يعيش أهالي محافظة درعا في الجنوب السوري حالة من القلق في ظلّ تفاقم حالة الفلتان الأمني، إذ تكثر أعمال القتل والسلب والخطف في مقابل الفدية، منذ أن سيطر النظام السوري على المنطقة في عام 2018، نتيجة ما يُعرَف بمناطق "خفض التصعيد" وعملية التسويات، تحت ضغط من روسيا وبدعم دولي وإقليمي.
وما زالت قصة الطفل فواز قطيفان الذي أُطلق سراحه أخيراً عقب اختطافه نحو ثلاثة أشهر، وذلك مقابل فدية مالية بلغت 105 آلاف دولار أميركي أي ما يعادل 400 مليون ليرة سورية تقريباً، حديث الشارع السوري عموماً ودرعا خصوصاً. هذا ما تؤكده أمّ عبد الله الخطيب (38 عاماً) المقيمة مع أطفالها الأربعة وزوجها في ريف درعا. وتقول لـ"العربي الجديد": "عشنا سنوات طويلة والموت يتربّص بنا في كلّ مكان من جرّاء القصف. وبعد التسوية، تقع يومياً عمليات اغتيال وحوادث سلب وخطف، لكن أن يصل الخطف إلى الأطفال ويتعرّضون للتعذيب من أجل ابتزاز عائلاتهم، فهذا أمر مرعب".
تضيف أمّ عبد الله: "لم نعد نطمئنّ لذهاب أطفالنا إلى المدرسة أو اللعب في الشارع، بعد أن تحوّلوا إلى أهداف للعصابات"، موضحة "لذا صرنا نصطحبهم نحن إلى المدرسة ومنها إلى البيت. وإذا أرادوا الخروج للعب في الشارع، فلا بدّ من أن أراقبهم أنا أو والدهم". وتؤكد: "هذا أمر مرهق. لا أعلم إلى متى نستطيع الاستمرار على هذا النحو".
من جهته، يقول عمار حسين (52 عاماً) من المقيمين في ريف درعا لـ"العربي الجديد": "الناس منهكون من الوضع الاقتصادي السيئ ومن الأوضاع الأمنية المتردية، ونشعر اليوم بأنّ المقبل سوف يكون أسوأ بكثير، خصوصاً عقب قضية اختطاف فواز قطيفان. فقد صار كلّ طفل هدفاً لتلك العصابات، خصوصاً أنّ النظام وقف عاجزاً أمام العصابة (التي خطفت فواز)، الأمر الذي أرغم العائلة على دفع الفدية التي جمعتها بشقّ الأنفس ومن الناس".
يضيف حسين: "منذ دخول النظام إلى المنطقة، نشعر بقلق دائم. فهو لا يضبط الأمن ولا يسمح للأهالي بضبطه. كذلك، فإنّ معظم المتّهمين بتلك الجرائم، إن لم نقل جميعهم، يرتبطون ويعملون مع القوات النظامية، خصوصاً الأفرع الأمنية والفرقة الرابعة. بالتالي، فإنّ أيّ شخص معرّض للقتل أو السلب". يتابع حسين أنّ "الناس صاروا يخشون أن يعلم أحدهم بامتلاكهم المال نتيجة بيع أرض أو عقار، أو بأنّ لديهم أقارب ميسوري الحال في خارج البلاد أو المنطقة، إذ إنّهم بذلك يكونون معرّضين للسلب أو القتل أو الخطف". ويؤكد حسين أنّ "الناس يحاولون أخذ الحيطة، فيقللون من الخروج ومن التوجّه إلى مناطق تقلّ الحركة فيها ومن التنقّل بعد مغيب الشمس".
في سياق متصل، يقول عضو مكتب التوثيق في "تجمّع أحرار حوران" عقبة محمد، لـ"العربي الجديد" إنّ، "الأوضاع في درعا تتّجه إلى مزيد من الفلتان الأمني والاغتيالات التي نشهدها ونوثّقها بشكل يومي. فقد شهدت المحافظة ستّ عمليات اغتيال أودت بحياة سبعة أشخاص في الأسبوع الأخير"، لافتاً إلى "تخوّف من عمليات مشابهة لعملية الطفل فواز قطيفان، خصوصاً أنّ المنطقة تشهد بطالة واقتصاداً متدهوراً، الأمر الذي يدفع كثيرين من الشباب ذوي ارتباطات مع أجهزة أمنية للقيام بأعمال غير مشروعة، مثل السرقة والخطف والاغتيالات والاتّجار بالمخدرات. فالموضوع الاقتصادي هو عامل مهم والفلتان الأمني يساعد في تنفيذ تلك الارتكابات".
وحول إجراءات يمكن اتّخاذها من قبل العائلات لحماية أطفالها، يقول محمد: "شخصياً لا أظنّ أنّ ثمّة ما قد يحمي الصغار من الخطف، لأنّ البيئة قروية والأطفال يعمدون إلى قضاء حاجات الأهالي ويتوجّهون إلى المدارس والجوامع وما إليها".
بالنسبة إلى المحامي حسان الأسود، من درعا، فإنّ "حالة الانفلات الأمني ليست أمراً عفوياً أو طبيعياً في المجتمع السوري الآن، بل هي سياسة ممنهجة يتّبعها النظام. الأجهزة الأمنية والعسكرية القادرة على إحصاء أنفاس الناس، قادرة على ضبط الأمن ومنع الجريمة واجتثاث المجرمين لو أرادت لها قيادتها السياسية، لكنّ الحقيقة أنّ ما يحدث هو هدف بحدّ ذاته".
ويوضح الأسود أنّ "حالة الفلتان الأمني سياسة ممنهجة يتّبعها النظام لتأديب المجتمع السوري. فما لم يستطع فعله بأسلحته، تقوم به عصابات الإجرام المنظّمة التي تُدار بلا أدنى شك في فروع الاستخبارات المتعددة". يضيف الأسود: "لا أعرف ما هي الفرص أمام العائلات لحماية أنفسها وبناتها وأبنائها من حالات الخطف هذه، لكن لا بدّ لها من بعض الإجراءات التي يمكن أن تخفّف من هذه المصيبة التي سلّطها عليهم نظام الفساد والاستبداد. لذلك، أظنّ أنّ الإجراءات فردية من خلال أخذ الاحتياط من جهة، وجماعية من جهة أخرى من خلال التنسيق بين الأهالي لمعرفة الخاطفين وضربهم على أيديهم".
وبحسب ما وثّقه "تجمّع أحرار حوران"، فإنّ عام 2021 سجّل 39 حالة خطف، من بين ضحاياها أربعة أطفال وشابة في درعا، إلى جانب 12 شخصاً من محافظة السويداء الجارة. وقد أُفرج عن 27 مخطوفاً، في حين قُتل 11، من بينهم ستة من العسكريين في القوات النظامية.