في خلال العدوان الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة، لجأت عائلات من شمالي القطاع إلى مدرسة ذكور الرمال الإعدادية "أ" و"ب" الواقعة في شارع الشفاء في حيّ النصر بمدينة غزة، باحثة عن الأمان بعدما دُمّرت منازلها أو أُلحقت أضرار بأخرى في خلال القصف الذي استهدف مناطق سكنها. وفي غرفة صف صغيرة ومرتّبة في الطبقة الثانية من المدرسة، وقفت فتاة مراهقة أمام السبورة كأنّها مدرّسة. هي كانت تنسخ دروسها على اللوح بالطباشير الملوّنة. يُذكر أنّه في تلك الغرفة، تقيم مؤقتاً أسرتها وقد هربت من القصف الإسرائيلي بعدما تضرّر منزلها عقب استهداف أرض ملاصقة له من قبل مقاتلات الاحتلال.
والفتاة تُدعى ريم تيسير التوم وتبلغ من العمر 17 عاماً، وهي تعيش في حيّ التوام الواقع إلى شمال غرب مدينة غزة، علماً أنّها في عامها الأخير من المرحلة الثانوية. تخبر ريم "العربي الجديد" أنّها كانت تتابع تعليمها في مدرسة فيصل بن فهد الثانوية في منطقة الصفطاوي المجاورة لمنطقتهم، وهي كانت تنوي البدء في المراجعة تحضيراً للثانوية العامة قبل العدوان الإسرائيلي. كذلك، هي تتابع دروساً خصوصية باللغة الإنكليزية مع زميليها. تضيف ريم "أنهيت المنهج كاملاً يوم الثلاثاء في الحادي عشر من مايو/ أيار الجاري، أيّ في اليوم الأول من العدوان الإسرائيلي. وكنت قد قرّرت التخطيط للمراجعة بعدها في خلال الشهر المتبقي قبل الاختبارات النهائية. لكنّنا اضطررنا إلى النزوح بسرعة عندما قُصفت المنطقة المجاورة في أوّل أيام عيد الفطر، أي في الثالث عشر من مايو، وتركنا كلّ متعلقاتنا". وتتابع "تركت كتبي والملخصات المهمة التي دوّنتها على مدى شهرَين، ولم أتمكّن حتى اللحظة من إحضارها".
وتشير ريم إلى أنّه "كان من المفترض أن نجتمع ونفرح بالعيد. لكنّ القصف استهدف في تلك الليلة، تحديداً عند الساعة 11 ونصف من قبل منتصف الليل، الأرض الواقعة بالقرب من منزلنا، ورحنا نسمع أصوات تحطّم، فيما الشظايا تتطاير صوب منزلنا. لم يكن والدي موجوداً لأنّه يعمل في طواقم الإسعاف في المستشفى الإندونيسي، وعندما اتصلنا به، طلب منّا إخلاء المنزل بسرعة للحفاظ على أرواحنا". وتكمل ريم "مشينا مسافة ثلاثة كيلومترات تقريباً حتى وصلنا إلى مفترق الأمن العام في شارع النصر، ثمّ أقلّتنا سيارة إلى المدرسة هنا. وقد علمنا في اليوم التالي أنّ منزلنا تضرّر كثيراً، حتى إنّ الأتربة غطت نصف المنزل". يُذكر أنّ 21 فرداً كانوا يعيشون في المنزل، إذ كانت شقيقة ريم قد لجأت إلى عائلتها مع أطفالها بعدما اضطرت إلى ترك منزلها بسبب القصف.
وبعد وصول ريم وعائلتها إلى تلك المدرسة التي أوتهم، بقيت مدة يومين من دون دراسة، فالأوضاع لم تكن تسمح بذلك. ثمّ طلبت من شقيقها التوأم محمد الاتصال بأحد أصدقائه الذي يسكن بالقرب من المدرسة فيستعير لها كتباً منه. وبالفعل حصلت على ثلاثة كتب، على أن تحصل على ثلاثة أخرى عند الانتهاء من مراجعة الكتب الأولى. وراحت في بعض الأوقات تراجع مع شقيقها بعض الدروس، لكنّ ذهنها كان مشتتاً بسبب الأصوات الناجمة عن القصف الإسرائيلي القريب من منطقة النصر، وسط مدينة غزة. كذلك كانت أصوات أطفال العائلات النازحة الأخرى تملأ المكان، وقد حاولت والدتها انتصار التوم الجلوس بالقرب من باب غرفة الصف في بعض الأحيان حتى لا يزعج أحد ابنتها.
بالنسبة إلى ريم، فإنّ "مراكز الإيواء في المدارس تختلف كلياً عن المنازل، فهي باردة في الليل وفي الصباح، ولا أجواء مناسبة للدرس فيها. لكنّني كلّما شعرت بشيء من الإحباط، أتذكّر أنّنا نعيش في غزة وأنّ الجميع يعاني مثلي. لكنّ معاناتي حالياً كبيرة، إذ تقترب اختبارات الثانوية العامة". وريم تصرّ على الاستمرار في الدراسة على الرغم من كل شيء، حتى تحصل على معدّل عالٍ يؤهلها للحصول على منحة لدراسة التمريض. يُذكر أنّ والدها موظف تابع للسلطة الفلسطينية ولا يتقاضى إلا نصف راتبه نتيجة القروض المصرفية، فيما شقيقتها أسمهان (20 عاماً) تدرس آداب اللغة العربية في جامعة الأزهر، لذا لا تريد ريم الضغط على والدها وتحميله أعباء مالية إضافية مع شقيقها محمد الذي ينوي دراسة الإعلام بعد الانتهاء من الثانوية العامة.
تجدر الإشارة إلى أنّ وجود ريم في تلك المدرسة شجّع فتيات كثيرات على الدراسة في غرف الصفوف التي تحوّلت إلى أماكن لإقامة العائلات النازحة. ولحسن الحظ، تمكّنت فتيات من المرحلتَين الإعدادية والثانوية من تشارك الكتب المدرسية، التي نجحت بعضهنّ في إحضارها معهنّ خلال هربهنّ من القصف.
ولا تخفي ريم أنّها واجهت وما زالت تواجه مع شقيقها ضغطاً نفسياً مثل باقي تلاميذ الثانوية العامة في قطاع غزة، إذ إنّهما راحا يتابعان الأخبار والمستجدات قبل الهدنة التي أُعلن عنها صباح 21 مايو. وهي شعرت بالقلق والخوف من فقدان صديقات لها أو معارف، إذ إنّ المدنيين كانوا يُستهدفون. تضيف "هو ليس فقط خوفاً من القصف الإسرائيلي علينا، إنّما التفكير في عائلتنا مخيف كذلك. فنحن 21 فرداً في المدرسة الآن، ووالدي يعمل سائق سيارة إسعاف في المستشفى الإندونيسي، ومنذ بداية العدوان لم نره إلا صباح يوم الهدنة فقط". وتشعر ريم أنّها "في حاجة مع شقيقي إلى جلسات علاج نفسي، حتى نكون مهيّئَين للعودة إلى الدراسة من جديد والاستعداد للاختبارات".