تصطفّ عشرات الشاحنات على طول الطريق الصحراوي الواقع شماليّ مصر والمؤدّي إلى معبر رفح الحدودي مع قطاع غزة، فيما يجلس سائقوها بجانبها وهم ينتظرون بفارغ الصبر الضوء الأخضر لنقل مساعدات تتزايد الحاجة إليها في القطاع المحاصر، يوماً بعد يوم.
وبعد أيام طويلة أمضاها السائقون يتبادلون أحاديث فارغة، في أثناء احتسائهم القهوة ويتناولون الفول المدمّس، شعر هؤلاء، وجميعهم مصريون، بشيء من الارتياح عندما أُبلغوا بأنّه قد يُسمح أخيراً بإدخال مزيد من الوقود والمساعدات الملحّة الأخرى إلى قطاع غزة، في إطار الهدنة التي اتُّفق عليها وسط الحرب الإسرائيلية المستمرة على القطاع منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي.
وقد أعلن الوسيط القطري، بعد ظهر اليوم الخميس، بدء الهدنة عند الساعة السابعة (بالتوقيت المحلي لفلسطين) من صباح يوم غد الجمعة، علماً أنّها ستمتدّ على أربعة أيام، يُصار في خلالها إلى إدخال نحو 200 شاحنة مساعدات يومياً، فيما يُصار إلى تبادل رهائن وأسرى ما بين الاحتلال الإسرائيلي وحركة حماس.
وفيما لم يتّضح بعد موعد تحرّك شاحنات المساعدات، يعبّر السائقون المتعَبون الذين أمضوا أياماً وهم ينتظرون الهدنة بعيداً عن عائلاتهم وفي ظروف صعبة، عن تململ وانزعاج.
علاء مصطفى (48 عاماً) واحد من هؤلاء السائقين، يخبر وكالة فرانس برس أنّه "قبل الحرب، كنّا نأتي (للعمل) يومَين أو ثلاثة أيام ثمّ نرحل. أمّا في الوقت الراهن، فقد مضى سبعة أيام وما زلنا نلازم مكاننا".
يؤكد سائق آخر الأمر، رافضاً الكشف عن اسمه، خوفاً من قوات الأمن المصرية المنتشرة بكثافة بالقرب من الحدود مع قطاع غزة، ويسأل: "تريدونني أن أتحدّث عن حياتي اليومية؟"، قبل أن يجيب: "نحن في الشارع... هكذا نعيش الآن. ننام ونستيقظ ونأكل في المكان نفسه من دون استحمام".
بدوره، يقول السائق محمد سيد علي (52 عاماً): "أعيش حياتي في شاحنتي، إلى حين إيصال الحمولة (إلى غزة) وأعود إن شاء الله".
يُذكر أنّ الاحتلال الإسرائيلي أطبق حصاره المفروض على قطاع غزة منذ عام 2007، بُعَيد شنّه الحرب عليه، فقطع المياه والكهرباء والغذاء والوقود والدواء عن أهل غزة، الأمر الذي سبّب أزمة متفاقمة وسط القصف. وبعد نحو أسبوعَين من الحرب، سُمح بإدخال كميات محدّدة وضئيلة من المساعدات من خلال معبر رفح الحدودي مع مصر.
وتفيد بيانات مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) بأنّ نحو 1400 شاحنة فقط محمّلة بالإمدادات الإنسانية دخلت إلى قطاع غزة عبر مصر في الشهر الماضي، بالتزامن مع نزوح عدد كبير من الفلسطينيين في شمال القطاع إلى الجنوب، وسط انقطاع التيار الكهربائي وارتفاع معدّلات سوء التغذية وتدهور وضع مرافق الصرف الصحي.
وبيّن المكتب الأممي أنّ هذا العدد أقلّ بكثير من المتوسّط الشهري من الشاحنات التي كانت تدخل إلى القطاع قبل الحرب الأخيرة على غزة، البالغ 10 آلاف شاحنة محمّلة بالسلع التجارية والمساعدات الإنسانية.
وفي هذا الإطار، قال المسؤول في حركة حماس، طاهر النونو، أمس الأربعاء: "لا بدّ من دخول 200 إلى 300 شاحنة على الأقلّ تحمل ما يحتاجه قطاع غزة والمواد اللازمة للمواطنين الفلسطينيين، وكذلك ثماني شاحنات من الوقود والغاز على الأقلّ".
من جهتهم، يشدّد السائقون المصريون في حديثهم إلى وكالة فرانس برس على أنّهم "فخورون" بكونهم يساعدون الفلسطينيين، لكنّهم يعبّرون عن قلقهم إزاء ما قد يرونه في قطاع غزة عند إدخالهم المساعدات.
بالنسبة إلى السائق يوسف عبد العزيز (43 عاماً) فإنّ "من المؤكد أنّنا سنجد دماراً في البلد عند دخولنا"، مشيراً إلى أنّه بناءً على ما يُنقَل إعلامياً "لم يعد هناك قطاع غزة".
في سياق متّصل، وفي الجانب المصري من معبر رفح، الجانب نفسه حيث ينتظر السائقون موعد دخولهم إلى قطاع غزة، انفجرت المحامية الفلسطينية فاطمة عاشور بالبكاء. هي تمكّنت من العبور من غزة، لأنّها تحمل جنسية أجنبية. وتقول المرأة الأربعينية إنّ "نصف مدينة غزة انهار تماماً كما الشمال ككلّ... لا مدينة لنعود إليها... لا منازل. كلّ حياتنا انتهت". وعند سؤالها عن اتفاق الهدنة، تسأل: "أيّ هدنة؟ هذه الهدنة (التي أُعلنَت) من أجل الإفراج عن الأسرى (الإسرائيليين) وليست من أجلنا".
(فرانس برس، العربي الجديد)