"غير كافية لكنّها ضرورية" بهذه العبارة يصف اللاجئ السوري ضياء الدين محمود، الذي يقيم في ولاية مرسين التركية، دورات التأهيل والتدريب التي تنظمها السلطات أو المنظمات الدولية، والتي تهدف إلى زيادة القدرات المعرفية للمتدربين حتى في مجالات غير ضرورية أحياناً مثل صناعة القهوة. ويقول لـ"العربي الجديد": "الدورات التي تنظمها المنظمات المانحة مهمة جداً للسوريين الذين يقوي حضورهم هذه الدورات أيضاً لغتهم التركية، وأحياناً الإنكليزية، علماً أن الأموال التي تحصل المنظمات المانحة عليها باسم السوريين تنفق في حال حضروا أو لم يحضروا، وقد يستفيد منها غير السوريين في حال الغياب".
يضيف ضياء الدين الذي انقطع عن الدراسة بسبب الظروف المالية، ثم خضع لدورات تأهيل عدة: "الشكاوى غير مجدية، ومن اتخذ قرار البقاء في تركيا يجب أن يتقن اللغة أولاً، ويندمج في المجتمع بأي شكل. وقد تمهد الدورات لدخول السوريين قطاعات عمل، في حين تبقى الكفاءة المعيار الرئيسي للنجاح للاستمرار فيه، وإثبات الذات في ممارسته. وجمعية اللاجئين في تركيا تنظم منذ أعوام دورات لتعزيز الحياة العملية للاجئين السوريين الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و40 سنة، وأيضاً لتطوير الكفاءات وإعداد السير الذاتية، وإتقان تقنيات المقابلات. كما نفذت دورات مهنية في قطاعات إنتاجية مطلوبة في سوق العمل التركية، وبعضها لم تتوقف خلال جائحة كورونا، وبينها تلك لمشروع ايمبارك".
ووصلت مجالات التدريب إلى "صانع القهوة" من خلال دورة نظمها برنامج التمكين الاجتماعي والاقتصادي والاستدامة، بالتعاون مع شركة "باريستا"، وبرنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة، بهدف تزويد المشاركين بمهارات تسمح بحصولهم على وظائف، وتعزيز الاكتفاء الذاتي في العمل، من خلال العثور على وظيفة تستند إلى المعرفة المكتسبة. وشملت الدورة شهراً واحداً للتدريب النظري والعملي، و3 أشهر للتدريب على المهارات التطبيقية.
منافع للاندماج
وتعتبر الباحثة التركية في جامعة محمد الفاتح بإسطنبول، عائشة نور، في حديثها لـ"العربي الجديد" أنّ "هذه الدورات تشكل خطوات مهمة على طريق الاندماج، وتأمين وظائف لأشخاص عاطلين عن العمل، علماً أن لغة التدريب هي التركية، حتى في دورات الاندماج التي تنفذها البلديات، ما يعني أنه لا بدّ من إجادتها، علماً أنها كانت باللغة العربية أو بوجود مترجم قبل خمسة أعوام، وهي محصورة اليوم بالأشخاص الذين لا يملكون عملاً".
تضيف: "اندماج السوريين عبر إجادة اللغة ومعرفة العادات التركية وطبيعة العمل يزيد قبول المجتمع لهم، ويجعلهم موضع تقدير، ويعزز شعور المجتمع التركي بالحاجة إليهم. وكما يتذمر بعض الأتراك من اللاجئين، يظهرون التقدير الكبير لأسماء مثل الشاب فاتح شما الذي يعمل في قطاع الإعلان وصناعة الآلات، بعد حصوله على براءات اختراع زادت صادرات الآلات التركية، وأيضاً المخترع عدنان وحود الذي ساهم في إنشاء أكبر معامل لآلات النسيج في تركيا، واعتبر شريكاً حقيقياً في النهضة الصناعية بتركيا، إضافة إلى أسماء أخرى كثيرة في قطاع التعليم والتفوق أو الرياضة".
وتشير عائشة إلى أن "سوق العمل في تركيا كبيرة ومزدحمة، ويحتاج دخولها إلى كفاءة وتصميم وتميّز، وإلا سيبقى اللاجئ يعمل ضمن ورشات صغيرة أو في جني المحاصيل الزراعية، بأجر وأفق محدودين، بينما يمكن أن يفتح تطوير المهارات في قطاعات حديثة معلوماتية وصناعية، أو حتى خدماتية، الباب أمام تحسين اللاجئ السوري دخله، ويضعه على سكة منح الجنسية، من خلال الحصول على إذن العمل، والترشح لمراحل نيل الجنسية التركية".
بعض الشكوك
في المقابل، يقلل العامل في منظمة "أوسوم" العالمية بتركيا، محمد الحسين، من دور وأهمية دورات التأهيل، معتبراً أن "دورها انحسر بعد تراجع التمويل واتجاه معظم المنظمات الدولية الكبيرة إلى بلدان ومناطق أخرى خاصة أوكرانيا".
