تستمر الحملة الوطنية للتشجيع على التبرّع بالأعضاء، حتى السابع عشر من الشهر الجاري في المغرب، للتوعية حول أهمية التبرّع بالأعضاء، وهي ثقافة تفتقدها المملكة، إذ إنّ عدد المتبرّعين القليل لا يغطّي الحاجة
"من المؤسف أن نرى رجالاً ونساءً وأطفالاً يعانون أو يموتون كل يوم لعدم استفادتهم من عملية الزرع في الوقت المناسب". بهذه العبارة يكشف محمد بنشرقي لـ"العربي الجديد" عن واقع آلاف "مرضى الفشل الكلوي، الذين لم يحظوا بفرصة العثور على متبرّع بالكلية الثمينة"، بالتزامن مع استمرار حملة وطنية من كلية الطب والصيدلة بفاس (وسط المغرب) للتشجيع على التبرّع بالأعضاء، تمتد على مدى شهر.
ومع استمرار ارتفاع عدد الإصابات بالفشل الكلوي في المملكة، الذي يبلغ حالياً 32 ألفاً و500 مصاباً، وما يرافق ذلك من لوائح انتظار طويلة للظفر بفرصة للاستفادة من زراعة الكلى، يعيش بنشرقي، الذي يعاني منذ أربع سنوات من قصور كلوي، أيامه تحت رحمة علاج مستمرّ، قد يخذله في أي وقت ليخسر حياته. وإلى أن يحين دوره بالعثور على متبرّع، لا خيار أمامه سوى الغسيل الكلوي.
في المغرب، تجرى 50 عملية زرع كلى في السنة، موزّعة على مختلف المراكز الاستشفائية، بحسب رئيس مصلحة طبّ الكلى بالمركز الاستشفائي الحسن الثاني بفاس، طارق الصقلي الحسيني، الذي اعتبر في حديث مع "العربي الجديد " أنّ "العدد القليل للمتبرّعين لا يغطي حاجيات مرضى الكلى بالمغرب".
ويعاني المرضى المغاربة، الذين يحتاجون إلى زرع أعضاء، على الصعيدَين الجسدي والنفسي، ما دامت ثقافة التبرّع غائبة في المجتمع المغربي، بالرغم من التشجيع القانوني ومواعظ رجال الدين، كما التقدّم الذي حقّقه المغرب في مجال تنظيم التبرّع بالأعضاء والأنسجة البشرية، بالمقارنة مع عديد من الدول العربيّة.
يقول رئيس جمعية الرحمة لمرضى القصور الكلوي، ياسين العلمي، لـ"العربي الجديد"، إنّ تواضع أرقام عمليات الزرع في المملكة يرجع إلى "غياب الوعي بثقافة التبرّع، إذ نجد بعض الفئات التي ترغب في التبرّع، لكنها تخاف من رأي الدين أو القانون أو من الجانب الصحي للعملية، فضلاً عن صعوبة الإجراءات القانونية التي تحول دون إقبال العائلات على التبرّع لأفرادها".
ولمواجهة التردّد المجتمعي الملحوظ الذي يواجه التبرع بالأعضاء في المغرب، أطلق ائتلاف من ثلاث جمعيات (الرحمة لمرضى القصور الكلوي والجمعية المغربية للبحث والتعريف حول أمراض الكلى الوراثية، وجمعية إسعاد بكلية الطب والصيدلة بفاس)، أخيراً، حملة وطنية تحت هاشتاغ "#أنا متبرع"، تهدف للنهوض بثقافة التبرّع بالأعضاء وتعريف المواطن المغربي بمختلف الأبعاد المتعلقة بهذا الفعل التضامني، بحسب رئيس جمعية الرحمة.
وتتضمّن المبادرة أربعة أسابيع موضوعاتية، تتعاقب لمقاربة مسألة التبرّع بالأعضاء من مختلف جوانبها. ففي الأسبوع الأول تُعطى الكلمة للمرضى والمجتمع المدني، فيما تتناول الأسابيع الموالية إشكالية التبرّع من وجهة النظر الطبية والقانونية، الأخلاقية والدينية.
وبالنسبة إلى الباحث في الدراسات الإسلامية، محمد عبد الوهاب رفيقي، فإنّ ضعف الإقبال على التبرّع بالأعضاء في المغرب "أمر طبيعي، كون هذه الثقافة غريبة عن محيطنا وبيئتنا، وغياب حملات التوعية المهمة التي تدفع المواطنين إلى التفكير فيها والالتفات لما تعنيه".
ويؤكّد الباحث المغربي أنّ المسؤولية تقع على عاتق الدولة للقيام بحملات توعوية في هذا الصدد، عن طريق تسخير وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي للحديث عن الموضوع والتوعية به، لزرع قيمة جديدة داخل المجتمع، لافتاً إلى أنّ تحقيق ذلك يحتاج إلى جهد كبير من الدولة أولاً ثم المجتمع المدني والفاعلين فيه ثانياً.
أرقام مقلقة
يأتي إطلاق الحملة الوطنية للتشجيع على التبرّع بالأعضاء في وقت حذّرت فيه الجمعية المغربية لمحاربة أمراض الكلى من الأرقام المقلقة حول التبرّع بالأعضاء وزرعها في المملكة، قائلة إنها تبقى ضعيفة أمام الحاجة الملحّة إليها.
وبحسب الأرقام التي كشفت عنها الجمعية، بمناسبة اليوم العالمي للتبرّع وزرع الأعضاء، الذي يُحتفل به في السابع عشر من أكتوبر/ تشرين الأول من كلّ سنة، فإنّ عدد المُرشحين المحتملين للتبرّع بعد الوفاة قليل جداً، إذ تمّ تسجيل 1100 مغربي فقط منذ سنة 1989، منهم 700 في مدينة الدار البيضاء، في سجلّات التبرّع بالأعضاء على مستوى المحاكم الابتدائية في المملكة.
ومنذ سنة 1986، تاريخ إجراء أول عملية زرع، شهد المغرب 630 عملية زرع كلى فقط، من بينها 60 عملية تمّت من أشخاص في حالة وفاة دماغية، ما يمثل 17 عملية زرع لكلّ مليون نسمة، وهو رقم ضعيف مقارنة بالحاجة والطلب الموجودين.
ويسمح القانون المغربي بالتبرّع بالأعضاء البشرية، وفق ضوابط صارمة تتمثّل في أن يكون الغرض من التبرع بالأعضاء أو أخذها أو زرعها علاجياً أو علمياً، وألّا يلحق بالمتبرّع أيّ ضرر، علماً بأنّ إمكانيات التبرّع حُصرت في "كل جزء من جسم الإنسان سواء أكان قابلاً للخلفة أم لا والأنسجة البشرية باستثناء تلك المتصلة بالتوالد".
وبصرف النظر عن غرض التبرّع، يرتهن قانون هذه العملية بأن يكون المتبرّع "إما من أصول المتبرّع له أو فروعه أو إخوانه أو أخواته أو أعمامه أو عماته أو أخواله أو خالاته أو أبنائهم"، ويُسمح أيضاً بتبرّع الأزواج لبعضهم، شريطة أن يمرّ عام على الأقل على عقد القران.
وتشترط أيضاً الموافقة المكتوبة للمتبرّع على العملية، مصادقاً عليها من قبل القضاء، مع إبقاء المجال مفتوحاً أمامه لتغيير قراره في أي وقت، وأن تتم عمليات نقل الأعضاء وزرعها في المستشفيات تحت إشراف طبي. كما يحظر القانون المغربي الاتجار بالأعضاء البشرية.