دمار رفح.. الاحتلال يُبيد نصف المحافظة التي كانت "آمنة"

11 يونيو 2024
التهجير مستمر من رفح (إياد البابا/ فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- شن الاحتلال الإسرائيلي عملية عسكرية على مدينة رفح، مما أدى إلى تدمير كبير للبنية التحتية والمنازل، خاصة في المناطق المكتظة وتدمير معبر رفح، مما زاد من معاناة السكان.
- تعرضت مناطق مثل الشوكة الجديدة وحي البرازيل لدمار يتجاوز الـ75%، مع صعوبات كبيرة تواجهها طواقم الإنقاذ في الوصول إلى المنكوبين وتقديم المساعدة بسبب تدمير الطرق والبنية التحتية.
- يعاني سكان رفح من نقص حاد في المياه، الكهرباء، والاتصالات، مما يضعهم في عزلة تامة ويعيشون في ظروف قاسية، في ظل تجاهل دولي لمعاناتهم واستهداف الاحتلال للبنية الاجتماعية والاقتصادية لقطاع غزة.

مرّ حوالي شهر على شن الاحتلال الإسرائيلي عملية عسكرية على مدينة رفح، وقد عمد إلى تدمير منازل أهالي المدينة والمواقع الأساسية فيها ومعبر رفح، وهو المنفذ الوحيد للغزيين. كما أدت العملية العسكرية إلى تدمير البنى التحتية والمنازل بنسبة 50%‎، وغيّر الاحتلال معالم الكثير من المناطق التي كانت الأكثر اكتظاظاً وقت العدوان.

تتعرّض محافظة رفح للتدمير منذ السابع من مايو/ أيار الماضي. وبحسب الرصد الأولي للدفاع المدني الذي يوجد بعض أفراد طواقمه على أطراف المناطق من أجل عمليات الإنقاذ والإغاثة، في ظل التأكيد على وجود مدنيين في المناطق الغربية لمدينة رفح لعدم وجود ملاجئ كافية للنازحين، فقد جرى تدمير أهم مراكز المدينة والبلدات على مدى شهر واحد.

تضم محافظة رفح على مساحة قرابة 55 كيلومتراً مربعاً مدينة رفح ومخيم رفح، الذي تمدد على مدار سنوات ما بعد النكبة الفلسطينية حتى أصبح مخيماً كبيراً له فروع مثل مخيم الشابورة ومخيم يبنا والمخيم الكبير، بالإضافة إلى قرى وبلدات تقع في المنطقة الشرقية من مدينة رفح والجانب الشمالي الغربي من المدينة.

وبحسب المعلومات الميدانية لطواقم الدفاع المدني، فإن مناطق بلدة الشوكة الجديدة وحي البرازيل وحي السلام، شرق مدينة رفح، ومخيم يبنا وجنوب حي الشابورة، والمخيم الغربي في حي تل السلطان، وحي التنور، وحي المشروع، ومنطقة تبة زارع، والحي السويدي، والمناطق القريبة من الشريط الحدودي مع مصر بطول 14 كيلومتراً، كلها مناطق منكوبة والدمار فيها تجاوز الـ75% بعدما أعلن الاحتلال الإسرائيلي السيطرة على محور فيلادلفيا بالكامل.

عدد من الموجودين في غرب شمال مدينة رفح على حدود الحي السعودي ومنطقة تل السلطان، يؤكدون وجود غزيين في خيام بسبب امتلاء مناطق عديدة في غرب مدينة خانيونس ودير البلح بالمهجرين، علماً أنهم يدركون مدى خطورة وجودهم هناك. إلا أن عدم وجود ملاجئ يعرضهم للإرهاق الشديد، وخصوصاً أن بينهم أشخاص ذوو إعاقة وكبار في السن.

