سجل أوروبا الأسود في 2022: لاجئون في "أقفاص دجاج"

27 ديسمبر 2022
تدابير "صد" اللاجئين على حدود بلغاريا (نيكولاي دوشينوف/ فرانس برس)
+ الخط -

تودع أوروبا عام 2022 في ظل انتقادات لسجلها الأسود في التعامل مع اللاجئين، والذي تحاول دولها ربطه بحجج من بينها حماية حدودها الخارجية.

واعتبرت عمليات "الصد" التي تعتمد على طرد طالبي اللجوء، حتى قبل السماح بتقديمهم طلبات لجوء، سياسة شائعة هذا العام في أنحاء أوروبا، وترافقت مع "صمت "سياسي" واضح، وتعمّد لحصر مهمات هذه العمليات في دول بعينها، شكّلت "حائط صد" في وجه موجات اللجوء الجديدة. 
فعلياً أصبحت سياسة "صد اللاجئين" تمارس على نطاق واسع على الحدود الخارجية للاتحاد الأوروبي، كما توثق "شبكة مراقبة العنف الحدودي" الأوروبية (غير حكومية)، والتي تهتم بسياسات الهجرة واللجوء، وتجمع بيانات عن انتهاكات حقوق الإنسان، و"الهجمات" العنيفة على اللاجئين والمهاجرين الذين يحاولون دخول الاتحاد الأوروبي
وباتت تقارير المنظمات الحقوقية تطلق اسم "الأماكن السوداء" على المراكز السرية لتجميع اللاجئين والمهاجرين، والتي تخضع لحراسة مشددة، ويقبع المحتجزون فيها في ظروف تقول المنظمات إنها "لا تليق حتى بقن دجاج".

تجري أبشع الممارسات ضد اللاجئين على حدود كرواتيا واليونان وبلغاريا

وحددت "شبكة مراقبة العنف الحدودي" المناطق التي يتعرض فيها القادمون من خارج القارة الأوروبية لأبشع الممارسات السرية بأنها على الحدود مع كرواتيا واليونان وبلغاريا، مشيرة إلى أن احتجاز طالبي اللجوء باستخدام هذه الأساليب أمر عادي، لأن حرس الحدود وأجهزة الأمن لا تحتاج إلى تسجيلهم.

وقال كبير المحللين في "شبكة مراقبة العنف الحدودي"، هوب باركر، لصحافيين أخيراً، إن "كل شيء يحدث في الخفاء، والانتهاكات الأكثر خطورة لحقوق الإنسان تحدث غالباً في هذه الأماكن". على سبيل المثال، تمارس الشرطة الكرواتية على حدودها العنف بحق لاجئين، من بينهم نساء وأطفال وقُصر من أفغانستان، عبر رميهم عند حدود البوسنة التي يفترض أنهم انطلقوا منها في مسار دول البلقان الخاص باللجوء.
وليست كرواتيا استثناءً في هذا الشأن، فحسب باركر: "الأمر شائع بشكل سرّي أيضاً في اليونان وبلغاريا وصربيا، وغيرها ضد من يحاولون الدخول سراً إلى الاتحاد الأوروبي"، ويؤكد أن "شبكة مراقبة العنف الحدودي جمعت شهادات لأشخاص تعرضوا للضرب وإصابات بالبنادق، وكذلك أشخاص تعمدت قوات حرس الحدود تجويعهم، ووضعهم في أماكن ذات حرارة مرتفعة، أو برودة قارسة في تدابير تعتبر من بين أشكال التعذيب". 

لا تنحصر انتهاكات حرس الحدود اليوناني باستهداف المراكب المطاطية المتهالكة (أريس ميسينيس/ فرانس برس)
حرس الحدود اليوناني يستهدف مراكب المهاجرين المطاطية (أريس ميسينيس/فرانس برس)

وفي أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، أطلقت قوات حرس الحدود في بلغاريا النار على شاب سوري أثناء محاولته عبور الحدود مع تركيا. نجا الشاب من الموت، في حين تمسكت سلطات صوفيا بنفي استخدام أجهزتها الأمنية العنف ضد من يحاولون الوصول إلى أراضيها تمهيداً لطلب اللجوء في دول الاتحاد الأوروبي. 
وتؤكد الوقائع والشهادات أن الممارسات العنيفة لأجهزة أمن بعض الدول الأوروبية لم تعد مجرد تكهنات لا تخضع لإثباتات. في اليونان يجري منذ أكثر من عامين "ابتداع" وسائل عنف جديدة تضاف إلى استهداف المراكب المطاطية المتهالكة التي تنقل اللاجئين في محاولتهم عبور بحر إيجه، وبينها استخدام طالبي لجوء آخرين، بعضهم من جنسيات عربية، للتصدي، أو الاعتداء، أو الوشاية بلاجئين آخرين، وهو ما أكدته "شبكة مراقبة العنف الحدودي" التي كشفت أن الشرطة اليونانية تحتجز مهاجرين وطالبي لجوء لمساومتهم على المشاركة في تلك الأعمال العنيفة ضد مهاجرين آخرين، مقابل وعد بالسماح لهم بالمغادرة إلى أوروبا بعد ستة أشهر من المشاركة في تلك العمليات.

