"ديلفري واتساب" في مخيم شاتيلا للاجئين الفلسطينيين في لبنان

12 ديسمبر 2020
يعمل في توصيل الطلبات إلى الزبائن (العربي الجديد)
+ الخط -

لم يكن علي محمود يوسف، وهو فلسطيني من مدينة حيفا (ثالث أكبر مدينة في فلسطين)، والذي يقيم في مخيم شاتيلا للاجئين الفلسطينيين (جنوب بيروت)، يتوقّع أن يترك عمله في الشركة التي عمل فيها مدة سبعة عشر عاماً. لكن بعدما خسر عمله، كان لا بد له من البحث عن عمل آخر ليعتاش منه وعائلته. يقول: "تعلّمت تلحيم الأنابيب في مركز سبلين للتدريب (التابع لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين - أونروا). بعدها، عملت في شركة مدة سبعة عشر عاماً. بدأت العمل براتب 400 ألف ليرة لبنانية (نحو 263 دولاراً بحسب سعر الصرف الرسمي غير المعمول به)، ووصل راتبي إلى 900 دولار أميركي قبل أن أترك العمل".
يتابع يوسف أنه اضطر إلى ترك العمل بسبب الأزمة الاقتصادية التي أثرت على الشركة بشكل كبير. "كنا 45 موظفاً ثم تقلّص عددنا إلى أربعة موظفين، وصرنا لا نتقاضى رواتبنا. ولأنه لدي عائلة، لم أتمكن من الاستمرار والانتظار، وكان عليّ أن أبحث عن بديل. فخطرت في بالي فكرة ديلفري واتساب، وخصوصاً أن عدداً من أصدقائي بدأ العمل بها في منطقة وادي الزينة في إقليم الخروب (قضاء الشوف). ويقدمون الخدمات إلى الناس من خلال واتساب ديليفري في مقابل الحصول على مبلغ معين من المال". يتابع: "استأجرت محلاً صغيراً في مخيم شاتيلا، ووضعت فيه زجاجات مياه وعصائر. وفي الوقت نفسه، أمنت دراجتين هوائيتين لتوصيل طلبات الناس، ووضعت إعلاناً عن عملي الجديد على مواقع التواصل الاجتماعي. مضى على عملي هذا مع أشقائي عام وسبعة أشهر، وصرنا نتواصل مع الناس من خلال واتساب".

لجوء واغتراب
التحديثات الحية

يقول يوسف: "في البداية، كنت أطلب ألف ليرة لبنانية (نحو 0.66 دولار بحسب سعر الصرف الرسمي)، في مقابل توصيل كل طلب. وبعد ارتفاع الأسعار، صرت أطلب ألفَي ليرة (نحو 1.3 دولار بحسب سعر الصرف الرسمي) داخل المخيم، وثلاثة آلاف ليرة (نحو دولارين) خارجه. بعدها، باتت لدي أربع دراجات هوائية. في أحد الأيام، وأثناء عمل شقيقي على الدراجة الهوائية خارج المخيم، أوقفته الشرطة وحجزت الدراجة. في إحدى المرات، شعرت بأن عملي تراجع بسبب خسارة هذه الدراجة بالإضافة إلى وجوب تصليح دراجتين لتتبقى لدي واحدة. ثم علمت بأن جمعية أحلام لاجئ تدعم المشاريع الصغيرة، فتقدمت بطلب إليها وحصلت على تمويل لمشروعي. قدموا لي دراجتين هوائيتين وبعض الأغراض التي أحتاجها للمحل بالإضافة إلى بدل للإيجار". 

محمود يوسف (العربي الجديد)

يضيف أن قيمة بدل إيجار المحل تبلغ 250 ألف ليرة (نحو 31 دولاراً بحسب سعر السوق). ويعمل في المشروع ستة أشخاص، ثلاثة في النهار وثلاثة في الليل. ويتقاضى العامل في النهار 150 ألف ليرة لبنانية (نحو 18 دولاراً بحسب سعر السوق) وأحياناً 200 ألف ليرة (نحو 25 دولاراً بحسب سعر السوق) إذ كان العمل جيداً. أما عمال الليل، فيتقاضون 75 ألف ليرة لبنانية (نحو 9 دولارات بحسب سعر صرف السوق). ويوضح أن العمل ليس جيداً دائماً بل هناك تفاوت. "في بعض الأحيان، نلبي 75 طلباً، وفي أيام أخرى 50 طلباً، بحسب احتياجات الناس"، لافتاً إلى أنهم يؤمنون الطلبات داخل المخيم وخارجه.

لجوء واغتراب
التحديثات الحية

ويلفت يوسف إلى أن الوضع الاقتصادي في المخيم يزداد سوءاً يوماً بعد يوم، "وبالكاد نستطيع تلبية احتياجات أولادنا من طعام وشراب، أي الأساسيات. لدي ثلاثة أولاد، وجميعهم يذهبون إلى المدارس، ما يتطلب تأمين بعض المصاريف الأساسية كبدل وسائل النقل على سبيل المثال. لكن اليوم، ونتيجة للتعليم أونلاين في ظل تفشي فيروس كورونا، وفرنا بدل النقل". يضيف: "نعيش كل يوم بيومه. بالطبع، لا نستطيع ادخار أي مبلغ لليوم الثاني، لأن أسعار السلع اليومية ارتفعت بشكل جنوني بعد ارتفاع سعر صرف الدولار، ونحن نتقاضى أجورنا بالعملة اللبنانية".
ويقول يوسف: "اخترت العمل في هذه المهنة وفي المخيم تحديداً، لأنني مللت تقديم طلبات عمل إلى الشركات بعدما تركت عملي في الشركة التي كنت أعمل فيها سابقاً. في كل مرة كنت أتقدم فيها بطلب عمل بعد معرفتي بشغور إحدى الوظائف، يوهمني أصحاب العمل بأنهم سيعاودون الاتصال بي من دون أن يتحقق الأمر. وبعد مرور وقت على تركي العمل، قررت الانطلاق في هذه الفكرة، وقد وجدت هذا العمل مناسباً". 
يضيف: "اليوم، أعمل وإخوتي ضمن هذا المشروع بالإضافة إلى شابين آخرين من المخيم. عملنا هذا يؤمن لنا الاكتفاء الذاتي ويقينا البطالة. صحيح أن الدخل ليس كبيراً، ولا يسد الكثير من الاحتياجات، إلا أنه لا يشعرنا بالعوز والحاجة إلى الآخرين".

المساهمون