يُعاني الكثير من السوريّين من جراء الحرّ الشديد في ظل تسجيل الحرارة درجات أعلى من معدلاتها المعهودة، بالتوازي مع انقطاع التيار الكهربائي ونقص المياه. ويعجز الأهالي عن الخروج إلى المتنزهات أو المسابح أو حتى مناطق الاصطياف بسبب الوضع الاقتصادي الصعب.
وينتظر أبو يمان توفيق (41 عاماً)، وهو موظف في إحدى الدوائر الرسمية في دمشق، والمقيم في منطقة جرمانا شرقي العاصمة السورية، بفارغ الصبر حلول الساعة الثانية بعد منتصف الليل، حتى يتمكن من تشغيل المروحة الكهربائية عله يستطيع النوم. ويقول لـ "العربي الجديد": "لا أتمكن من النوم منذ أكثر من شهر بسبب درجات الحرارة المرتفعة وانقطاع التيار الكهربائي. فلا يسعني إلا انتظار الكهرباء علني أنام ولو لمدة أربع ساعات فقط".
ويوضح أن "التيار الكهربائي يتوفر من الساعة الثانية بعد منتصف الليل وحتى السادسة صباحاً حتى يتمكن الأهالي من ملء خزاناتهم بالمياه. كما يتوفر التيار الكهربائي لنحو ساعة ونصف الساعة من بعد الظهر، وساعة ونصف الساعة مساء، تتخللها العديد من الانقطاعات. وغالباً ما يكون التيار الكهربائي ضعيفاً، ويجب أن يبقى فرد من أفراد العائلة مستيقظاً ليضمن ملء خزان المياه، وخصوصاً أن الشبكة تتعرض لضغط كبير من جراء تشغيل الجميع لمضخات المياه".
ويشير إلى أن "غالبية السوريين محرومون من التنفس. ويعجز الناس عن الخروج إلى المتنزهات أو حتى الحلم برؤية البحر في أيام الحرّ بسبب تدهور الوضع الاقتصادي. حتّى الذهاب إلى الغوطة الشرقية التي طالما كانت متنفساً بالنسبة لأهالي دمشق، أصبح مكلفاً. وما زال الدخول إلى بعض المناطق ممنوعاً في ظل انتشار الحواجز الأمنية".
من جهتها، تجلس أم علاء، المقيمة في إحدى ضواحي دمشق، إلى جانب ابنها الذي لم يكمل عامه السادس بعد، وتحرك بيدها مروحة يدوية مصنوعة من القماش يميناً ويساراً، علّه يستطيع النوم. وتقول لـ "العربي الجديد": "بالكاد توجد نافذة في منازل الفقراء في دمشق. كما أن تلاصق المباني وضيق الشوارع يمنعان دخول الهواء".
تضيف أم علاء أن انقطاع التيار الكهربائي لم يحرمنا النوم فقط، بل عكر كل تفاصيل الحياة اليومية. لا ثلاجة تعمل لحفظ الطعام ولا إضاءة والمياه غير كافية. في النهاية، تأتينا فواتير كهرباء باهظة ويا ليتها موجودة أصلاً". أما أبو ثائر حسن (46 عاماً)، وهو عامل مياوم يقيم في إحدى العشوائيات جنوب دمشق، فيقول إنه ما إن تغيب الشمس وينقطع التيار الكهربائي، حتى يرش المياه أمام منزله، ويضع كرسيه، وسرعان ما يشاركه الجلسة عدد من جيرانه. يضيف: "يبقى الشارع أقل ضغطاً من البيت. أشعر أنني أختنق بمجرد انقطاع الكهرباء".
ويوضح أنه بمجرد أن يأتي التيار الكهربائي بعد منتصف الليل، يخلد إلى النوم بعد تشغيل المروحة. وعندما تتوقف نتيجة انقطاع الكهرباء، "أشعر أنني أختنق فأسكب المياه فوق رأسي وجسدي، وأبلل قطعة قماش بالمياه وأضعها فوق رأسي. هذا الأمر غالباً ما يتكرر أكثر من مرة في الليل، إلى أن يطلع الصباح علي وأتوجه إلى عملي، لتتكرر المعاناة، وخصوصاً أن عملي يتطلب أن أجلس تحت أشعة الشمس".
وكان رئيس الوزراء حسين عرنوس قد أعلن في وقت سابق أن سبب انقطاع الكهرباء هو إعادة تشغيل عشرات المعامل والمصانع، وبالتالي تحويل الكهرباء لها على حساب المناطق السكنية. ويسأل: "هل نوقف دورة الإنتاج على حساب إيصال الكهرباء للمواطنين؟". ويشير إلى "وجود مولدات تنتج خمسة آلاف ميغاواط، لكن نتمكن من تشغيل 2300 فقط. أما الكمية المتبقية فتحتاج إلى غاز ومحروقات، إلا أن الاحتلال الأميركي يضع يده عليها"، في إشارة إلى آبار النفط في منطقة شمال شرق سورية. يضيف أن "الكهرباء كانت سابقاً محصورة في مناطق معينة. لكن اتساع رقعة المناطق التي عادت إلى سيطرة الدولة شكل ضغطاً إضافياً على الشبكة والمحطات الكهربائية الصالحة للعمل".