لم تكن حادثة حرق مستوطنين ست سيارات في حديقة منزل فلسطيني في قرية جالود جنوب مدينة نابلس قبل أيام، بالتزامن مع تجريف أراضٍ لصالح توسيع بؤرة استيطانية لا تبعد عن القرية أكثر من كيلو متر واحد، إلا حلقة جديدة من حلقات استهداف ريف نابلس الجنوبي.
ونجت عائلات فلسطينية في جالود من الموت حرقاً فجر الإثنين الماضي، حين حاول مستوطنون إحراق منازلها عقب سلسلة اعتداءات للمستوطنين بعد عملية الخضيرة التي قتل فيها إسرائيليون، كما يؤكد مسؤول ملف الاستيطان في شمال الضفة الغربية غسان دغلس لـ "الغربي الجديد". ويشير إلى أن المستوطنين حين فشلوا في اقتحام المنازل في جالود عقب تصدي الأهالي لهم، أحرقوا أربع مركبات متوقفة في ساحات تلك المنازل، وخطوا شعارات عنصرية.
وفي ما يتعلق بإحراق السيارات، يقول رئيس المجلس القروي في جالود عبد الله حج محمد لـ "العربي الجديد"، إن معظم سكان تلك المستوطنات والبؤر من المتطرفين وجماعات "تدفيع الثمن" (حركة شبابية يمينية متطرفة متدينة) الذين يعتدون على المواطنين بشكل دائم. ولولا يقظة الأهالي لأحرقوهم وهم نيام، أسوة بما جرى مع عائلة دوابشة في قرية دوما جنوباً عام 2015.
ويقول رئيس مجلس قروي جالود لـ"العربي الجديد" إن "الاحتلال أقام عشر مستوطنات ومعسكرات للجيش، بينها أربع بؤر استيطانية يسكنها غلاة المستوطنين على أراضي القرية التي لا يزيد عدد سكانها عن ألف وثلاثمئة نسمة فقط".
وتبلغ مساحة القرية الكلية 20 ألف دونم، صادر الاحتلال أكثر من 85 في المائة منها على فترات متفاوتة. بالتالي، تعد من أكثر القرى المتضررة من الزحف الاستيطاني في الضفة الغربية تقريباً، على الرغم من أن أراضيها تتميز عن القرى والمناطق الأخرى بأنها مسجلة وموثقة بالسجلات (الطابو) أيام الحكمين العثماني والإنكليزي بأسماء أصحابها، الأمر الذي يدحض افتراءات الاحتلال بأنها من الأراضي العامة وملك للدولة.
ويقول حج محمد إن "التجريف على تلة مرتفعة إلى الشرق من مستوطنة شفوت راحيل، المقامة على أراضي القرية منذ أكثر من ثلاثين عاماً، يعد امتداداً لمستوطنة أحياه، الواقعة في الجهة الشمالية من القرية، ليطبق الاحتلال حصاره علينا من الاتجاهات كافة". كما ستربط المستوطنة بين جميع المستوطنات والبؤر والنقاط العسكرية المقامة على أراضي قرية جالود، لتشكل تجمعاً استيطانياً كبيراً في قلب الضفة الغربية، يمتد على مساحة تزيد على 16 ألف دونم من أراضي قرية جالود.
والتفت الاحتلال مبكراً للاستيطان في محافظة نابلس بعد احتلال الضفة عام 1967، واعتبر أن الاستيطان فيها يجب أن يشكل حزاماً استيطانياً حامياً لسيطرة الاحتلال على منطقة الأغوار، كما أن النشاط الاستيطاني والعمل على بناء المستوطنات في المحافظة كان في النصف الثاني من سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي. وعندما خفتت وتيرة بناء المستوطنات في بدايات تسعينيات القرن الماضي، توجه الاحتلال لإنشاء عدد كبير من البؤر الاستيطانية التي ضمنت له السيطرة على مزيد من الأرض.
