ولد داود محمد ناصر في عام 1942، وكان في السادسة من عمره عندما خرج مع خاله وبقية عائلته من فلسطين، بعد أن سبقهم والده إلى الخروج لأن الإنكليز كانوا يطاردونه بغرض اعتقاله.
ويروي: "كان والدي يعمل بشركة في يافا، وكان يناضل من أجل دحر المحتل عن أرضنا، لذلك كان مطلوباً للإنكليز، فجاءوا إلى البيت لاعتقاله مع مجموعة من اليهود الذين يتكلمون اللغة العربية، وما زلت أذكر ما حصل عندما داهموا بيتنا، علماً أنني كنت حينها صغيراً".
يتابع: "كان بالقرب من بيتنا ما يشبه المقبرة، وعندما شعر والدي بمجيئهم، هرب، واختبأ فيها. دخلوا البيت بطريقة همجية، فتشوا عن أبي، فتشوا البيت كله، حتى البرغل والحمص والأرز لم تسلم من عبثهم، إذ ألقوا بها على الأرض. لم يتركوا شيئاً سليماً في البيت. بعد تلك الواقعة ترك أبي فلسطين، وهرب متوجهاً نحو جنوب لبنان، ووصل إلى بلدة رميش، وأقام بها إلى حين وصولنا".
يضيف: "بعد أن احتل الصهاينة يافا، قرر خالي أن يهرب بي مع أختين لي إلى حيث والدي، وهو كان يعلم بمكانه. توجهنا إلى بلدة رميش سيراً على الأقدام، وهناك نمنا لمدة أسبوعين بين أشجار الزيتون، بعد ذلك أتى فوج من الجيش اللبناني وأخذنا إلى قرية القرعون في البقاع، وبقينا فيها لمدة ستة أشهر، ومنها انتقلنا إلى مخيم نهر البارد، ولم يكن يعيش في المخيم وقتها أحد، وهناك قدمت وكالة أونروا شوادر للناس، كل بحجم عائلته، كما قدموا لنا الأغطية، ونظف الناس المكان من الأعشاب الشوكية، ونصبوا الخيام، وسكنا فيه لنحو ثلاث أو أربع سنوات".
يواصل: "أقامت أونروا مدرسة في المخيم، فالتحقت بها، وأنهيت الصف التاسع الأساسي، ثم تركت التعليم لظروف الحياة الصعبة، وحاجتنا إلى العمل. ترك والدي المخيم إلى بيروت للعمل، وكان يعمل في كاراج للسيارات، وبعد وفاته في الخمسين من عمره، صرت أنا معيل عائلتي، فعلّمت أخي، وصرت أعيل إخوتي البنات وأمي. عملت في محطة بنزين في بيروت، واضطررت للانتقال من مخيم نهر البارد إلى مخيم شاتيلا، ثم اشتريت منزلاً لأهلي".
ويتذكر: "في فلسطين، كان عندنا فرن بناه والدي من الحجر، وكانت أمي تخبز فيه، كما كان عندنا بئر ماء، وكنت دائماً ألوم أبي لأنه جعلنا نخرج من فلسطين. ليتنا لم نترك بلدنا".
يتابع داود أنه أصيب خلال معارك صبرا وشاتيلا، كما أصيبت أخته، وأنهم عانوا خلال الحروب التي شهدتها مخيمات بيروت بعد خروج الفدائيين، وفي عام 1988 أصيب ابنه أيضاً، وفي البداية بلغهم نبأ وفاته، وتقبلوا التعازي فيه، لكن بعد مرور أسبوعين، تبين أنه لم يمت، بل كان مصاباً، وفي عام 1990، اعتقلت قوات الاحتلال ابنه، ثم خرج من المعتقل في صفقة تبادل أسرى، ومنعه الاحتلال من العودة إلى لبنان، فأبعد إلى قطاع غزة، وكانت قد تبنته إحدى الفلسطينيات، وكانت تزوره في المعتقل، وبعد إطلاق سراحه زوجته ابنتها، وهو يعيش حالياً في غزة، ويتواصل مع العائلة عبر الهاتف، وقد زار مع زوجته وأولاده العائلة مرتين، ويقول داود: "ليتني أستطيع الذهاب إليه، لأعيش معه وبين عائلته".
ورغم مرور كل تلك السنوات على وجوده في لبنان، يتمنى داود العودة إلى فلسطين، ويقول: "أتمنى أن أعود إلى بلدي بأية طريقة، المهم أن أرى بلدي، وأن أرى أقاربي الذين بقوا في فلسطين، والموجودين في غزة. بيت أهلي ما زال على حاله، وإحدى قريباتنا زارته، وأبلغتنا أن عائلة يهودية تعيش فيه".