لا بد للمرء، الذي اختار التوجه نحو جبال إقليم تارودانت الواقع في جهة سوس ماسة جنوب المغرب، للوصول إلى صوب مداشرها (مجموعة من المساكن الثابتة أو المتنقلة أو المؤقتة أو الدائمة التي تجمع بين الأفراد المرتبطين بصلات قرابة معينة) والتي ضربها زلزال مدمر بلغت قوته 7 درجات على مقياس ريختر في 8 سبتمبر/ أيلول الجاري، أن يرى الدواوير المهدمة ولو من بعيد.
في الطريق نحو تيزي نتاست، وهي جماعة قروية في إقليم تارودانت بجهة سوس ماسة، يظهر قبل الوصول إلى مركزها دوار معزول (الدوار هو قرية أو مجتمع الريفي، ويتكون عادة من مجموعة من السكان تجمعهم روابط عائلية أو قبلية أو جغرافية)، لم يتبق فيه سوى صومعة المسجد. وخلال التقدم في السير، تظهر معالم الدمار أكثر فأكثر، وتتضح صورة ما عاشه أهالي هذه المداشر من رعب.
عند الوصول إلى تاجكالت، وهو دوّار يقع بجماعة تافنكولت بإقليم تارودانت، والذي يبعد عن مدينة تارودانت حوالي 100 كيلومتر، كان عبد الله (53 عاماً) منشغلاً في جمع علف الماشية. وضع كمامة على وجهه وهو يخرج ما يجده من علف من تحت أنقاض مبنى لم يبق منه شيء. بالنسبة إلى هذا الرجل القروي، فإن النجاة من الزلزال هي بمثابة ولادة جديدة، يقول: "الحمد لله لم أصب بأذى وما زلت حياً. عشت ولادة جديدة".
خلال حديثه لـ "العربي الجديد"، أعاد الرجل سرد سيناريو تلك الليلة التي ستبقى خالدة في ذهنه وذهن سكان المنطقة. يقول: "كنت نائماً حينها، فإذا بي أسمع صراخاً وأشعر بالأرض تتحرك. استيقظت مذعوراً. حاولنا الفرار لكن المبنى سرعان ما انهار فوق رؤوسنا". يُتابع: "تمكنت من الخروج بصعوبة وعملت على إخراج الأبناء. وبعدها، نزلنا إلى سفح الجبل، وبقينا مذعورين، قبل أن نبدأ في المساعدة في إنقاذ الموجودين تحت المباني المنهارة".
ويؤكد عبد الله أن الدوار انهار بالكامل، واستغرق الرجال والشباب ساعات طويلة لإخراج السكان من تحت أنقاض المباني المنهارة، وإنقاذ المصابين في جنح الظلام. يقول: "كانت كارثة حقيقية، ولم يسبق لي أن عشت مثل هذا. الجيران والعائلة والمعارف توفوا أمامنا ونحن غير قادرين على فعل أي شيء". يتوقف قليلاً ثم يضيف: "أحصينا عدد القتلى. أحد أبناء الدوار خسر 11 فرداً من أفراد عائلته. لكم أن تتصوروا حجم هذه الفاجعة".
ورغم الفاجعة، على الحياة أن تستمر. يجد السكان أنفسهم مضطرين للعودة إلى حياتهم السابقة. ويُحاول قاطنو الدوار البحث تحت الركام عن مستلزماتهم ووثائقهم أو أي شيء من الماضي القريب، لوضعها في خيام شيدوا بعضها في أماكن مختلفة. بالنسبة لهذا الفلاح الذي يعتمد على بيع بعض رؤوس الأغنام، فإن توفير العلف لما تبقى من ماشيته أمر ضروري، تفادياً لمزيد من الخسارات.
العلف الذي كان يوفره عبد الله لرؤوس الماشية المعدودة على رؤوس الأصابع، أضحى تحت الركام، ما فرض عليه استخراجه لتقديمه لما تبقى منها. يقول وهو يشير إلى رأس ماشية تحت الركام: "فقدت أربعة رؤوس من الماشية، ولم يتبق لي سوى ثلاثة، وهو ما يستلزم توفير الكلأ لها حتى تظل على قيد الحياة". يتابع: "الحياة يجب أن تستمر، ولا يمكن أن نظل حبيسي تلك الليلة. اليوم سنعود لوضعنا السابق في ظل ظروف أخرى وأكثر صعوبة، وسنعود لتربية الماشية التي أعيش وأسرتي على بيعها".
فقد سكان هذه القرية الكثير من الأرواح وأصيب مواطنون بجروح، لكنهم شرعوا في العودة لحياتهم الطبيعية من داخل أكواخ يتم تشييدها، لأن الحياة يجب أن تستمر. يشار إلى أنه قضى في تاجكالت أكثر من 40 شخصاً، علماً أنه كانت تقطن في هذه القرية النائية قرابة 80 أسرة دمرت منازلها بالكامل.