المساهمون