وبعد اندلاع الانتفاضة الثانية نهاية عام 2000، وضعت حكومات الاحتلال المتعاقبة خططاً للسيطرة على قمم الجبال الممتدة من جنوب نابلس وصولاً إلى مشارف مدينة رام الله وسط الضفة الغربية المحتلة، من خلال تعزيز الوجود الاستيطاني عدداً ومساحة، نظراً للموقع الاستراتيجي المهم لتلك المنطقة، بهدف فصل شمال الضفة الغربية عن وسطها، وتحويلها إلى "كانتونات" منعزلة، في وقت ترتبط المستوطنات والبؤر الاستيطانية بشبكة من الطرقات على حساب الأراضي الزراعية الفلسطينية.
من جهته، يقول الناشط بشؤون الاستيطان بشار معمر إن هناك عشرين مستوطنة وثلاثين بؤرة استيطانية في محافظة نابلس، معظمها في الريف الجنوبي، تضم نحو أربعين ألف مستوطن، بدءاً من مستوطنة "براخا" المطلة على نابلس من جبله الجنوبي "جرزيم"، و"يتسهار" المقامة على أراضي حوارة وبورين ومادما وعصيرة القبلية، و"إيتمار" المقامة على أراضي عورتا وحوارة و"أودلا"، بالإضافة إلى "رحاليم" و"مجدوليم" و"شيفوت راحيل" المقامة على أراضي قبلان وقريوت وقصرة وجالود ومجدل بني فاضل وعقربا، وصولاً إلى المستوطنات عيليه وشيلو ومعاليه ليفونه في أقصى الجنوب.
ويوضح معمر أن استهداف جنوب نابلس له أسباب سياسية واقتصادية أيضاً؛ فالأراضي هنا غنية وخصبة ومتنوعة، تصلح للزراعة والرعي والبناء، وتعج بمئات المواقع التاريخية والأثرية والدينية، ما جعلها هدفاً للمتطرفين الذين يحاولون إيجاد موطئ قدم لهم يثبت أحقيتهم في هذه الأرض، لكن عبثاً".
وتشير التقديرات إلى وجود نحو 650 ألف مستوطن في مستوطنات الضفة الغربية، بما فيها القدس المحتلة، يتوزعون في 164 مستوطنة، و116 بؤرة استيطانية. ويقول دغلس لـ"العربي الجديد": "عام 2002، كانت نابلس جزءاً من خطة العزل الأحادية التي بدأت بتنفيذها حكومة الاحتلال لفصل المناطق الفلسطينية عن تلك المحتلة عام 1948، عبر محور آرئيل أو عابر السامرة، والذي يبدأ في موقعه بمحافظة نابلس من أراضي قرية زعترة ليمتد شرقاً لطريق الأغوار ليضم بذلك المستوطنات الواقعة جنوب وغرب نابلس ليفصلها عن منطقة الأغوار ووسط الضفة الغربية".
ويشير دغلس إلى أن "هجمات تدفيع الثمن خرجت من المستوطنات المقامة على أراضي جنوب نابلس، وكانت الأكثر دموية مجزرة دوابشة حين أحرق ثلاثة فلسطينيين وهم نيام، بالإضافة إلى توثيق آلاف الاعتداءات، ومنها إطلاق النار من مستوطنين تجاه المزارعين والشبان واستشهاد سبعة منذ عام 2016، وحرق المساجد والبيوت والأشجار، وتسميم آبار المياه وقتل المواشي وسرقتها". ويؤكد أن "الفلسطيني في جنوب نابلس يستمد قوته من صمود أبناء شعبه في سخنين والمثلث والنقب واللد وأم الفحم، لإيمانه المطلق بأن الفلسطينيين هم أصحاب الأرض الأصليون ولن يسمحوا للغزاة بأن يتمكنوا منها مهما بلغت قوتهم".