خوف اللبنانيين... ما نعيشه يومياً أسوأ من الحرب

20 سبتمبر 2024
تسيطر حالة من الهلع والترقب على اللبنانيين (محمود زيات/فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- **حالة الخوف والهلع في لبنان**: يعيش اللبنانيون في رعب مستمر بعد سلسلة تفجيرات استهدفت أجهزة الاتصال، مما أدى إلى سقوط ضحايا وجرحى. يُعتقد أن هذه التفجيرات جزء من حرب إسرائيل على حزب الله، مما زاد الضغط على الطواقم الطبية.

- **تأثير التفجيرات على الحياة اليومية**: السكان في مناطق حزب الله يعيشون في ذعر، يخشون استخدام هواتفهم، وبعض العائلات تفكر في مغادرة البلاد. الأطفال يعانون من اضطرابات نفسية.

- **ردود الفعل والتوصيات**: ينصح الخبراء الأهالي بعدم إظهار خوفهم أمام الأطفال وتجنب الشائعات. هناك دعوات للدولة لنشر معلومات دقيقة لطمأنة المواطنين.

يعيش اللبنانيون خلال الأيام الأخيرة حالة خوف مستمرة، بعد انفجارات البيجر ثم الأجهزة اللاسلكية، وبات البعض يتفادى هواتفه وأجهزته الإلكترونية خشية أن تنفجر في أية لحظة.

عادت إلى أذهان اللبنانيّين عبارة "لا تقترب، لا تلمس، خطر انفجار". لكن الإشكالية هذه المرة ليست بالألغام والقنابل العنقودية، إنما بحرب من نوع جديد بدأت إسرائيل شنّها على حزب الله اللبناني منذ يوم الثلاثاء الماضي، أدت إلى سقوط عشرات الضحايا وآلاف الجرحى ومئات الحالات الحرجة والإصابات البليغة. 
بعد موجتين متتاليتين من التفجيرات المتنقلة في الضاحية الجنوبية لبيروت ومحافظتَي الجنوب والبقاع، والتي استهدفت أجهزة الاتصال (بيجر) والأجهزة اللاسلكية، سادت حالة من الهلع والرعب وسط اللبنانيين، كباراً وصغاراً، والذين صاروا بمعظمهم يخشون الإمساك أو الاقتراب من أي جهاز إلكتروني خشية الإعاقة أو الموت بمجرد "كبسة زر". وأدت الفاجعة الإنسانية إلى خلق صدمة حقيقية وطرح تساؤلات لا تزال أجوبتها غامضة، فضلاً عن الضغط الكبير على أفراد الطواقم الطبية والتمريضية الذين يُصارعون لإنقاذ المصابين من جهة، وطمأنة عائلاتهم وأطفالهم بشأن الوضع الأمني غير المسبوق من جهة أخرى.

عزمٌ على مغادرة البلاد

رعب اللبنانيين، خصوصاً في المناطق التي لحزب الله نفوذ فيها، في الضاحية الجنوبية لبيروت والبقاع والجنوب، يظهر من محاولة الحديث مع السكان. قلة هم من يوافقون على إعطاء اسمهم الحقيقي أو الكامل أو يفضّلون استخدام اسم مستعار حتى ولو كان ما يقولونه "عادياً" جداً عن الأجواء التي يعيشونها والقلق الأمني، من دون ذكر أي معلومة حساسة.
مواطنة جنوبية مقيمة في منطقة خلدة (جنوب العاصمة)، سمعت أول من أمس أصوات ثلاثة انفجارات متتالية. تقول لـ"العربي الجديد": "كان الصوت قويّاً جدّاً، وظننتُ أنه ناتج عن سيارة مفخّخة، ثم أفادونا بأنه انفجار جهاز بيجر، لكن تبيّن لاحقاً أنه ناجم عن انفجار شقة مجاورة كانت تحتوي جهاز لاسلكي وبطاريات ليثيوم. هرعت سيارات الإسعاف وازدحم الشارع، فاكتفينا بالمراقبة من الشرفة، ولم نعرف التفاصيل، لكن الشقة بدت متفحّمة".
الأم لتوأم بعمر 13 عاماً، تروي كيف أنّ ولدَيها اعتادا سماع جدار الصوت. ورغم محاولتها طمأنتهما بالادّعاء أنّه جدار صوت، صُدمت بقول ابنها: "جدار الصوت عبارة عن صوتين متتاليين، وليس ثلاثة أصوات". وتسرد كيف هرعت مع ولديها من الصالون المفتوح على الشرفة إلى الممر، وأبعدتهما عن الزجاج والنوافذ، وطلبت منهما الاستعداد للخروج في حال تفاقمت الأوضاع.