وفي عام 2020 أصدرت الشبكة الأوروبية للمرة الأولى تقريراً بعنوان "الكتاب الأسود"، فضحت فيه انتهاكات حقوق الإنسان التي يتعرّض لها القادمون من خارج قارة أوروبا لمحاولة الحصول على اللجوء. 
ورغم أن "الكتاب الأسود" هدف، بحسب الشبكة، إلى "إلقاء الضوء على ما يجري في الظلام، ونشر الوعي بالانتهاكات التي تحصل"، لم يطرأ منذ ذلك الحين سوى تحسن قليل على الوضع السائد، علماً أن المواثيق الحقوقية الأوروبية والعالمية تسمح للإنسان، مهما كان عرقه أو خلفيته، بتقديم طلب لجوء سياسي، لكن ما يجري يخالف تماماً كل المواثيق والمعاهدات التي يرفع الأوروبيون أنفسهم صوتهم عالياً بشأنها، خصوصاً إذا تعلق الأمر بدول خارج قارتهم. 
وتفيد تقارير منظمات حقوقية غير حكومية، ومنظمات استقصائية للصحافة الأوروبية، بأن "الاتجاه العام يسير نحو تطبيق قوانين تخلق قدراً أكبر من المرونة لدى الدول الأعضاء في تنفيذ عمليات الطرد ورفض اللجوء، وبينها اقتراح (ميثاق الهجرة) في يناير/ كانون الأول الماضي، والذي لم تقرّه مفوضية الاتحاد الأوروبي حتى الآن، لتخفيف ضغط المهاجرين من بيلاروسيا تحديداً على بولندا وليتوانيا". 
وحتى في حال عدم تبني "ميثاق الهجرة" ثمة ما يمارس في "مناطق ذات قوانين رمادية"، ويتعارض تماماً مع الحقوق الأساسية التي نصت عليها الاتفاقات الدولية حول الحق في طلب اللجوء، ومن بينها تأجيل تسجيل طلبات اللجوء، والحصول على تراخيص لبناء مراكز استقبال مؤقتة، ما يترك طالبي اللجوء أمام مواجهة مصير ضبابي في صقيع أوروبا. 

أسلاك "الصد" على حدود بلغاريا (نيكولاي دوشينوف/ فرامس برس)
تشديد التدابير على الحدود لصد المهاجرين (نيكولاي دوشينوف/ فرانس برس)

ومنذ عام 2016، بثت إجراءات مشددة اتخذتها دول في شمال أوروبا، على غرار الدنمارك والسويد، "اليأس" في صفوف الأشخاص الطامحين في الحصول على إقامات دائمة، لكن لاحقاً تحوّلت تلك التدابير المشددة إلى حالة أوروبية عامة، تجعل غالبيتها حياة اللجوء مزرية، من أجل إخضاع اللاجئين في نهاية المطاف لقرارات ترحيلهم.
وبين التدابير الأخرى التي اتخذت هذا العام، بحسب ما أورد تقرير حديث أصدره "كونسورتيوم لايتهاوس ريبورتس" للصحافة الاستقصائية الهولندية، بعنوان "الأماكن السوداء في أوروبا"، جرى حشر طالبي اللجوء في "قفص دجاج بائس" على الأراضي البلغارية، وتحديداً في قرية سيرديتس التي تبعد نحو 40 كيلومتراً عن الحدود مع تركيا. 
وتحدث معدو التقرير عن "عيش اللاجئين في ظروف تشهد تكدس ذوي البشرة الداكنة في القفص الذي لازمه بعضهم ثلاثة أيام من دون طعام أو ماء، مع مصادرة الشرطة أحذيتهم بعد توقيفهم إثر عبورهم الحدود التركية". 
ويصف التقرير ذاته "العفونة، والجدران المهترئة، والأرض الرملية، والسقف المتآكل"، ويعلّق: "ما يجري يقع تماماً تحت أعين الوكالة الأوروبية لحرس الحدود والسواحل (فرونتكس)، فعلى بعد أمتار قليلة يمكن مشاهدة السيارات الخاصة بحراس الوكالة المكلفة أيضاً بالإبلاغ عن انتهاكات حقوق الإنسان التي يرتكبها حرس الحدود الوطني في الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي". 
وسبق أن تعرضت "فرونتكس" لانتقادات متكررة بسبب تسهيلها عمليات "صد" المهاجرين واللاجئين في البر والبحر، ومن بينها وحدة "إولاف" للتحقيق في الاتحاد الأوروبي، والتي اعترفت بمخالفات "فرونتكس" في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، بحسب ما أكده تقرير "لايتهاوس". 
يقول باركر: "في كل الأحوال، تكشف التحقيقات والتقارير ممارسات مروعة ومحبطة في عمليات الصد والطرد، وبالتالي فإن الجانب الأكثر ظلامية الذي يؤكد انفلات الأوروبيين من مسؤوليات وتعهدات تتعلق بحقوق طالبي اللجوء، وأخطرها على الإطلاق تخطي المعاهدات الدولية للأمم المتحدة في هذا الشأن". 
ويضيف: "يبرز على وجه الخصوص شيوع إخفاء طالبي اللجوء، وتحويل حياتهم إلى جحيم، ومنع تسجيلهم بالأصل كطالبي لجوء، وعدم تمكين المنظمات والمؤسسات المعنية من الوصول إليهم، وذلك بهدف وحيد يتمثل في طردهم بعيداً عن عيون الجميع، ثم الخوض في نفي كل ما ينسب إلى سلطات أوروبية مختلفة من ممارسات تنسف ارتفاع صوت حقوق الإنسان والقيم والمبادئ التي يتغنى بها سياسيو وقادة القارة العجوز إذا تعلق الأمر بما هو خارج حدود قارتهم المنغلقة على نفسها".

المساهمون