مع مرور أكثر من شهرين على كارثة فيضانات مدينة درنة الليبية التي أدت إلى مقتل الآلاف، ونتجت من تساقط أمطار غزيرة سبّبتها العاصفة "دانيال"، ما أدى إلى انهيار سد درنة في 10 سبتمبر/ أيلول الماضي، اتجهت الجهود إلى المرحلة الثانية في ما يخص الضحايا والمفقودين. يكشف مدير مكتب الإعلام بالهيئة العامة للبحث والتعرف إلى المفقودين، عبد العزيز الجعفري، انتشال 622 جثماناً من موقع مقبرة "الظهر الأحمر" حتى الآن، آخرها 74 السبت الماضي.
وقال الجعفري لـ"العربي الجديد": "تنقسم فرق الهيئة الميدانية إلى 4 مجموعات حالياً. وتتولى الأولى انتشال الجثث من المقابر، بالتعاون مع فرق مركز طب الطوارئ والدعم". ويوضح أن "أغلب الجثث التي دفنت في مقبرة الظهر الأحمر لم يجرِ التعرف إلى هويات أصحابها، بخلاف تلك في مقبرة مرتوبة، علماً أن جثثاً كثيرة دفنت بشكل جماعي بسبب الظروف الاستثنائية التي مرت بها المدينة، والخوف من انتشار أوبئة بسبب تحلّل الجثث، وعدم وجود كهرباء لتبريدها أو ثلاجات كافية في فترة الكارثة الطبيعية".
ويشير إلى أن "فرق المجموعة الثانية التابعة للهيئة تتولى أخذ وترقيم وتبويب عيّنات من الجثث داخل المشرحة. وقد أخذت عيّنات 1536 جثماناً حتى الآن، أما المجموعة الثالثة فتتولى إعادة تكفين الجثث والصلاة عليها وفقاً لأحكام الشريعة الإسلامية، ثم دفنها فردياً في مقبرة خصصت لضحايا الإعصار في منطقة "الفتايح". ووصل عدد الجثامين اتي أعيد دفنها هناك إلى 512". وتتولى المجموعة الرابعة، وفق الجعفري، أخذ العيّنات من أقارب المفقودين، تمهيداً لمطابقتها بعيّنات الجثث، و"تُحوَّل عيّنات الجانبين دورياً إلى مختبرات الهيئة في عمل يحصل بوتيرة جيدة قد تجعله ينتهي خلال 4 أشهر". ويوضح الجعفري أن التنسيق مع مكتب النائب العام أزال أي تقاطع في اختصاصات الفرق التي تعمل على ملف الجثث والمفقودين، وأن جميع العاملين الحاليين في الملف ليبيون، بعدما غادر الفريق الإماراتي الذي جاء سابقاً لمحاولة المساعدة على التعرف إلى هويات الجثث.
ويستبعد الجعفري تأثير تحويل جهود الهيئة إلى درنة بملف المقابر الجماعية في ترهونة، موضحاً أن نسبة إنجاز ملف الانتشال والتعرف في ملف مقابر ترهونة بلغت 95 في المائة، فيما لم تستكمل النسبة القليلة الباقية بسبب عدم إعطاء بعض أهالي المفقودين عيّنات.
في غضون ذلك، يؤكد الناشط المدني أيوب القاضي، ضرورة إمداد فرق هيئة البحث والتعرف، وكذلك طب الطوارئ بفرق أجنبية متخصصة من دول عاصرت تجارب مماثلة، كالنزاعات المسلحة، من أجل الإفادة من الخبرات الدولية لتسريع إنهاء ملف المفقودين. ويشير إلى "نقص الخبرة لدى الليبيين في هذا الاختصاص، من دون أن يمنع ذلك الإشادة بالعمل المنجز رغم قلة الإمكانات والدعم". ويشير القاضي إلى التفاوت الملحوظ في الأرقام المتداولة حول المفقودين بين الإحصاءات الرسمية المحلية من جهة، والدولية من جهة أخرى. ففي حين كشفت الأمم المتحدة في وقت سابق وجود نحو 11,300 بين قتيل ومفقود، لم تتجاوز الأرقام التي أعلنتها الحكومة المكلفة من مجلس النواب في بنغازي 5000. من هنا لا يستبعد القاضي ارتباط هذا الفارق بالصراعات السياسية، ويتهم حكومتي طرابلس وبنغازي اللتين تتنازعان السلطة بعدم التعامل بجدية مع ملف درنة وضحاياها وأهلها. ويقول القاضي إن "سلطات غربيّ البلاد بعيدة عن مكان الكارثة، فيما لا تريد منافستها في الشرق إصدار أرقام كبيرة بعدد الضحايا خشية أن يؤدي ذلك إلى فتح ملف فساد يشمل أيضاً مسؤوليات التأخر في صيانة السدود التي انهار اثنان منها في درنة، ما قد يخلق غضباً شعبياً كبيراً".
وأشارت تقارير سابقة إلى أن السلطات علمت بأن سدّ أبو منصور الذي يرتفع 75 متراً، وسدّ البلاد الذي يرتفع 45 متراً، وسبّب انهيارهما فيضانات ضخمة بلغت ارتفاع 30 متراً محت بلحظات ثلث درنة من الخريطة، احتاجا إلى صيانة عاجلة، وأنها تلقت تحذيرات من مخاطر التباطؤ في صيانتهما، في وقت لم تنفذ عقود أعمال كانت قد أُبرمت سابقاً.
ودفعت هذه الفضيحة مكتب النيابة العامة إلى توقيف 16 مسؤولاً عن إدارة مرافق السدود في ليبيا، وتوجيه اتهامات جنائية في حقهم. وأوضح النائب العام الصديق الصور أن فاجعة درنة حتمت مراجعة كل عقود السدود في أنحاء البلاد، وأشار إلى أن اتخاذ تدابير في السنوات الماضية كان سيمنع حدوث كارثة درنة. إلى ذلك، يشير القاضي إلى أن "عدم إقفال ملف مفقودي درنة سيُراكم الآلام النفسية لذويهم، ويخلق مشاكل قانونية، ويطالب وزارة العدل والجهات المعنية ببحث هذا الأمر، لأن القانون الليبي لا يتحدث عن هذه المعضلة".