لم يعد تفشي الجرائم في الفترة الأخيرة- والحرب بين عصابات الأحياء- ما يقلق الجزائريين فحسب، لكن ما يقلق أكثر هو بروز مستوى آخر من الجرائم، والسرقة، واقتحام المحال التجارية، في وضح النهار، عبر استخدام المسدسات والأسلحة النارية، وبخاخات الغاز. هذا الأمر هو مؤشر بالغ الخطورة على تحوّلٍ في خريطة الجريمة واستخدامات المجرمين، ويفرض ضرورات أمنية جديدة.
فقبل فترة، هاجم ثلاثة مسلحين متجراً لبيع الحلي والمجوهرات، في وسط مدينة سكيكدة، شرقي الجزائر، في وضح النهار، قبل أن يهربوا على متن سيارة حاملين معهم كمية كبيرة من الحلي والذهب. لكن المسلحين لم ينتبهوا إلى الكاميرات المثبتة داخل المتجر، والتي صوّرت كامل تفاصيل العملية الإجرامية، ما سهّل على مصالح الأمن توقيفهم بعد فترة وجيزة، واسترجاع الذهب والحلي المسروقة، والتي تم إخفاؤها داخل بئر في المنطقة. هذه الحادثة، أثارت قلقاً كبيراً في الجزائر، حول الطريقة والجرأة اللتين باتت مجموعات إجرامية تنفذ بهما عمليات السطو.
وقبل هذا الحادث، أمثلة كثيرة عن حوادث السطو المسلّح التي حصلت، وأبرزها، تلك التي شهدتها منطقة عزازقة، شرقي الجزائر، في شهر يونيو/ حزيران الماضي، عندما خطّط مسلحان، للاستيلاء على مركبتين لنقل وتوصيل الأموال في مصرف عمومي وسط المدينة، حيث تبادل المسلحان النار مع أعوان الأمن المرافقين للسيارة، وفشلا في السيطرة على الموقف.
وقبل فترة قصيرة، شهد مكتب بريدي يقع في بلدية بوجيمة، بولاية تيزي وزو، شرقي الجزائر، تعرّضه لسطوٍ مسلّح، من قبل شخصين تمكنا من سرقة مبلغ مالي يعادل 25 ألف يورو، ونجحت قوات الأمن لاحقاً، بعد سلسلة تحريات، في استرجاع المبلغ وإلقاء القبض على اللصين. كما كان مركز بريد في منطقة البويرة، قرب العاصمة الجزائرية، تعرّض لسطو مسلح عندما هاجم ملثمان المركز باستخدام بندقية، في وقت كان المركز البريدي خالياً من المواطنين، وأجبرا الموظف في المركز على تسليمهما كلّ الأموال التي كانت تتواجد حينها فيه.
هذه بعض أنواع عمليات السطو المسلّح التي لم تكن تشهدها الجزائر بشكل كبير في العقود السابقة. وقد تداولتها الصحافة الجزائرية في الفترة الأخيرة، وأصدرت بشأنها السلطات الأمنية بيانات تفصيلية، ما يعيد إلى الأذهان، بعض عمليات السطو التي نفذتها المجموعات الإرهابية على مصارف، ومراكز بريد، ومحال تجارية، خلال سنوات الأزمة الأمنية (العشرية السوداء).
وعلى الرغم من ارتفاع عمليات السطو المسلّح في الجزائر، إلا أنّه لم تصاحبها حتى الآن عمليات قتل. لكن اتساع وتعدد هذا النوع من الجرائم، يفتحان باب النقاش حول أسباب وخلفيات هذا التطور في منحى الجرائم، خصوصاً وأنّ مجال امتلاك الأسلحة النارية في الجزائر محدودٌ جدّاً، بما فيه بنادق الصيد التي لا تزال السلطات الجزائرية تطبق قراراً صدر في التسعينيات، مع بداية الإرهاب، يمنع بموجبه بيعها والمتاجرة بها، بينما يحوز عددٌ قليل من الأشخاص على بنادق صيد بترخيص من السلطات الأمنية.
وتكشف التحقيقات الأمنية المتعلقة بعمليات السطو المسلّح في الجزائر، ولجوء المجرمين إلى استخدام الأسلحة، العلاقة بطبيعة المقار المستهدفة، سواء كانت مصارف أو مراكز بريد أو محال بيع المجوهرات، وهي كلّها مقار تحوي مبالغ مالية مغرية، ويتواجد فيها طاقم حراسة وتدابير أمنية وحركة مواطنين، ما يعني أنّ استخدام الأسلحة البيضاء أو غيرها غير مجدٍ في هذه الحالات. كما أنّه ينطوي على رغبة المجرمين في السيطرة على المكان وكلّ من فيه، وبالتالي، منع كلّ مقاومة خلال عملية السطو، والسعي بشكلٍ استعراضي لإنهاء العملية في وقت وجيز، والانسحاب السريع لتلافي الملاحقة الأمنية. كما تشير التحقيقات إلى أنّ منفذي هذا النوع من الجرائم، تكون لهم في الغالب سوابق جرمية، على غرار عملية محاولة السطو على مركبتي نقل الأموال في مصرف عزازقة، حيث إن أحد المجرمين كان متورّطاً في جريمة قتل، وسطو بالسلاح في الخارج، ومطلوب للقضاء والأمن في دولة أجنبية.
وعلى الرغم من التفسيرات ذات السياق الأمني، إلا أنّ النشاط الإجرامي بشكلٍ عام، لا يخرج عن نطاق المحيط الاجتماعي الذي يتواجد فيه المجرمون. ويفسّر البعض تطور جرائم السطو في الجزائر إلى عوامل عديدة. تعتبر المختصة الاجتماعية المكلّفة بالشباب والطفولة بولاية عين الدفلى، غربي الجزائر، نصيرة بودور أنّ "هناك علاقة بين الانحراف، والجريمة، وتنامي تعاطي المخدرات الذي يؤدي بالشباب إلى ارتكاب العديد من الجرائم، من دون الأخذ بعين الاعتبار المخاطر والعقوبات الردعية المترتبة عليها. إضافة إلى اتباع الأساليب الاستعراضية التي تظهرها الأفلام السينمائية. ولا نغفل الجانب الاقتصادي الصعب، والفقر، والبطالة، والتي تؤدي إلى ارتكاب الجرائم، خصوصاً السرقة، وأحياناً القتل، من أجل الحصول على المال وضمان العيش، بأيّ طريقة".
وبسبب بروز هذا النوع من الجرائم، وتطور منحى الجريمة والاعتداءات بشكلٍ عام في الجزائر، تعمد المؤسسات والمحال التجارية، خصوصاً باعة المجوهرات، إلى اتخاذ تدابير أمنية أكثر احترازاً، وتكثيف استخدام الكاميرات، لتجنّب الوقوع ضحية للسطو.