تضيف الوالدة المصدومة: "لم نعد نخشى جدار الصوت، لكن الحدث الأمني الذي شهدناه على مدى يومين غامض لدرجة لا ندرك كيف نتصرف لتفاديه. بدأنا نفكر بكيفية الهرب، والجهة التي سنقصدها، وهل ننزل بالمصعد أو لا، وهل وقع الانفجار فوق أو تحت. حتى إن ابني كان يلعب على جهاز "بلاي ستايشن" فسارع لإطفائه على الفور خشية انفجاره، والآخر ابتعد عن الهاتف الخليوي، وبدأت تردنا اتصالات بضرورة فصل الإنترنت عن المنزل. هي حقاً مرحلة مقلقة، ولا أعلم إن كنت سأقصد منزل أصدقائنا في الجبل أو أقرّب موعد سفري لزيارة زوجي. كنا نخطط لذلك في أكتوبر/تشرين الأول المقبل، لكن ولديّ ومنذ اليوم الأول لتفجيرات الأجهزة، يستعجلان الرحيل إلى والدهما، غير آبهين بمتابعة عامهما الدراسي في لبنان".
منذ بداية العدوان الإسرائيلي على غزة في السابع من أكتوبر الماضي، لم تتخلّ ابنة الجنوب عن رغبتها بالبقاء في لبنان، باعتبار أن الأوضاع لن تزداد سوءاً، لكنّها اليوم تخطط لمغادرة البلاد. تقول: "لم يرعبنا انفجار الضاحية الجنوبية الأخير ولا الاغتيالات لهذه الدرجة، نظراً لبعد مكاني عملنا وسكننا عن دائرة الاستهداف، وكذلك مدرسة ولديّ. لكنّها المرة الأولى التي أفقد فيها الشعور بالأمان. قد ينفجر أي جهاز نمسكه في أي لحظة. قد نكون في الشارع بالقرب من أحدهم، فينفجر جهازه. قد يفجّرون غداً هواتفنا المحمولة، فالاستهداف أصبح في عقر دارنا ومنازلنا وأينما كان".
في سياق متصل، شاء القدر أن يكون رجل من مدينة بعلبك (البقاع الشمالي)، شاهداً حيّاً على انفجار جهاز لاسلكي كان بحوزة شرطي بلدية أصيب في يده. يكشف لـ"العربي الجديد" أنه كان على بُعد 20 متراً من الحادث الأليم، ويقول: "لن نترك منازلنا، فما من منطقة آمنة. لذلك، لا يسعنا إلا الدعاء وتمني عودة الهدوء والاستقرار". وفي حين يرى أن الشعب اللبناني "اعتاد ضربات الصواريخ والانفجارات في كل المناطق ولم يعد يكترث"، يأسف لـ"حالة الخوف التي يختبرها الأطفال، إذ باتوا يخشون لمس الأجهزة الإلكترونية. فالاختراق الأمني أكبر وأفظع من الحرب والقصف ومن جدار الصوت الذي تأقلمنا معه، وحتى الصواريخ التي سقط اثنان منها إلى جانب منزلنا". ويعرب الأب لطفلين عن قلقه من إرسالهما إلى المدرسة، خشية استهدافها أو استهداف أي تجمعات أخرى.

لبنان (فاضل عيتاني/ فرانس برس)
سيارة إسعاف تصل إلى تشييع لنقل الجرحى بعد حدوث تفجير (فاضل عيتاني/ فرانس برس)

أما أبو مصطفى، المواطن من محافظة البقاع، فيغرّد خارج السرب، ويقول لـ"العربي الجديد": "وُلدنا في لبنان زمن الحرب، ولا تزال الحرب قائمة. تأقلمنا مع كل الظروف والمستجدات. لا خوف ولا ذعر، إنما ما نشهده عبارة عن أحداث تحصل عندما نكون في حالة حرب أو قصف يومي".

الإجابة على الاتصالات!

لجأت المواطنة حلا ع. وعائلتها إلى بلدة زوطر الشرقية (جنوب البلاد). تقول لـ"العربي الجديد": "خيّم الصمت ولم يعد هناك أي كلام بعد التفجيرات الصادمة. ساد الهدوء في الشوارع وأقفلت المحال أبوابها. يرافقنا الفزع والرعب وأصبحنا نخاف حتى هواتفنا، حتى إن البعض لا يجيب على الاتصالات ولا يطمئن على أحد خشية انفجار الهاتف في يده. باتت الأجهزة الإلكترونية قنبلة موقوتة بين أيدينا، ناهيك عن الشائعات والأخبار العاجلة التي تحذرنا من لمس أجهزة الراوتر والطاقة الشمسية والتلفزيونات والحواسيب والآيباد".
حلا أم لفتى في عمر 13 عاماً وتوأم في عمر سبع سنوات، تتحسّر على حال أحد أطفالها الذي ينام مغلقاً أذنيه بيديه كي لا يسمع صوت الطائرات والقصف، فهو يرتجف ويبكي لدى سماع جدار الصوت، ويسأل إذا كانت الضربة قريبة أم بعيدة، في حين يرتجف الآخر رعباً ويغلق أذنيه من دون أن يتلفّظ بكلمة. تتابع: "تأتي حادثة التفجيرات المتنقلة لتُفاقم معاناة النزوح وتزيد حدة الخوف لدى أولادنا، بعدما كان الهاتف وسيلتهم الوحيدة والآمنة وسط القصف الدائر في الجنوب. لكنهم اليوم يرتعبون من حمله. الوضع أفظع وأقسى من الحرب الفعلية".

