رأس السنة الصينية... مخاوف انفجار عدوى كورونا مجدداً

12 فبراير 2021
هو عام الثور هذه المرة (شانغ وي/ Getty)
+ الخط -

 

اليوم تبدأ الصين احتفالات السنة القمرية الجديدة، وهي احتفالات شعبية عارمة ومنتظرة في العادة، لكنّ فعاليات عام 2020 تأثرت بشدة بوباء كورونا، فماذا عن العام الجاري وإصرار بكين على الترويج لانتصارها على كورونا؟

لم تعد الصين تثير قلق دول الغرب لناحية اعتبارها تحدياً سياسياً واقتصادياً فحسب، بل بات فيروس كورونا الجديد، بالترافق مع كثير من الشكّ في إعلان بكين عن "الانتصار" عليه، يمثل أحد التحديات الكبرى أيضاً. الاحتفال بالسنة الصينية الجديدة، اليوم الجمعة، يثير مخاوف من عودة انتشار الوباء بشكل غير مسبوق، خصوصاً لناحية عودة تقليد سفر عشرات الملايين للاحتفال الذي كان محدوداً العام الماضي بسبب الوباء. ومنذ نهاية 2020، تجوب صور الصينيين يحتفلون في الملاهي والمطاعم العالم الذي يعيش إجراءات مشددة في الدول القريبة والبعيدة، فيما الجائحة تنتشر، فارضة الإغلاق والتباعد الجسدي، اللذين أرهقا بعض مجتمعات أوروبا المتقدمة.

خلال الاحتفال بالسنة الصينية الجديدة، أو "عيد الربيع" (عام الثور) اليوم بالذات، يُتوقع انتقال أكثر من 150 مليوناً من المسافرين بين مختلف مناطق البلاد، مع تزايد المخاوف من أن يؤدي ذلك إلى اتساع انتشار العدوى. وعلى الرغم من إعلان الحزب الشيوعي الحاكم أنّ البلاد انتصرت على الوباء، فإنّ السلطات حثت المواطنين بمناسبة العيد القمري على الاحتفال في أماكنهم، وبذلك توقعت وزارة النقل الصينية انخفاضاً ملحوظاً بنسبة 40 في المائة في حركة المرور في هذه العطلة بسبب التدابير الصارمة المستمرة في كثير من الأماكن. وتتبنى سلطات النقل في الصين تدابير احترازية مشددة ضد الفيروس، من بينها منع الحمولة الزائدة في القطارات، وضمان التباعد الجسدي بين الركاب.

منذ انتشار الوباء، وُضع إقليم هوبي لأشهر تحت إجراءات صارمة، شملت العزل التام وتدخل قوات الأمن بشكل حازم لفرض عزلة على من ثارت شبهات حمله للفيروس، كما كانت تُظهر مقاطع الفيديو على مواقع التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام، بحجة وقف انتشار الفيروس الذي كان في الواقع يتسلل إلى بقية العالم. وفي بداية 2020، انتشرت حالة ذعر رافقتها سلسلة طويلة من الأخبار الزائفة والمضللة، والتي ساهمت فيها ماكينة الحزب الحاكم في بكين، ما جعل الخبراء وبعض السياسيين يوجهون سهام انتقادهم إلى حكومة بلد المنشأ ومنظمة الصحة العالمية في تأخرهما عن الإعلان عن خطورة ما سيتحول سريعاً إلى وباء عالمي، بكل آثاره الاجتماعية والنفسية والاقتصادية والصحية والسياسية، مع طول فترة الإغلاق وفشل أنظمة صحية متقدمة في دول الشمال؛ أوروبا وأميركا الشمالية، على وجه التحديد، في مواجهة الجائحة في الموجة الأولى. ولعلّ المثل الإيطالي كان الأكثر صخباً، ثم تلاه الإسباني، قبل أن تعمّ الحالة في القارتين، ودول أخرى في الجنوب الأفقر.

مبكراً، أعلنت السلطات الصينية، من خلال وسائل إعلام تخضع لرقابة وسيطرة الحزب الشيوعي الحاكم، أنّها حاصرت الوباء ومنعته من الخروج عن السيطرة خارج هوبي إلى مئات ملايين سكان المناطق الأخرى. منظمة الصحة العالمية، وافقت في وقت مبكر من ربيع العام الماضي سلطات بكين على أنّها حاصرت الوباء داخل أراضيها، وهو ما أثار موجة عدم وضوح، ودفع الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب، إلى إلقاء اتهامات عدة على المنظمة الدولية، واعتبارها "متواطئة" مع الصين. من بين الإجراءات التي فرضتها بكين لمحاصرة الوباء كان إلغاء الانتقال التقليدي لعشرات الملايين من الناس بين مختلف مناطق البلاد للاحتفال مع الأهل والأصدقاء بعيد رأس السنة القمرية.

