لا تزال مشاعر الفرح والسعادة تتملك الفلسطينية رسمية شمالي، زوجة الأسير أحمد شمالي من غزة، بعدما رُزقت بأربعة توائم، حَملت بهم عن طريق "النُطف المُهربة"، من زوجها المُعتقل في سجون الاحتلال الإسرائيلي، منذ شهر أغسطس/آب، عام 2008.
ومَرّت زوجة الأسير الفلسطيني مُنذ اللحظة الأولى لحملها، في شهر أكتوبر/ تشرين الأول 2022 بعدة مراحل، لينتهي بها المطاف بإنجاب أطفالها الأربعة، ثلاثة منهم ذكور وهم عبد الرحيم، وركان، وريان، والرابعة أنثى واسمها نجاح.
وبإنجاب الأطفال الأربعة يرتفع عدد الأطفال الذين أُنجبوا عبر النُطف المهربة إلى 122 طفلاً، في عملية يُطلق الفلسطينيون عليها اسم "سفراء الحُرية"، ويتم عبرها تهريب النُطف بطرق مختلفة، وبمعايير مُحددة خارج أسوار السجن، لتبدأ رحلة طبية، تنتهي في الغالب بإنجاب الأطفال عن طريق الزراعة.
وتوضح شمالي (38 عاما)، وتسكُن في حي الشجاعية شرقي مدينة غزة، أن زوجها اعتُقِل في الثاني من شهر أغسطس/ آب 2008، وحُكم بالسجن 18 عامًا، تبقى منها نحو ثلاث سنوات، وكان في حينها أباً لطفلين، طفل في سن الثانية (17 عاماً حالياً)، وآخر عمره أربعة أشهر (15 عاماً حالياً).
وتلفت شمالي في حديث مع "العربي الجديد" إلى أن مُحاولات زراعة النُطف المهربة بدأت منذ عام 2018 حتى 2022، وقد فشلت العملية مرتين قبل نجاح المرة الثالثة في شهر أكتوبر/تشرين الأول الماضي، إذ حملت بأربعة أطفال، مع إبقاء الأجنة الأربعة لضمان الإنجاب في حال عدم نجاح العدد بالكامل.
وتبين أن مُعاناتها الشديدة بدأت منذ اللحظة الأولى للحمل، بسبب ثقل التوائم الأربعة، وعدم تمكنها من تقليص العدد في البداية نتيجة الثقل الكبير، حيث حذرها الأطباء من أن تقليص العدد قد يؤثر على باقي الأجنة، ما دفعها إلى تحمل الآلام، والمعاناة حتى موعد الولادة.
ويتم تهريب النُطف عادة، وفق معايير مُحددة ومشددة ومضبوطة، حتى يتسنى تسليمها لأهالي الأسرى، والذين يقومون بدورهم بتسليمها إلى المُختبرات المُختصة، ويتم حفظها وتجميدها حتى موعد البدء بعملية الزِراعة، حيث بدأت زوجة الأسير الشمالي بإجراءات عملية الزراعة بعد يومين من استلام النُطف وتسليمها للمختبر.
وتعرضت والدة الأطفال للإجهاد خلال فترة حملها، ما استدعى نقلها إلى مستشفى الشفاء خلال شهر رمضان، في إبريل/ نيسان الماضي، وتم تحويلها مطلع شهر مايو/أيار إلى مستشفى المقاصد في مدينة القدس المحتلة، وبعد الولادة تم وضع الأطفال في الحضانة، إلى أن عادوا برفقة والدتهم إلى مدينة غزة أمس الإثنين.
وتقول نجاح شمالي والدة الأسير أحمد وجدة الأطفال الأربعة، إن فرحة العائلة بميلاد الأطفال لا توصف، إلا أنها منقوصة في ظل غياب والدهم، مضيفة أن "الأطفال من رائحة ابني الغالي، وعلى الرُغم من صعوبة عملية الحمل، وما رافقها من مُعاناة، إلا أن تكللها بالنجاح يُعتبر انتصاراً للإرادة الفلسطينية، ضد السجان والقيود".
وتوضح شمالي، والتي تم منعها من مُرافقة زوجة ابنها خلال رحلة علاجها نتيجة الرفض الأمني الإسرائيلي، في حديث مع "العربي الجديد" أنّ الأسرى يواصلون تحدي الاحتلال بكافة الأشكال، بما فيها عملية تهريب النُطف لإنجاب "سفراء الحُرية"، والتي تحمل رسالة القوة والصلابة وحُب الحياة.
في الأثناء، يُبين مدير "جمعية واعد للأسرى والمحرّرين" عبد الله قنديل أن الإنجاب عبر النُطف المُهربة، يُعتبر وسيلة إبداعية ومُبتكرة بزغت مُنذ سنوات عدة من داخل السجون الإسرائيلية، وقد لاقت استحسان عدد كبير من الأسرى، بعدما بدأها الأسير عمار الزبن، وتبعه أسرى آخرون.
ويوضح قنديل لـ"العربي الجديد" أن حوالي 70 أسيرا فلسطينيا أنجبت زوجاتهم ما يزيد على 120 طفلاً عبر هذه الوسيلة، التي تحمل في طياتها العديد من المعاني، وفي مقدمتها أن "الأسير الفلسطيني قادر على صناعة الحياة، على الرغم من الألم، والقيد، والزنزانة، وعلى تحدي محاولة الاحتلال الإسرائيلي قتله حياً داخل السجون".
ويُبين قنديل أن تهريب النُطف من داخل السجون أسفر عن ولادة أطفال يُطلق عليهم لقب "سفراء الحرية"، كما تشكل العملية بارقة أمل بأن فجر الحرية قادم وقريب، خاصة في ظل انتصار الأسير على المنع، والحرمان من برنامج الزيارات، والمكالمات الهاتفية، والتواصل مع الأهالي، إلى جانب أنها تُثبت أن الأسير لا يعدم وسيلة لمواجهة كل مخططات الاحتلال الهادفة إلى النيل منه، ومن صموده، وإرادته.
ونجحت أول عملية ولادة طفل عبر النُطف المُهربة في الرابع عشر من أغسطس/ آب 2012، حين وضعت زوجة الأسير الفلسطيني عمار الزبن من مدينة نابلس بالضفة المحتلة، والمُعتقل منذ 25 عاماً، ويقضي حُكما بالسجن المؤبد 25 مرة، طفلها مُهند، وقد لاقت عملية تهريب النُطف استحسانا شعبيًا، حيث اعتُبِرت فصلا جديدا من فصول النضال الفلسطيني، ضد إرادة القتل الإسرائيلية.