دعاء المصري... حكاية موظفة فلسطينية تحظى بأول تعويض "عن ضرر نفسي" بعد فصلها لإبلاغها عن فساد
حكمت محكمة النقض الفلسطينية، بصفتها الإدارية، في مدينة البيرة، الملاصقة لمدينة رام الله وسط الضفة الغربية، الأربعاء، بإبطال قرار رئيس المحكمة الدستورية الفلسطينية العليا بفصل الموظفة دعاء المصري، بعد تبليغها عن شبهات فساد في المحكمة الدستورية.
وفي حالة نادرة في تاريخ القضاء الإداري، حكمت المحكمة بتعويض المصري عن الضرر النفسي الذي لحق بها جراء الفصل على مدار عام تقريباً، بمبلغ ألفي دينار أردني (نحو 2800 دولار أميركي)، علماً أنّ رئيس المحكمة الدستورية أصدر قراراً بفصل الموظفتين دعاء المصري ومروة فرح، في تاريخ 27 نوفمبر/ تشرين الثاني 2020.
يقول المحامي المختصّ بالقضايا الإدارية، ساهر الرفاعي، والذي استلم مؤخراً قضية فصل الموظفة دعاء المصري، لـ"العربي الجديد": "لقد طالبنا بالنظر في قرار فصل دعاء المصري، والتعويض عن الضرر النفسي والمعنوي جرّاء الفصل، وصرف كافة الرواتب بدءاً من تاريخ قرار الفصل".
ووفق الرفاعي، فإنّ محكمة النقض بصفتها الإدارية قررت، الأربعاء، تعويض دعاء بمبلغ ألفي دينار عن الضرر المعنوي والنفسي، وهو أول قرار من هذا النوع في تاريخ القضاء الإداري، وإلغاء قرار فصلها من المحكمة الدستورية.
يقول الرفاعي: "لم نستلم بعد قرار المحكمة الإدارية، لكننا علمنا به في جلسة المحكمة، الأربعاء. أعتقد أنّ أحد الأسس التي استندت إليها المحكمة الإدارية هي الضمانات الرئيسية (الدستورية) للموظفة، بما فيها قرار الحماية الصادر عن هيئة مكافحة الفساد".
وتحدّثت دعاء المصري، لـ"العربي الجديد"، وملامح الغبطة والاعتزاز لقرار المحكمة ظاهرة عليها، قائلةً: "أنا سعيدة جداً بهذا القرار. وكمستشارة قانونية، توقعت صدوره، وإنّ كل ما صدر عن رئيس المحكمة الدستورية بحقي وبحق زميلتي مروة فرح هي إجراءات تعسفية؛ سواء لجان التحقيق التي ترأسها أحد المشكو عنهم يحيى فحماوي، وهو ابن شقيقة رئيس المحكمة، وبعض من تجمعني بهم خصومة، وقرار فصلي بعد تبليغي عن شبهات فساد في المحكمة الدستورية، في ديسمبر/ كانون الأول من عام 2019. علماً أنه ما زالت مرفوعة ضدي شكوى جزائية من قبل رئيس المحكمة تضمّ نفس التهم الإدارية بفصلي، وهي تسريب وثائق من المحكمة الدستورية".
محكمة النقض بصفتها الإدارية، قررت تعويض دعاء بمبلغ ألفي دينار عن الضرر المعنوي والنفسي، وهو أول قرار من هذا النوع في تاريخ القضاء الإداري
تؤكد المصري التي كانت ترأس دائرة المنشورات الدستورية ومكلّفة بإدارة الاستشارات والدراسات القانونية في المحكمة الدستورية "لقد احتكمت للقانون وكان لدي أمل بأنّ القضاء سوف ينصفني، أحمد الله حمداً كثيراً".
أمّا محامي الدفاع عن دعاء المصري، الحقوقي والخبير القانوني عصام عابدين، فقال لـ"العربي الجديد": "إنّ قرار المحكمة الإدارية يحمل دلالات عديدة بالغة الأهمية، ولنذكر أنه جاء بعد مشوار طويل من الصبر والتحدي الذي سلكته دعاء المصري، على مدار ما يقارب العامين من التبليغ عن شبهات الفساد وعام من قرار الفصل، وما تبعه من سيل من الإجراءات الانتقامية من رئيس المحكمة الدستورية العليا بحقها، وعدم تنفيذه قرار الحماية الصادر عن هيئة مكافحة الفساد، رغم أنّ الهيئة لم تسلّمه للموظفتين وإحداهما دعاء إلّا في فبراير/ شباط الماضي".
وتابع عابدين: "باختصار، لقد استطاعت دعاء المصري انتزاع حقّها وردّ اعتبارها وكرامتها بقوة الحق وإيمانها وصبرها، رغم المعاناة الطويلة مع ارتدادات قرار الفصل على كافة المستويات الشخصية والمهنية".
وحول الدلالات القانونية لقرار القضاء الإداري بإلغاء فصل دعاء المصري، أوضح عابدين أنه من الضروري أن ينفذ رئيس المحكمة الدستورية العليا قرار المحكمة، وأن تعود دعاء إلى عملها في المحكمة فوراً، وردّ اعتبارها المهني والقانوني وفق المادة 106 من الدستور الفلسطيني؛ التي تؤكد أنّ الأحكام القضائية واجبة التنفيذ، وأنّ الامتناع عن تنفيذها أو تعطيل تنفيذها على أي نحو جريمة يعاقب عليها القانون.
يُذكر أنّ قضية الموظفتين في المحكمة الدستورية دعاء المصري ومروة فرح من قضايا الرأي العام التي أخذت صدى واسعاً على المستوى المحلي مؤخراً، واعتُبرت من القضايا بالغة الحساسية والشجاعة، خاصة أنّ أحد طرفيها هو رئيس مؤسسة سيادية بحجم المحكمة الدستورية.
وبدأت القضية حين قرّرت الموظفتان مروة فرح ودعاء المصري التبليغ عن شبهات فساد في المحكمة الدستورية عبر هيئة مكافحة الفساد، التي لم تسلّم الموظفتين قرار الحماية في حينه، ولم تنفذ هيئة مكافحة الفساد قرار الحماية، وبقيت الموظفتان في مرمى إجراءات رئيس المحكمة "التنكيلية" وتعرّضتا على مدار عام لجملة من الإجراءات، وصفها محامو الدفاع وخبراء القانون بأنها "انتقامية" ومخالفة للقانون، بينها الفصل والتحقيق عبر لجنة إدارية عيّنها بالأصل رئيس المحكمة الدستورية "المشكو عنه"، عدا عن التنبيهات الخطية والخصم من الراتب قبل الفصل، في مخالفة صارخة واضحة للضمانات الدستورية والقانونية للمبلغين عن الفساد.