في أواسط مارس/ آذار 2020، فيما كانت أوروبا تهرع نحو إجراءات أثارها رعب مشاهد الشمال الإيطالي، في الأيام الأولى لانتشار الوباء، وسقوط الآلاف ضحايا له، كانت بكين تعلن أنّها لم تسجل إصابات محلية جديدة. منظمة الصحة العالمية، وسط تلك الأجواء، كانت ترحب بالإجراءات الصينية وحالة التضامن التي أظهرها الشعب الصيني في مواجهة الجائحة. لكن، على الرغم من ذلك، كانت الأخبار والتقارير الأخرى تثير شكوكاً حول ما تعلنه بكين عن أعداد الوفيات والإصابات، وكلّ ما يتعلق بانتشار كورونا، مع تصدّر إيطاليا الوفيات والمصابين في ذلك الشهر، بتجاوزها أعداد إصابات الصين المعلنة واقتراب نظامها الصحي من الفشل. قبل ذلك، وفي نهاية فبراير/ شباط 2020 كان وفد منظمة الصحة العالمية في بكين لتدارس إجراءات بكين في وقف انتشار الوباء، وانتهى تقريره الأولي إلى أنّ الإصابة الأولى جرى تسجيلها في 30 ديمسبر/ كانون الأول 2019، وأنّ مصدرها "من غير تأكيد، هو سوق في ووهان مخصص للحوم حيوانات مختلفة". وأبلغت بكين منظمة الصحة العالمية بإصابة الفيروس الأولى في الثالث من يناير/ كانون الثاني 2020.

رأس السنة الصينية- Getty

قبل عام من الآن، وبمناسبة السنة الصينية الجديدة، كانت السلطات الصينية تسارع إلى إجراءات حجر وعزل صارمة، إذ أوقفت المواصلات، باعتبار ووهان عقدة رئيسية في حركة الصينيين إلى مختلف مناطقها، ما تسبب في تعطل كامل للسير ومنع الخروج والدخول من ووهان وإليها. ودفعت السلطات على الفور بنحو 9 آلاف خبير أوبئة وفيروسات إلى ضرورة تتبع سلسلة العدوى ومسالكها، وجهزت نحو 40 ألف موظف صحة من أنحاء البلاد لإرسالهم إلى ووهان تحديداً للتعامل مع أزمة الفيروس، وبالتالي ركزت سلطات الحزب الشيوعي الحاكم كلّ جهد الدولة والمجتمع باتجاه اعتبار مواجهة فيروس كورونا الجديد أولوية، ولإبداء جدية أنشأت الحكومة جهازاً مركزياً لمكافحة الوباء، تحت إشراف مباشر من رئيس الوزراء ونائبه في قلب ووهان.

اتخذت السلطات الصينية سياسة المراحل لمواجهة الفيروس. في أولى المراحل ركزت جهود مؤسسات الدولة على منع انتشار الفيروس خارج هوبي، واكتساب معرفة أفضل بالفيروس. في المرحلة الثانية تقليل عدد الإصابات الجديدة، من خلال فحص حرارة المسافرين، وحظر السفر في ووهان وأجزاء أخرى من الإقليم. في 23 يناير/ كانون الثاني 2020 قررت بكين تعليق جميع الأنشطة العامة، وأغلقت المدارس، وأوقفت السفر، ومددت الإجازة إلى الربيع. لم تتردد السلطات في تنظيم مجموعات متطوعة لمساعدة الناس المعزولين في بيوتهم، ونقلت آلاف الموظفين في قطاعات الدولة إلى قطاع الرعاية الصحية، وفتحت أبواب المستشفيات الاحتياطية في الوقت الذي كانت تصدر فيه أوامر صارمة لالتزام الناس بالعزل، وجرى نقل معظم الإصابات الحرجة إلى المستشفيات الجديدة، وطاول الحجر الصينيين والأجانب، بنقلهم إلى مراكز بحماية الشرطة والجيش مع متابعة دقيقة لتطورات مرضهم. وعلى الرغم من كلّ تلك الإجراءات لم تتأثر أسعار الأدوات الطبية، معقمات وكمامات، داخل البلد بينما كانت أجزاء من أوروبا تعاني عملياً من غياب تلك الأدوات لأسابيع طويلة.

رأس السنة الصينية- Getty

وعندما كانت دول العالم تحاول فهم مصدر الفيروس، الذي قيل إنّه من أحد أسواق ووهان، انشغلت الماكينة الإعلامية الصينية الرسمية، باللغتين الصينية والإنكليزية، بنظرية أنّ "الفيروس انتقل إلى الصين من أوروبا"، وهو ما نشطت في ترويجه الصحيفة الصينية "غلوبال تايمز" في بداية 2020. وتوالت نظريات تفسير ما يجري على أنّه مؤامرة "من الجيش الأميركي لتجريب سلاح بيولوجي" بعدما أطلق ترامب على كورونا اسم "الفيروس الصيني" منذ إبريل/ نيسان 2020، فيما كان الجهد الصيني الإعلامي يستخدم كلّ طاقته لنفي أن تكون أسواق الحيوانات الحية في ووهان مصدراً للفيروس، أو حتى تلك النظرية عن تسربه من أحد مختبرات الفيروسات في المدينة.