يوجد محمد مهنا ووالده ووالدته المسنان وزوجته في المنطقة الغربية لمدينة رفح، ويشير إلى أنهم عاجزون عن التحرك. لكن قبل ثلاثة أيام توجهوا لإحضار كمية من البضائع لمساعدة الناس وإطعام الموجودين في المنطقة بعد خروج هيئات المساعدة الإنسانية ووكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) عن الخدمة في المنطقة، ليصدموا بحجم الدمار في مناطق في مقدمة حي تل السلطان. ولم يتقدموا كثيراً في ظل توغل قوات الاحتلال من مناطق قريبة من المنطقة التي كانت حتى الـ20 من الشهر الماضي ضمن المناطق الآمنة.

يوضح مهنا أن الاحتلال خلال الأسبوع الحالي قصف بشكلٍ عشوائي المنطقة الغربية لمدينة رفح، ودمر العديد من المنازل فيها. ونتيجة تدمير عدد من الشوارع، لم يتمكنوا من الوصول إلى عدد من المتاجر والمخازن التي يرافقهم أصحابها لإحضار الطعام. كما دمّر الاحتلال متاجر لعدد من النازحين من مخيم يبنا القريب على الحدود المصرية. وبذلك، يعيشون الخطر والجوع وسط تدمير مستمر للمحافظة. يقول مهنا لـ"العربي الجديد": "كلما خرجنا في مدينة رفح، وجدنا أن الدمار يزداد بشكلٍ كبير. كان الاحتلال موجوداً مع آلياته العسكرية في منطقة تل زعرب، ويقصف أي جسم يتحرك إلى المنطقة الجنوبية. استشهد شابان كانا معنا في المنطقة، وكانا يعيلان عائلتيهما".

يضيف مهنا: "لا توجد مياه في المنطقة ولا كهرباء ولا إنترنت. نتواصل مع أهلنا في المناطق التي نزحوا إليها بالاعتماد على شرائح هاتفية إلكترونية (خط دولي). رفح خرجت بالكامل عن الخدمة، وما يعيق تحركنا هو أن عملية النزوح قد تهدد ذوينا بالوفاة. وكان قد توفيّ اثنان من أقاربي المسنين نتيجة النزوح، ولا أريد خسارة والديّ وهما من أصحاب الأمراض المزمنة".

بعض من الدمار في رفح (جهاد الأطرشي/ الأناضول)
بعض من الدمار في رفح (جهاد الأطرشي/ الأناضول)

محمد الشاعر، وهو يعمل ضمن طواقم الدفاع المدني الموجودين في المنطقة، يؤكد على إبقاء عدد من الطواقم بهدف تقييم الوضع العام في مدينة رفح بعد خروج جميع المستشفيات والمراكز الصحية عن الخدمة بالكامل. عدد من الغزيين بقوا في منازلهم وخصوصاً في المناطق الغربية، لكنه يؤكد أن محافظة رفح دمر أكثر من نصفها بأقل من شهر.

يضيف الشاعر أنه يملك منزلاً في الحي السويدي، جنوب غربي مدينة رفح، وقد دمر الاحتلال هذه المنطقة التي كانت تعتبر القرية المنسية في المحافظة، وكانت تشهد تهميشاً كبيراً في الخدمات الإسرائيلية وغيرها، وسكانها من الفقراء، ويعتمد البعض منهم على عملهم في الصيد، وكانت من القرى التي تشهد تآكلاً في طبقاتها نتيجة تمدد مياه البحر على حدودها.

ويقول الشاعر لـ"العربي الجديد": "دمر الاحتلال الحي السويدي بالكامل، وفيه منزلي والكثير من الذكريات على الرغم من أن حياتنا فيه كانت صعبة لناحية الخدمات، ودمر نصف البنية التحتية الرئيسية في محافظة رفح والبنية الحضرية والمواقع الأثرية، مثل تل زعرب وعدد من المدارس الشرقية وذلك خلال شهر واحد. ولم يعد بالإمكان ربط أطراف المدينة بالقرى والمخيم بعد تدمير الشوارع الرئيسية فيها".

