أصدرت محكمة استئناف بيروت حكمها، اليوم الجمعة، في قضية الطعن بقرار مجلس نقابة المحامين في بيروت بتعديل نظام آداب المهنة، وقضت بالمصادقة على قرار المجلس الذي يقيّد حرية المحامين في الظهور الإعلامي وردّ الطعنين المقدّمين من 13 محامياً.
وأشارت المُفكّرة القانونية إلى أنه بموجب هذا الحكم أصبح المحامون أمام خيار بين مهنتهم وحريتهم، بعدما أجازت المحكمة لنقابة المحامين فرض رقابتها المسبقة على حرية المحامين في التعبير والتواصل مع الإعلام، إن كان لمناقشة قضايا عالقة أمام القضاء/ أو للمشاركة في مقابلات وندوات قانونية، أو للإجابة عن أسئلة قانونية.
واعتبر الحكم أن "الخطر المتمثل بالتأثير الكبير لوسائل الإعلام على مسار المحاكمات الجارية والرأي العام، يوجب أن يكون المحامي خاضعاً لقواعد صارمة تحدّ من حريته الإعلامية".
ورأت المفكرة أن "هذا الحكم يتضمن أخطاء جسيمة تجعل منه انتهاكاً صارخاً لحرية التعبير واستقلالية المحامين وحقوق الدفاع"، وتعهدت بـ"الاستمرار في العمل لدفع مجلس نقابة المحامين في بيروت إلى الرجوع عن قراره دفاعاً عن حريات المحامين وحقوق المجتمع في المعرفة".
ترى "المفكرة" أن هذا الحكم يتضمن أخطاء جسمية تجعل منه انتهاكًا صارخاً لحرية التعبير واستقلالية المحامين وحقوق الدفاع، وتتعهد بالاستمرار في العمل لدفع مجلس نقابة المحامين في بيروت إلى الرجوع عن قراره دفاعًا عن حريّات المحامين وحقوق المجتمع في المعرفة.
— Legal Agenda (@Legal_Agenda) May 12, 2023
5/8
وبتاريخ 3/3/2023، أصدر مجلس نقابة المحامين في بيروت قراراً بتعديل "نظام آداب مهنة المحاماة ومناقب المحامين"، نصّ على أنه" ليس للمحامي أن يشترك في أي ندوة أو مقابلة ذات طابع قانوني تنظمها إحدى وسائل الإعلام أو وسائل التواصل الاجتماعي أو المواقع الإلكترونية أو المجموعات إلا بعد استحصاله على إذن مسبق من نقيب المحامين".
وشدّد المجلس على "وجوب استئذان نقيب المحامين للتداول في القضايا القضائية الكبرى، على أن يمنع تداول المحامين بالقضايا التي لا تعتبر كذلك".
وأتت خطوة المحامين لإبطال التعديلات أمام محكمة الاستئناف باعتبار أنها مخالفة لأحكام الدستور والاتفاقات الدولية وبعض القوانين الداخلية التي تصون الحق في حرية التعبير والرأي، في حين استدعي عدد من المحامين، إثر اعتراضهم على التعديلات، للمثول أمام مجلس النقابة للاستماع إليهم، مع تلميح إلى احتمال شطبهم من الجدول واتخاذ تدابير بحقهم، كحالة المدير التنفيذي للمفكرة القانونية المحامي نزار صاغية. لكن هذا الإجراء لم يتخذ بحقه حتى اللحظة، خصوصاً بعد التضامن الكبير الذي حصده والهجوم الذي تعرضت له النقابة.
واعتبر "ائتلاف استقلال القضاء" في لبنان هذه التعديلات بمثابة "تعدّ واضح على جوهر حرية التعبير للمحامين، واستهداف لاستقلالية المحامين ودورهم"، معتبراً أن "تبرير مجلس النقابة قراراته بضرورة وضع حد للفوضى إنما يستعيد الحجة التي باتت تستخدم بشكل مطّرد لإرغام الهيئات القضائية على التدخل لكف يد قضاة تجرأوا على المسّ بالنظام السائد أو بحصاناته، بل أيضاً لتبرير تدخل السلطة التنفيذية للحؤول دون تنفيذ قرارات قضائية".
