ينتظر قرابة مائة من طلاب منحة الجامعة اللبنانية لمتابعة شهادة الدكتوراه في الخارج، إعادة "مصرف لبنان" النظر بقراره المفاجئ الذي يقضي بتحويل المبالغ المرصودة لهم بالليرة اللبنانية، بعد أن كانت تُحوّل وفق سعر الصرف الرسمي، ويجري استلامها بالعملة الصعبة.
كانت "منحة التفوّق للدراسات العليا في الخارج" تكفي لتسديد قسط الجامعة وقيمة الإيجار وبدل النقل وبطاقة السفر وكلفة الأبحاث والدراسات والمصروف اليومي لكلّ طالب، لكنها مع القرار الجديد لا تكفي شهراً واحداً، فضلاً عن تفاقم المعاناة مع إقرار الجامعة رفع رسوم التسجيل في مختلف المراحل، ليرتفع القسط من 750 ألف ليرة لبنانية (نحو 19 دولاراً أميركياً) إلى قرابة 6 ملايين ليرة (نحو 150 دولاراً وفق السوق الموازية). ما يعني اقتطاع الجزء الأكبر من قيمة المنحة الجزئيّة لرسوم التسجيل، ما دفع الطلاب إلى إعلان مقاطعة التسجيل، وإبلاغ الأساتذة المشرفين على أطروحاتهم بذلك.
محمد طالب دكتوراه في اختصاص الهندسة الميكانيكيّة، ومن المفترض أن يتابع سنته الثانية وفق منحة مشتركة بين الجامعة اللبنانية وإحدى جامعات فرنسا، ويروي لـ"العربي الجديد"، كيف تحوّلت منحة الـ6 آلاف دولار أميركي التي كانت تُحوّل إلى الخارج بالعملة الصعبة، إلى 9 ملايين ليرة لبنانية، أي ما قيمته نحو 226 دولاراً أميركياً فقط، ويقول: "بطاقة السفر التي كلّفتني 300 دولار، سيدفعونها وفق سعر الصرف الرسمي بقيمة 450 ألف ليرة، أي نحو 11 دولاراً أميركياً وفق السوق الموازية".
ويضيف: "كنتُ أنتظر المنحة لشراء حاسوبٍ، لكنّها لم تعد تكفي للعيش شهراً في فرنسا. لذلك سأضطر للبحث عن عملٍ. رغم أنّني حائز على نصف منحة ثانية من فرنسا، غير أنّها بالكاد تكفي لدفع بدل السكن والنقل وتأمين الطعام".
تتحسّر الطالبة روان على حال زملائها في الخارج رغم أنها من المتفوّقين الحاصلين على منحة كاملة بقيمة 12 ألف دولار أميركي لمتابعة دراساتها العليا في الكيمياء الحيوية. وتقول لـ"العربي الجديد": "جامعات الخارج تنظر إلى قيمة المنحة، وقدرتها على تغطية رسوم التسجيل والسكن والأبحاث والمصروف اليومي. بعد قرار مصرف لبنان، لم نعد نعرف مصيرنا. كنّا نتابع ملفّاتنا منذ أشهر، ويقولون لنا ستصلكم المبالغ، لا تهتمّوا للتأخير. لذلك لجأنا إلى الاستدانة، كي نتمكّن من تسديد القسط، وتأمين معيشتنا، وقد شارفتُ على إتمام أطروحتي، لكن أهلي غير قادرين على تحويل الأموال. كيف سأؤمّن مصدر تمويل ينقذني من خسارة الشهادة؟".
أمّا ميرا، طالبة الدكتوراه في اختصاص هندسة التصنيع الغذائي، والتي حازت منحة مشتركة بين الجامعة اللبنانية وإحدى جامعات إسبانيا، فتقول لـ"العربي الجديد": "من المفترض أن أتابع السنة الأخيرة، لكنّني اليوم أواجه الكثير من التحديات. بدأت بنصف منحة من الجامعة اللبنانية بقيمة 6 آلاف دولار، ولم أحظَ خلال السنوات الثلاث الماضية بأيّ منحة أخرى. كنّا نخسر قيمة تحويل المبلغ، بحيث ينخفض من 6 آلاف دولار إلى نحو 5 آلاف يورو، وهو مبلغ لم يكن كافياً بالأصل. كان أهلي يضطرّون لمساعدتي، وحرصت على التقشّف، وكررت الاستدانة، خصوصاً أنّ والدي متقاعد، وجنى عمره بأكمله في قبضة المصرف. كنتُ أنتظر منحة السنة الثالثة لأسدّد ديوني المتراكمة، إذ كنتُ أضطرّ أحياناً للبقاء أكثر من ستّة أشهر في إسبانيا، كون الجامعة تفتقد العديد من الأجهزة والمعدّات".
وفي اتصالٍ مع "العربي الجديد"، أكّد رئيس الجامعة اللبنانية، بسام بدران، أنّه لا يمكنه طمأنة الطلاب. "على أيّ أساس سأطمئنهم، هل المسألة بيديّ؟ لم يبقَ أحد لم أتواصل معه، ولم يعد بإمكاني القيام بأيّ شيء. لغاية اليوم الأمور سلبية، فما زلتُ أنتظر جواباً من مصرف لبنان منذ أشهر، وبناءً على طلبه، أرسلنا كتاباً رسميّاً فصّلنا فيه أسماء طلاب الدكتوراه في الخارج الحاصلين على منحة الجامعة، الكاملة والجزئية، وهم قرابة مائة طالب وطالبة، والمبالغ المطلوب تحويلها. وذكرنا أنّ القانون يقضي بتحويل الأموال لطلاب الدكتوراه على سعر الصرف الرسمي. لكنّنا نلقى في كلّ مرة الجواب ذاته، بأنّه جرى تحويل الكتاب إلى وحدة الشؤون القانونية في المصرف المركزي، والأسابيع تمرّ من دون جواب".
ولفت بدران إلى أنّ "مصرف لبنان قرّر عدم تحويل الأموال إلى الخارج إلا عبر سعر منصّة (صيرفة). مَن يمكنه أن يضغط على حاكم مصرف لبنان؟ وهل جرى الضغط أصلاً لاسترداد أموال المودعين؟ وهل من أحدٍ يضغط لتحصيل مستحقات الجامعة لقاء فحوص PCR، والتي توازي 52 مليون دولار أميركي؟".
وأسف رئيس الجامعة اللبنانية لـ"الظلم الكبير الذي يتعرض له طلاب المنحة الكاملة، فهؤلاء يعوّلون فقط على منحة الجامعة التي كانت توازي 12 ألف دولار أميركي سنوياً، وباتت اليوم قرابة 600 دولار وفق سعر (صيرفة). أمّا الحائزون على نصف منحة بقيمة 6 آلاف دولار، فباتت منحتهم قرابة 300 دولار فقط، علماً أنّ هذه المنحة لا يشترط القانون دفعها بالعملة الصعبة، كونها مخصّصة لفترة الأشهر الستة من أبحاث الطالب ودراساته داخل لبنان، وبالتالي فهي توازي بالعملة الوطنية ما قيمته 9 ملايين ليرة لبنانية".
ويستدرك بدران أنّ هذا المبلغ لم يعد كافياً حتّى في لبنان: "هؤلاء الطلاب وضعهم أفضل من أصحاب المنحة الكاملة، كونهم يحظون بنصف منحة ثانية من الخارج، وقد حرصنا سابقاً على تحويل منحتهم بالعملة الصعبة مراعاة للظروف الاقتصادية، لكن اليوم مصرف لبنان هو مَن اتّخذ القرار، وليس إدارة الجامعة".