يضيف الشاعر: "استخدم الاحتلال الإسرائيلي سياسة فصل المدينة عن الطرقات المؤدية إلى المناطق الغربية والشرقية والطرقات المؤدية إلى مدينة خانيونس، شمال مدينة رفح، والطرقات المؤدية إلى معبر رفح البري. بذلك، يكون قد فصل أهم مراكز محافظة رفح بعضها عن بعض، وألحق دماراً في البنى التحتية. كما دمر أهم الطرقات في مدينة رفح، وأتوقع أن تزيد نسبة الدمار بسبب عدم استطاعة طواقم الدفاع المدني الوصول إلى بعض المناطق الشرقية التي أحرق فيها عدداً كبيراً من المنازل كما رصدنا في أول أسبوعين من العملية العسكرية".

وزاد حزن الغزيين على التدمير الحاصل في محافظة رفح بالكامل بعدما نشر الاحتلال الإسرائيلي صوراً يظهر فيها تجريف معبر رفح البري، وهو ما يذكرهم بتدمير مطار غزة الدولي في ديسمبر/ كانون الأول عام 2001 عندما كان يسمى المطار الحلم للفلسطينيين في ظل أنه أهم مقوم من مقومات الدولة الفلسطينية، التي كانت ضمن مشروع الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات.

يعتبر المهندس المعماري محمد أبو طه، وهو من سكان مدينة رفح، أن تدمير الاحتلال مدينة رفح ومعبر رفح البري يهدف إلى تدمير البنية الاجتماعية والاقتصادية لقطاع غزة، ومن أجل تدمير مستقبل الغزيين في السفر وحرية الانتقال إلى مصر والعالم الخارجي، بعدما دمر الطرقات الرئيسية ومحور فيلادلفيا بالكامل، وسط تجاهل دولي لإيقاف العدوان وخصوصاً على مدينة رفح.

تدمير الاحتلال مقومات المدينة، بحسب المكتب الإعلامي الحكومي في غزة، جاء بالاعتماد على مؤشر دمار البنية الحضرية والتحتية، وقد دمر الاحتلال المباني الاقتصادية والحكومية والأهلية وسبل العيش والإنتاج الزراعي والعمالة اليومية وإمكانية الوصول إلى الأعمال وتوفير الخدمات الحكومية وشبكات الطرقات والاتصالات والمياه والكهرباء والإنترنت، كما دمر الخدمات الأساسية، كالصحة والتعليم والرعاية الاجتماعية والتواصل المجتمعي. وهناك مؤشر ضعيف إلى الصمود في ظل مخلفات الاحتلال وقدرته على التدخل والتوغل السريع في المدينة وتدمير معبر رفح الذي كان مصدراً اجتماعياً وسياسياً واقتصادياً مهماً جداً للغزيين، بحسب أبو طه.

يضيف في حديثه لـ"العربي الجديد": "منذ الانتفاضة الثانية عام 2000، ينظر الاحتلال الإسرائيلي إلى رفح على أنها مدينة يجب أن يبقيها مدمرة بلا مقومات دولة لناحية إنشاء مزارع ومناطق تجارية أو مطار ومعبر. وفي الوقت الحالي، فإن العودة إلى مدينة رفح بعد الحرب قد تكون كالعودة إلى مدينة أشباح متهالكة من دون معبر ومن دون طعام وشراب". يضيف: "على مدار عشر سنوات، عملت في تخطيط وإنشاء مشاريع إصلاح البنى التحتية للمياه والمرافق العامة والخطوط التي تسهل التنقل على المواطنين برفقة عدد من المؤسسات الدولية والأهلية في مدينة رفح. وكان الاحتلال الإسرائيلي يقيد إدخال معدات ولوازم لها حتى لا تتطور هذه المدينة وتتحول إلى منطقة اجتماعية مهمة".

المساهمون