ويقول الحسين الذي يسكن في غازي عنتاب لـ"العربي الجديد"، إن "فترات دورات التأهيل التي تقام للاجئين، قصيرة، ولا تسمح بإتقان المتدربين المهن. وعلى سبيل المثال تنفذ مؤسسة أورانج دورات عن بعد لفترة يومين أو أربعة أيام، ما يطرح السؤال حول قيمة المهارات التي يستفيد منها المتدربون خلال هذه المدة".
ويعزو البعض الإقبال على هذه الدورات إلى سببين، أولهما للإفادة من التزام بعض المنظمات بتأمين فرص عمل لنسبة قليلة من المتدربين، والثاني نظرة اللاجئ إلى الدورات باعتبارها وسيلة لكسب معرفة حتى لو كانت محدودة.
ويرى الحسين أنّ "أكثر الدورات فائدة هي تلك المتخصصة في مجالات مطلوبة بسوق العمل، أو التي تنمي مهارات المتدرب عموماً". ويشير إلى أن دورات تعلم اللغات مثل الإنكليزية تسمح باكتساب المتدربين لغة عالمية، وتمنحهم أجوراً تكفيهم للتنقل والطعام.
ولا يكاد يمر شهر بتركيا من دون إعلان منظمة محلية أو دولية عن تنظيم دورة تأهيل مجانية لتطوير المهارات الذاتية للسوريين، أو تجهيزهم في قطاعات إنتاجية وخدماتية يتطلبها سوق العمل التركي، مع ملاحظة التركيز على فئة الشباب، وتنويع المواضيع التي تتعلق بتنمية المواهب، وهو النهج المعتمد في مشروع "إيميجة" للتدريب والتطوير المهني.
وتقول مستشارة المشاريع في "إيميجة" رابعة بيري، لـ"العربي الجديد" إنّ "المنظمات الدولية المانحة عززت توجهها أخيراً نحو إيجاد فرص عمل لحملة "الكميلك" بعدما ركزت خلال السنوات الماضية على التدريب والتأهيل لخلق صيغ تفاهم وطرق اندماج تعتبر بديهية بعد وجودهم أكثر من 10 سنوات في البلاد، وتعكس أهمية التشابك وتبادل المصالح بين اللاجئ والبلد المضيف".
وتلفت بيري إلى أنّ نهج مشروع "ايميجة" الجديد، هو التوجه العكسي لتنمية مواهب الشباب، يعني أنّ الشاب المتدرب يقترح بنفسه عنوان برنامج التدريب، أو يحدد المشاكل التي تواجهه في المجتمع التركي المضيف والشركات التي تضم كفاءات وثقافات مختلفة، ما يمهد لتدريبه وفق هذا النهج الذي قد يحقق نجاحاً أكبر من العناوين الثابتة، أو البرامج العامة التي لا يمكن أن تكسب المتدربين مهارات، وتوفر لهم تأهيلاً كافياً خلال فترة وجيزة.
القطبة المخفية
وتبقى القطبة المخفية في رأي كثيرين، بالمنظمات المانحة نفسها التي يتهمها بعض السوريين بـ "شل التمثيل والعمل داخلها، والسعي إلى إيجاد تمويل دائم أكثر من الاهتمام بتأهيل المتدربين، وإيجاد فرص عمل لهم".
ويقول استشاري التدريب والمدرب الدولي المعتمد، عبد الناصر الجاسم، إن "المشاريع التي تديرها منظمات تركية أو دولية، أو تحصل عبر تعاون مشترك تكون لمساعدة رجال الأعمال والمتدربين في آن واحد. والدعم والتدريب يركزان على بناء قدرات مجتمعية لتحسين التواصل مع المجتمع المضيف، وتبادل التأثير بين اللاجئ وبلده الجديد".
ويشير الجاسم في حديثه لـ"العربي الجديد" إلى أن "التأهيل المرافق لاتساع رقعة الحروب وزيادة المهجرين واللاجئين، بات عملاً يرتبط بأصول وأسس وقواعد. كما تلعب المنظمات المحلية والجمعيات دور الوسيط لتنفيذ هذه الاستثمارات، وغالباً ما تشمل جبهات عملها بناء القدرات والمهارات الناعمة والمجتمعية بشعار التمكين والاندماج الاقتصادي والاجتماعي والنفسي. ومن خلال تقاطع احتياجات الجمهور المستهدف مع خطط وبرامج هذه المنظمات التي تحقق منافع مشتركة لكلّ الأطراف ذات الصلة".
وعن آلية تنظيم الدورات وعناوينها والمستهدفين فيها، يشير الجاسم إلى أنّ المنظمات المحلية تقترح عادة مشاريع مدروسة ومقنعة للمانحين، وتقدمها على شكل مناقصات تظهر جدواها الفنية والمالية. وأثناء تنفيذ هذه المشاريع، والتغطية الإعلامية لإنجازاتها يجري التركيز على الآثار الإيجابية المنشودة من هذه الأنشطة، في حين تغيب الأرقام الكبيرة المستثمرة.