تضجّ أسواق السويداء جنوبي سورية ريفاً ومدناً، بالزبائن من كل الأطياف والطبقات الاجتماعية، تحضيراً لليلة رأس السنة الميلادية، وهي الطقوس التي صبغت المحافظة منذ سنوات مضت، باعتبارها ليلة للفرح على الرغم من كل الظروف الأمنية والاقتصادية المتدهورة، ووسط زيادة حالات الفقر والعوز.
"العربي الجديد" رصد حركة الأسواق التي شهدت منذ أسبوع ازدحاماً أرجعه تجار سوق الحسبة في قلب مدينة السويداء بفعل الطقوس التي تسبق ليلة رأس السنة، غير أنّ المبيعات اقتصرت على الأعشاب، لوازم التبولة، والبندورة التي يتصاعد سعرها أضعافاً في هذه الأيام، وفق ما قال بائعون وتجار.
شفيق الشعراني، بائع بسطة، قال إنّ أهالي السويداء استغنوا هذه السنة مثلاً عن الكستناء غالية الثمن، وعوضوها بالبطاطس الحلوة، ولهذا كانت مبيعاته جيدة منها، فيما قال أحد تجار الدجاج في السوق نفسه إنه لاحظ خلال هذه الأيام الاكتفاء باقتناء قطع الدجاج وخاصة الجوانح، فالطلب عليها كبير، ولا يمكن تغطيته.
محاولة انتزاع الفرح
الناشط المدني حسام العفلق قال لـ"العربي الجديد" إنه حاول بمعية ناشطين بالشأن العام تأمين احتياجات مائة أسرة منكوبة، وأضافوا إلى السلة الغذائية لوازم من طقوس رأس السنة الميلادية كي لا يشعر الأطفال بأي نقص، مؤكداً أنّ الفقر والحاجة وصل إلى غالبية البيوت، ولولا المغتربين لحصلت في السويداء مجاعة حقيقية. ويشير في الوقت عينه إلى خروج غالبية الأسر إلى الأسواق كنوع من كسر الحصار النفسي، على أمل وصول الحوالات الخارجية التي بدأت تتقلص منذ أشهر.
طقوس اجتماعية
في العادة، كانت أسواق السويداء تعج هذه الأيام بالمفرقعات والألعاب النارية على اختلاف أنواعها على الرغم من تشدد عناصر التموين بملاحقة أصحاب البسطات والمحلات. إذ تتلون السماء بأنواع عديدة من المفرقعات غالية الثمن قبل عيد الميلاد، وتنتهي بعد ساعات من ليلة رأس السنة، لكنها بحسب الشاب عرفان الطويل تقلصت هذه السنة بشكل كبير لدرجة أنّ غالبية البيوت امتنعت عن شرائها، واكتفت بزينة بسيطة لـشجرة الميلاد.
وأضاف الشاب الذي يبيع المفرقعات؛ إنه يجلبها من لبنان عن طريق متخصصين بالتهريب، لكن غلاءها دفعه لشراء المفرقعات العادية الرخيصة.
وتبقى المعضلة الكبيرة الدخيلة على مجتمع المحافظة منذ عام 2013 هي استعمال السلاح المنتشر في غالبية البيوت، إذ تبدأ حفلة الرصاص الحي والقنابل الصوتية منذ الساعة الثانية عشرة ليل الأول من يناير/ كانون الثاني ولساعات الصباح، وهو طقس مستمر.
الناشط المدني منيف رشيد قال لـ "العربي الجديد" إنّ هذه الطقوس جاءت نتيجة الاختلاط في المجتمع المحلي، وما يعاصره المغتربون في أصقاع المعمورة، ونقلوا هذه الطقوس منذ القرن الماضي، وطورها الناس كنوع من الفرح والتفاؤل بعام جديد، يتخللها الطعام والشراب والغناء.
وأشار رشيد إلى العروض التي تقدمها المطاعم في العادة ليلة رأس السنة، إذ كانت غالبية المطاعم تحجز قبل أيام، لكن هذه السنة كانت الإعلانات لا تذكر نتيجة الوضع المادي والمعنوي للمواطنين، مشيراً إلى مسألة تأمين التدفئة الأهم في الوقت الحالي من أي طقس آخر.
بابا نويل... الحاضر الغائب
قبل أعياد الميلاد بأسبوع؛ كانت الحارات والشوارع الرئيسية والساحات والمولات الكبرى تعج بشخوص بابا نويل وملحقاته الحديثة بأجراسهم وغنائهم كي يقنعوا الأهالي بشراء الألعاب لأطفالهم، وتسليمها ليلة رأس السنة.
رصد "العربي الجديد" تجمعات بابا نويل في هذه الأماكن دون أي ازدحام، وهو نتيجة طبيعية للوضع الاقتصادي، فيما عملت عدة جمعيات أهلية تساعد في الغالب الفقراء والأرامل واليتامى على تجاوز ظروف العوز بتوزيع الهدايا والطعام من خلال شخصية بابا نويل، كما فعلت "الإنسانية تجمعنا" طوال الأيام القليلة الماضية، وقصدت ما يزيد عن 200 عائلة.
أحد الآباء رد على طفله عندما سأله عن هديته: "بابا نويل لن يأتي هذه السنة، لأن البلاد تعاني من أزمة بنزين".