السلطات الصينية، وبقبضة أمنية مشددة، كانت قد باشرت، قبل أن يدرك العالم خطورة الفيروس، في عملية فحص وتتبع للفيروس في سوق ووهان (بين ديسمبر2019 ويناير2020)، بالطبع جرى إغلاق السوق، ولم تتوقف صحافة ووسائل إعلام الدولة الصينية عن لجم كلّ من يحاول تناول خطر الفيروس، الذي قيل في البداية إنّه "مجرد التهاب رئوي". ساهمت صحيفة "ساوث تشاينا مورنينغ بوست" في تقديم رواية أنّ "الحكومة كانت تعرف بانتشار العدوى مبكراً ولم تكن صريحة بشأن حجم انتشار الفيروس".

ومنذ العام الماضي، كانت الاتهامات الغربية للصين تركز على مسألة الانغلاق الرسمي الصيني على العالم الخارجي ومشاركته بحقائق ما يجري، خصوصاً مع انتشار هلع شهري مارس/ آذار وإبريل/ نيسان 2020 في دول أوروبا وأميركا. وأشار كثيرون مبكراً إلى أنّ الحزب الحاكم، مارس سياسة تكميم الأفواه وفرض قبضة حديدية لحصر الفيروس في نطاقه. وعزز موت واختفاء أثر أحد الصحافيين وطبيب صيني تلك النظرة الغربية.

رأس السنة الصينية- Getty

بالنسبة لبعض خبراء الشأن الصيني، مثل كاسبر ويشمان، الذي يرأس مركز أبحاث "ثينك تشاينا" بجامعة "كوبنهاغن" في الدنمارك، فإنّ عدم تسامح سلطات الحزب الشيوعي الصيني مع الانتقادات "خلق في الصين مجتمعاً معتاداً على الحملات الجماهيرية، بمراسيم حزبية ربّت الناس على أنّ التضحية بالنفس مهمة من أجل خدمة المصلحة العامة". وعلى الرغم من ذلك يعتقد ويشمان أنّ "الصينيين ليسوا كتلة موحدة ترضخ لما تريده الحكومة، لكنّ ذكريات الرعب الذي تسبب به فيروس سارس، عام 2002، ربما أثرت في طريقة تعامل الناس مع وباء كورونا في البلاد العام الماضي". ورأى ويشمان أنّ "استخدام السلطات الصينية التكنولوجيا لإجراء اختبارات للملايين، بشكل مبالغ فيه وبفرضه على الناس، كما فرض الحجر الصحي بالقوة، بعد اكتشاف الإصابة، بدا أنّه فعال لمحاصرة الوباء، فعلى العكس من الأنظمة الغربية التي تتطلب حجز وقت للفحص كانت السلطات الصينية تجري فحوصاً مجانية وموسعة، مع تحذير أنّ من يرفض الفحص سيدفع من جيبه لاحقاً، وبذلك جرى فحص الملايين".

حاولت بكين كما بات معروفاً استغلال انتشار الوباء في أوروبا ربيع العام الماضي لأجل تقديم صورة أفضل من خلال ما سمي "دبلوماسية المساعدات" التي كانت بكين بدأتها مع إيطاليا وامتدت إلى إسبانيا، ودول أخرى داخل وخارج أوروبا. وتلك الدبلوماسية زادت من النظرة المرتابة بأهداف الصين ومسؤوليتها عن تفشي الوباء. وعلى الرغم من أنّ الانتشار كان عالمياً في بداية ربيع 2020 فإنّ ذلك أيضاً جلب معه تصرفات عنصرية طاولت الصينيين والآسيويين في عدد من الدول الغربية. واستغل بعض السياسيين في واشنطن وأوروبا الخلافات مع بكين لشن حملات عليها.

وبعد أكثر من 13 شهراً على انتشار الفيروس، صرّح رئيس فريق منظمة الصحة العالمية الموفد للتحقيق في منشأ الوباء في الصين، بيتر بن إمبارك، قبل أيام، أنّ انتقال فيروس كورونا الجديد من حيوان إلى آخر ومنه إلى الإنسان هي "أكثر الفرضيات ترجيحاً". ولفت إلى أنّ الخفافيش ما زالت مصدراً محتملاً لفيروس كورونا، وأنّ انتقاله عبر الأغذية المجمّدة احتمال يتطلب مزيداً من البحث. وأوضح أنّ عمل الفريق كشف عن معلومات جديدة لكنّه لم يغيّر كثيراً التصورات القائمة بشأن الجائحة، مضيفاً أنّ العمل على تحديد منشأ الفيروس يشير إلى مخزون طبيعي في الخفافيش، لكن، من غير المرجّح أن يكون في ووهان.

المساهمون