حوامل أفغانستان في خطر

01 سبتمبر 2022
تتوفى أفغانيات كثيرات أثناء الإنجاب (إليز بلانشار/ فرانس برس)
+ الخط -

ما زالت وليدة عبد الستار (65 عاماً) تتذكر اللحظات الأخيرة في حياة زوجة ابنها عاقلة التي توفيت خلال مخاض وضع طفلها. تقول لـ"العربي الجديد": "أصيبت عاقلة بأوجاع بعد العصر، لكنني اعتقدت شخصياً بأنها لا تحتاج إلى تدخل طبي أو نقلها إلى المستشفى، إذ تعتاد النساء في قريتنا بمديرية خوجياني في ولاية ننغرهار شرقي أفغانستان وضع مواليدهن داخل المنازل، وبإشراف سيدات يملكن خبرات كافية في إجراءات الولادة. لكن بعد حلول الظلام تعرّضت عاقلة لنزيف حاد، علماً أنها كانت تضع مولودها الأول، قبل أن تتجاوز الـ17 من العمر".
تزوجت عاقلة ابن خالتها، وحملت بابنها الأول بعد أشهر قليلة. وذهبت مرات أثناء حملها إلى مركز طبي بمدينة كجه، حيث عاينتها طبيبة متخصصة أعطتها فيتامينات وأدوية، وأبلغتها أن حملها طبيعي، وستضع مولودها بدون مواجهة أي مشاكل صحية، كما أوصتها بأن تأتي إلى العيادة في وقت المخاض، لكن حماتها وليدة ارتأت حصول الإنجاب في المنزل، كما تفعل نساء كثيرات، لكن ما حصل أن عاقلة أصيبت بنزيف حاد، ولم تستطع الأسرة تأمين سيارة لنقلها من المنطقة الجبلية إلى المستشفى، علماً أن الوضع الأمني كان سيئاً للغاية أيضاً. ولجأت وليدة إلى طرق تقليدية لمحاولة وقف النزيف، لكن بلا جدوى إذ كانت عاقلة تخسر كميات دم كثيرة، وأغمي عليها قبل أن تستيقظ بعد ساعة.

ومع طلوع الفجر، حاولت الأسرة نقل عاقلة إلى المستشفى، لكنّ تأمين السيارة احتاج إلى وقت أيضاً. وحين وصلت إلى المستشفى، حاول الأطباء إنقاذها من دون فائدة، فتوفيت مع الطفل في بطنها. تقول وليدة: "حصل الحادث الأليم لزوجة ابني قبل عامين، وأنا أطالب الجميع أن يرفعوا أصواتهم في شأن حقوق المرأة، خاصة النساء الحوامل، فأي تأخير وتكاسل في توفير التدخل الطبي المطلوب لهن خلال الولادة، قد يتسبب في لحظة حسرة لا تعوض ولا تنسى في الحياة". تضيف: "كنت أساعد نساء كثيرات في قريتي خلال المخاض، وأنقل خبرتي لهن، لكن كل ما كنت أعرفه عن أمور الولادة فشل في إنقاذ زوجة ابني، وهي بنت أختي أيضاً. وسبب وفيات النساء عند المخاض ليس فقط التعامل أو التكاسل، بل الأعراف المتجذرة، وعدم وجود طبيبات في المناطق النائية. ولا بدّ من الاعتراف بأننا أظهرنا تقصيراً كبيراً في حق عاقلة، لأننا لم نأخذها إلى المستشفى قبل حلول المغرب، حين لم نعرف أنها مصابة بنزيف".
كذلك، تتذكر زينب التي تتحدر من ولاية بكتيكا وتعيش في العاصمة كابول حالياً، حالات إنجاب انتهت بوفاة نساء بسبب عدم وصولهن إلى المستشفيات والعيادات في الوقت المناسب. وتقول: "لا تنحصر أسباب وفيات النساء بالأعراف والتقاليد، بل أيضاً بعدم وجود إمكانات كافية للمواصلات والمال في بعض المناطق. كما لا يمكن تجاهل مشاكل زواج القاصرات، وعدم وجود كادر طبي نسائي في مناطق بعيدة". تضيف: "تحسنت التدخلات الطبية قليلاً في بعض المناطق مع ارتفاع مستوى التعليم، لكن غالبية هذه المناطق تفتقر إلى إمكانات طبية، ولا يمكن أن تصل أسر كثيرة إلى العيادات والمستشفيات، خصوصاً إذا كانت حالة الإنجاب تحصل في الليل".

قد تصبح صغيرات حوامل ويتعرضن لمخاطر (Getty)
قد تصبح صغيرات حوامل ويتعرضن لمخاطر (Getty)

أيضاً، تعتبر زينب أن بين الأسباب زواج القاصرات الذي يشكل ظاهرة متفشية، ما يجعل كثيراً من البنات يتعرضن للموت، ويواجهن حالات صعبة عند المخاض، بعد أن يصبحن حوامل وهن صغيرات، ربما في سن الـ16 أو الـ17. وفي المناطق الريفية تتزوج النساء عادة قبل أن يبلغن سن العشرين.
من جهته، قال وزير الصحة الأفغاني الدكتور قنلدر عباد، في مؤتمر صحافي عقده في كابول في 25 أغسطس/ آب الجاري، إنّ "580 امرأة حاملاً توفيت خلال عام من حكم طالبان لأفغانستان، بينما وُلد نحو مليون طفل. وحصل ذلك رغم الخطوات الجدية التي تتبعتها الوزارة من أجل إيصال الرعاية الصحية إلى كلّ المناطق، علماً أنّ الأرقام تؤكد أنّ الوضع الصحي في أفغانستان أفضل من دول الجوار". وتحدث أنّ وفاة النساء عند المخاض ترتبط بأسباب عدة لم يذكرها أو يتطرق إليها، مشدداً، في ظاهرة لافتة، على أنّ "مقارنة الأرقام مع نظيرتها في السنوات الماضية تشير إلى حصول تحسن خلال عام".
وفي سبتمبر/ أيلول من العام الماضي، أعلنت الأمم المتحدة أنّ 638 من كلّ 100 ألف امرأة تتوفى عند وضع الحمل، وأشارت إلى أن أكثر من 9 ملايين امرأة في المناطق النائية بأفغانستان يحتجن إلى رعاية صحية خلال المخاض. لكن "طالبان" تقلل عادة من المخاوف التي يبديها المجتمع الدولي في شأن قضايا النساء وتصفها بأنها "بلا أساس".

وسبق أن دعا مجلس الأمن الحركة إلى "التراجع فوراً عن السياسات والممارسات التي تقيّد حالياً حقوق الإنسان والحريات الأساسية للنساء والفتيات الأفغانيات". وأشارت بياناته إلى "فرض قيود تحدّ من الوصول إلى التعليم والتوظيف وحرية التنقل والمشاركة الكاملة والمتساوية والهادفة للمرأة في الحياة العامة".
ودعا المجلس سلطة "طالبان" إلى إعادة فتح المدارس لجميع الفتيات، معرباً عن "قلقه العميق" إزاء إلزام النساء بالبرقع وتغطية وجوههنّ في الأماكن العامة وفي وسائل الإعلام. 

المساهمون