أعاد زلزال إقليم الحوز الذي حصد 3000 قتيل، وشرّد الآلاف في أقاليم وسط المغرب، إلى الواجهة مطالب رفع التهميش عن سكان المناطق الجبلية التي تمثل نسبة 25 في المائة من مجموع مساحة البلاد، وتضم أكثر من 7 ملايين نسمة، وتزخر بـ 70 في المائة من الموارد المائية وبـ 62 في المائة من غطاء الغابات، وفق بيانات المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي في المغرب.
وتشهد المناطق الجبلية تأخراً كبيراً في تحقيق التنمية البشرية، إذ تطاول الأمية نحو 47 في المائة من السكان مقارنة بـ 32 في المائة على المستوى الوطني، كما يقل دخل سكان المناطق الجبلية مرتين عن المتوسط الوطني، علماً أن المساهمة المباشرة للمناطق الجبلية في التنمية الاقتصادية للمغرب تظل محدودة جداً، ولا تتجاوز نسبة 5 في المائة من الناتج الداخلي، و10 في المائة من مجموع الاستهلاك الوطني.
يقول رئيس "الائتلاف المدني من أجل الجبل" غير الحكومي محمد الديش لـ"العربي الجديد": "الأوضاع التي تعيشها المناطق الجبلية نتيجة حتمية لخيارات سياسية لم تمنحها أي أولوية في ظل التركيز على المناطق الساحلية والمراكز الاقتصادية المهمة. وأبقى ذلك جزءاً كبيراً من مواطني المناطق الجبلية تعاني في نسيان وتهميش".
يتابع: "الدروس التي يمكن استخلاصها من كارثة الزلزال هي حتمية اهتمام المسؤولين وواضعي السياسات ومنفذيها بمعالجة النواقص، وتكريس الحكومة العدالة والمساواة في استثماراتها العامة ومشاريعها".
ويتحدث عن أنه "كان يمكن الإفادة من زلزال الحسيمة (شمال شرق) عام 2004 لاستباق الكوارث، والاستعداد لها عبر وضع تدابير احترازية بينها ربط كل المناطق المأهولة بالسكان بمسالك طرقات، وتوفير الخدمات الأساسية قرب كل التجمعات السكنية، أكانت في جبال أو واحات أو مناطق نائية، لكن ذلك لم يحصل".
ويرى أن زلزال الأطلس الكبير "يشكل فرصة لإعادة الاعتبار إلى المناطق الجبلية وسكانها، وإعادة النظر في السياسات العامة وأولويات الدولة في التنمية والإنفاق، وبرمجة المشاريع والإستراتيجيات. وما بعد الزلزال لا بدّ أن يكون مختلفاً عن السابق، ما يستدعي يقظة من المواطنين وإرادة سياسية لتدارك العجز وجبر الضرر عن هذه المناطق".
ويؤكد أن "المطلوب حالياً تأمين المتطلبات الأدنى للعيش الكريم ضمن فترة زمنية نتمنى ألا تكون بعيدة، أي سنة واحدة على الأقل تشهد إعادة إيواء جميع المنكوبين في ظروف أفضل مقارنة بما كانوا يعيشونه قبل الزلزال".
ويشدد الديش على ضرورة أن تحترم عملية إعادة الإعمار خصوصيات المناطق المنكوبة وثقافتها وتراثها المادي وغير المادي، وتستلهم ممارساتها الأصيلة بالاعتماد على المواد الأولية المحلية. كما يجب أن تحصل عملية إعادة الإعمار في مناطق آمنة وقابلة للبناء، وغير معرضة لمخاطر الفيضانات أو الانهيارات الصخرية أو حرائق الغابات، وتحصل وفق النمط الهندسي الموجود حالياً مع توفير شروط السلامة والوقاية من الزلازل".
ويعتبر أنه "يصعب تجميع السكان في أماكن واسعة وكبيرة، بل أماكن متوسطة المساحة مع الأخذ في الاعتبار العلاقات الاجتماعية والسلالات، وتلك الخاصة بالمصاهرة".
وينبه إلى ضرورة توفير كل الخدمات الأساسية في المناطق التي سيجري تشييدها، من طرقات ومستوصفات ومدارس، وكل الخدمات التي تضمن العيش الكريم للسكان.
والأسبوع الماضي، أعلنت الحكومة برنامجاً لإعادة بناء وتأهيل المناطق المتضررة من الزلزال، وحددت ميزانيته المالية بـ 120 مليار درهم (12 مليار دولار) على مدى 5 سنوات.
ويغطي البرنامج الأقاليم الستة الأكثر تأثراً بالزلزال، وهي مراكش والحوز وتارودانت وشيشاوة وأزيلال وورزازات، ويستهدف 4.2 ملايين شخص، ويشمل إعادة بناء وتأهيل البنى التحتية المتضررة، وخطة لتنمية كل أقاليم الأطلس الكبير.
وكان المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي في المغرب أوصى، في دراسة أجراها عام 2017 بعنوان "التنمية القروية: مجال المناطق الجبلية"، بوضع قانون إطار خاص بالمناطق الجبلية يضمن الاندماج بين السياسات العامة الوطنية وبرامج الجهات والجماعات الترابية، وتسريع ربط المناطق الجبلية بالمحاور الكبيرة للطرقات، وضمان صيانة شبكة الطرقات القائمة، وأيضاً رفع نسـبة ربـط المنازل بشبكة المـاء، ودعم السكان الأكثر هشاشة في الوصول إلى مياه الشرب، وربط أعمال التزويد بها بشبكات التطهير. كما دعا إلى تحسين الوصول إلى علاجات خاصة خلال فصل الشتاء.