على الرغم من أنّه نشاط واعد يمكن أن يفتح فرص عمل عدة، فإنّ رعي الإبل يشهد تراجعاً ملحوظاً منذ سنوات في تونس، إذ لا اهتمام باستغلال هذه الثروة الحيوانية بالشكل المناسب
يقضي الستيني صادق الربحي من محافظة القيروان، وسط تونس، يومه في الطبيعة، فيرعى ويحرس عشرات الإبل التي دأب على العناية بها منذ عقود. هذه المهنة تختفي شيئاً فشيئاً في البلاد، وباتت حكراً على الجنوب وجزء من الوسط، غالباً، فيما قليلون من يقبلون عليها كونها مهنة شاقة، يزيدها صعوبة عناء البحث عن مراع وغيره من المشاكل.
يؤكد الصادق لـ"العربي الجديد" أنّ تربية الإبل مهنة واعدة، لكنّها تتطلب كثيراً من الصبر، مؤكداً أنّه يمضي كامل يومه في الطبيعة بحثاً عن المرعى، فالإبل تحتاج إلى المرعى الجاف. يلفت إلى أنّ شغفه بهذه المهنة بدأ منذ سنوات عدة، وعلى الرغم من أنّه كان يرعى الأغنام، فقد قرر التفرغ لهذا النشاط، ومن رأسي إبل فقط كبر القطيع وأصبح بالعشرات. يقول إنّه يعرف احتياجات إبله، ويتابعها ويهتم بأدق تفاصيلها، فلكلّ واحد منها قصة وعادة، وهكذا يشرف عليها منذ ولادتها إلى أن يشتدّ عودها، فيبيع بعضها لتوفير احتياجاته. يضيف أنّ هناك من بينها من يفضل البقاء في المجموعة، وهناك من يروم العزلة حتى عندما يرعى يكون دائماً وحيداً، وبعيداً عن بقية القطيع. يشير في هذا الإطار إلى أحدها قائلاً: "هذا طباعه حادة وصعب، فهو سريع الغضب، ولذلك يكون التعامل معه دقيقاً"، ويتابع: "في البداية لم أكن أفهم الإبل والأصوات التي تطلقها، لكن بحكم الخبرة التي اكتسبتها بت أفهمها وأعرف احتياجاتها، فعلى مربي الإبل أن يتعامل معها بحذق، ويحذر غضبها". ويلفت إلى أنّ من زبائنه بعض الجزارين المتخصصين ببيع لحم الإبل.
يقدّر عدد رؤوس الإبل في تونس بنحو 80 ألفاً، فيما يبلغ عدد المربين نحو 1300. يوفر هذا القطاع نحو 4 آلاف طن من اللحوم سنوياً، فضلاً عن الألبان والجلود والوبر. لكن، على الرغم من هذه المميزات، فإنّ المعطيات تؤكّد أنّ عدد رؤوس الإبل تراجع كثيراً عمّا كان عليه سابقاً، بسبب صعوبات طبيعية واستثمارية، بالترافق مع غياب التشجيع الحكومي للرعاة.
يؤكد الخمسيني رشيد، بينما يقف في الجزارة يشتري لحم الإبل، إنّه يفضل تناوله لأنّه صحي، ويعتبره الأفضل في النكهة مقارنة ببقية اللحوم. يقول لـ"العربي الجديد" إنّه يطلب حصة من لحم الإبل مسبقاً من الجزار، ويترك لديه رقم هاتفه ليبلغه عندما يتوفر لديه. يأسف رشيد لعدم توفر لحم الإبل بكثرة، إذ عادة ما يكون تحت الطلب.
ويقول خبراء تغذية إنّ لحم الإبل يحتوي على نسبة قليلة من الدهون، ولذلك ينصح بتناوله أثناء الحمية للحصول على الوزن المثالي. ويرى هؤلاء أنّ تناوله يقلل من خطر الإصابة بالسرطان، نظراً لاحتوائه على نسبة كبيرة من الأحماض الدهنية غير المشبعة المفيدة ومضادات الأكسدة، كما يحدّ من الإصابة بأمراض القلب والأزمات القلبية.
وفي الإطار نفسه، يقول خبير التغذية والاختصاصي السابق في المعهد الوطني للتغذية الطاهر الغربي، لـ"العربي الجديد" إنّ تناول لحوم الإبل كان من ضمن العادات الغذائية للعائلات التونسية، لكنّ السنوات الأخيرة شهدت تراجعاً كبيراً في استهلاكها إلى أن أصحبت نادرة. يشير إلى أنّ هذه اللحوم كانت متوفرة في المدن الكبرى قبل أن تحصر الآن في بعض مدن الجنوب والوسط. يضيف أنّه على الرغم من الخصائص الغذائية والفوائد الصحية التي تميز لحوم الإبل عن غيرها، فإنّ استهلاكها ضعيف، مشيراً إلى أنّ ما يجعل هذه اللحوم مميزة هو أنّ الإبل تمشي كثيراً ولديها نشاط أكبر من الأبقار والأغنام، وبالتالي فإنّ نسبة الدهون فيها أقلّ مقارنة ببقية أصناف اللحوم الحمراء، مؤكداً أنّ هذه اللحوم طرية، كما أنّ مرعى الإبل مختلف عن بقية المواشي التي تضاف الأعلاف الصناعية لغذائها غالباً، أما الإبل فتعتمد المراعي الجافة الطبيعية، وهو ما يعطي نكهة مميزة للحومها، إلى جانب القيمة الغذائية العالية كونها تحتوي فيتامينات عدة من شأنها حماية الجسم وتعزيز المناعة.
ويلاحظ الغربي أنّ التخلي عن العادات الغذائية التقليدية والتوجه نحو المأكولات السريعة والجاهزة يضعف المناعة ويجعل الجسم عرضة لأمراض عدة، مؤكداً أنّ الإعلام يتحمل مسؤولية في التوعية بالعادات الغذائية السليمة والتعريف بفوائد لحوم الإبل، خصوصاً أنّها تمثل غذاء جيداً ودواء من أمراض، كما أنّ حليبها صحي وله فوائد عدة. يتابع أنّ اللحوم الحمراء تحتوي على البروتينات وهي ضرورية في تكوين الخلايا والعضلات، كما أنّ فيها فيتامينا، إلى جانب الأملاح المعدنية، وهي مهمة لنمو الأطفال كما للمراهقين وكبار السن.