سيارة إسعاف في لبنان (محمد سلمان)
كان صوت سيارات الإسعاف حاضراً في أذهان اللبنانيين خلال اليومين الماضيين (محمد سلمان)

حلا التي سمعت بدورها دويّ انفجار ظنّت أنه صوت رصاص أو غارة إسرائيلية، تكشف أنّ الصوت نجم عن انفجار جهاز لاسلكي في منزل مجاور، فهرع أولادها إلى الداخل بعدما كانوا يلعبون على الشرفة. بغصةٍ ودمعةٍ، تضيف: "يكفي إلى هذا الحد. تعبنا وأطفالنا يعانون اضطرابات نفسية ولا يختبرون سوى الخوف والرعب. مستقبلهم تدمّر وتعليمهم طيّ النسيان، خسرنا شبابنا، ولبنان لم يعد يحتمل المزيد".

حيطة وحذر

يأسف أحد سكان الضاحية الجنوبية لبيروت لـ"حجم الشائعات والمعلومات المغلوطة المتداولة بشأن تفخيخ الهواتف الخلوية والحواسيب". ويقول لـ"العربي الجديد": "العدو الصهيوني معروف بإجرامه ومدعوم من الولايات المتحدة الأميركية المتطوّرة تكنولوجيّاً، والتي جهّزت العدو بآلة القتل في غزة ولبنان. غير أننا باقون في الضاحية، رغم حالة الهلع والوضع غير الطبيعي، ونأمل أن يكون الحدث الأمني هو الأخير، علماً أن الأهالي بمعظمهم يتّخذون الحيطة والحذر".

من جهة أخرى، يقول ناشط فضّل عدم الكشف عن هويته، إنّ "تفجيرات أجهزة الاتصال التابعة لحزب الله كانت مفاجئة رغم توقع الكثيرين بأنّ لبنان سيكون أمام حرب غير مسبوقة مع العدو الصهيوني، الذي فاقت تهديداته كل الاحتمالات، غير أن التفجيرات بالجملة وفي كل المناطق التي يوجد فيها الحزب، سياسيّاً وعسكريّاً، تُعدّ بداية لعدوان موسّع على لبنان". يضيف لـ"العربي الجديد": "نشهد حالة استثنائية من الخوف والهلع والفوضى بين المواطنين، بعد وصول العدو إلى أجهزة تعتبرها قيادات وأفراد حزب الله الأكثر أماناً بين أجهزة الاتصال، وبعدما تسبّبت غالبية الإصابات بإعاقات دائمة، ما أثار قلق الأهالي على حياتهم وحياة أبنائهم وأطفالهم".

توتر طبيعي 

يؤكد المتخصص في الاضطرابات النفسية والعقلية، داني خلف، لـ"العربي الجديد"، أن "من حق الكبار والصغار أن يشعروا بالتوتر والقلق نتيجة الأحداث الأخيرة، غير أن النصيحة الوحيدة خلال هذه الفترة هي أن يتفادى الأهل، قدر المستطاع، إظهار خوفهم وردات أفعالهم أمام أولادهم. من الضروري أن يجيبوا عن أسئلة أطفالهم بحسب قدرة استيعاب كل طفل، وأن يشرحوا لهم أننا في حالة حرب وهناك بلد يعتدي علينا، لكننا لسنا في خطر وسنتوخى الحذر. الأهم ألا نكذب ونسرد قصصاً غير صحيحة، لأن الأطفال باتوا أكثر فهماً ووعياً. لذلك، يجب قول الحقيقة بطريقة معدلة".
يتابع: "من المهم ألا ننجر إلى الشائعات التي انتشرت بكثرة في الساعات الماضية، كالحديث عن انفجارات تطاول جهاز الإنفرتر وبطاريات الليثيوم والحواسيب وماكينات الإنترنت. وهنا دور الدولة في طمأنة المواطنين عبر نشر معطيات بشأن مصدر الخطر والأماكن المحتملة لوجوده أو لوجود خرق أمني، ما يساعد الأهالي في تهدئة أطفالهم والتخفيف من مستوى خوفهم، لا سيما أنهم أعلم بما يمتلكونه من أجهزة وكيف قاموا بشرائها وطريقة دخولها إلى البلاد، ما يسمح بتحديد مدى سلامتها أو خطورتها".

المساهمون