وعلّق المحامي نزار صاغية على القرار بالقول "كان بإمكان محكمة الاستئناف في بيروت أن تصنع الحدث؛ أن تتدخل لنقض التوجه العام في قمع الحريات، لكنها قررت أن تتماهى معه وأن تبيح نسف الحرية بحجة الفوضى، ومبدئية الثقة بأن الرقيب لا يتسلط".
وأعلن صاغية أنه سيطعن في القرار أمام الهيئة العامة لمحكمة التمييز على خلفية الأخطاء الجسيمة فيه.
كان بإمكان محكمة الاستئناف في بيروت ان تصنع الحدث. ان تتدخل لنقض التوجه العام في قمع الحريات. لكنها قررت ان تتماهى معه وان تبيح نسف الحرية بحجة الفوضى ومبدئية الثقة بأن الرقيب لا يتسلط. سأطعن في القرار امام الهيئة العامة لمحكمة التمييز على خلفية الاخطاء الجسيمة فيه.
— Nizar SAGHIEH (@nsaghieh) May 12, 2023
في السياق، يقول المحامي علي عباس، وهو ضمن الذين تقدموا بالطعن بالتعديلات، لـ"العربي الجديد"، إن القرار الصادر اليوم عن المحكمة نهائي وغير قابل للطعن بالطرق العادية، ويعني أن التعديلات أصبحت نافذة وقائمة، موضحاً في المقابل أن هناك دعوى مستقلة أخرى يمكن رفعها ضد الدولة حول مسؤولية القضاة عن أعمالهم، ويبطل القرار كلياً عندها، لكن أسباب هذه الدعوى ضيقة ولا تكون دائماً متوفرة، وهناك حرفية بعملها، باعتبار أن هناك تحميل مسؤولية لقاضٍ عن خطأ جسيم ارتكبه وهذا يحتاج إلى عمل كبير.
ويردف عباس "سلكنا طريق الطعن ونحن نعلم أن هناك احتمالاً لردّه، لكن معركتنا بالأساس هي الحريات، المكرسة بالدستور وشرعة حقوق الإنسان والقوانين المرعية الإجراء، ومارسنا حقنا في الاعتراض بالطرق القانونية، ونحترم قرار القضاء".
ويُشدّد عباس على أن "العمل اليوم سيتركز على رؤية كيفية استعمال النقابة هذه التعديلات، وحسن استخدامها، إذ سنقف بوجه أي انحياز أو استهداف، قد يطاول المحامين الذين يتعاطون قضايا الشأن العام والفساد، ويمسّ حقوق الشعب اللبناني، وتلك القضايا الكبرى ربطاً بملف تفجير مرفأ بيروت وسرقة أموال المودعين وغيرها".
ويشير عباس إلى أن "مبررات النقابة لاتخاذها التعديلات أتت من بوابة ضبط الفوضى، والظهور الإعلامي، وتقديم محامين استشارات قانونية ودعايات عبر وسائل الإعلام، والتطرق إلى دعاوى وقضايا شخصية خاصة بالموكلين، وهذه ذرائع أصلاً غير متصلة بنا وبمقدمي الطعون، فنحن نحترم سرية الملفات، وأصول وآداب المهنة ورسالتها، ودورنا يرتكز على قضايا حقوق الناس والشعب ومكافحة الفساد".
ويشدد عباس على أنه "ما دمنا نلتزم رسالتنا فلا يمكن لأحد أن يمنعنا من إيصالها وتأديتها في المجتمع، والكرة أصبحت الآن في ملعب نقابة المحامين، التي لسنا بموقع خصومة معها، بل مارسنا دورنا انسجاماً مع قناعاتنا ورسالتنا، لا من باب التحدي".
ويوضح أنه إذا "كانت في التعامل مع المحامين حول ظهورهم الإعلامي أي كيدية أو محاولة لإسكاتهم بما ينسجم مع دور الدولة البوليسية، فسنكون بالمرصاد لذلك".