على بعد 1300 كيلومتر من شمال الدائرة القطبية الشمالية، وتحديداً في عمق التربة الصقيعية فوق مجموعة جزر سفالبارد النرويجية، يوجد قبو تخزين بذور الكرة الأرضية.
هذه المخازن يطلق عليها في دول الشمال الاسكندنافية "سفينة نوح للحبوب". والمنطقة التي يقصدها الباحثون من حول العالم تحولت منذ عام 2008 إلى ما يشبه "بوليصة تأمين" نجاة البشرية، حين حفرت في صخورها تحت الأرض المتجمدة مخازن حماية الحبوب والنباتات الزراعية.
سلفابارد... مخازن ضد التفجير النووي
18 درجة تحت الصفر على الأقل هي درجات حرارة ثابتة في قبوي تخزين آمنين يقعان على عمق وامتداد 130 متراً في جبل يعد الأكثر تأميناً للبذور، حتى لو وقع زلزال أو تفجير نووي، من أجل الأجيال القادمة، إذا وقعت كوارث طبيعية مثل الفيضانات واسعة النطاق، وما شابه حول العالم. استغرق العمل على تشييد هذه المخازن عاماً كاملاً.
ليس وصفها بـ"سفينة نوح" للدلالة على أهميتها لبقاء البشر في المستقبل، بل توصف في الصحافة النرويجية والدنماركية باعتبارها أشبه بملاذ البشرية للنجاة من "حرب نووية" أو ما يسمونه "يوم قيامة" على شكل دمار، سواء بالحرب أو التغيرات المناخية، لاحتواء أعماقها على خزائن مؤمنة لتخزين أغلبية البذور التي يستخدمها الإنسان لإنتاج الغذاء والحفاظ على دورة الحياة.
بنك سفالبارد، الذي تحملت الحكومة النرويجية معظم تكلفة تأسيسه، لا يضم موظفين بدوام كامل، ويقوم على أساس تطوعي
التفكير في حفر الأرض فوق سفالبارد التي تعيش نحو أربعة أشهر سنوياً من الظلام ودرجات حرارة تصل إلى مستوى تجميد الزئبق تقريباً، جاء على خلفية هدف اجتمع عليه "نورديك جين بانك" (بنك الجينات الشمالي) والصندوق العالمي لتنوع المحاصيل، التابع لمنظمة الأغذية والزراعة في الأمم المتحدة (فاو). وهدف المشروع الضخم هو تأسيس ما يشبه أرشيفاً ضخماً لجميع النباتات الغذائية حول العالم، بحيث يصل إلى تخزين نحو أربعة ملايين ونصف المليون عينة في أعماق بنك البذور القطبي الشمالي.
إطلاق مسمى "يوم القيامة" وسفينة نوح على المخازن، حين افتتح المشروع في 26 فبراير/ شباط 2008، لم يكن لجانبه العقائدي بل خشية أن تشهد الكرة الأرضية دماراً هائلاً، سواء نتيجة كوارث طبيعية أو من صنع الإنسان، بما فيها الحرب النووية، وما سيتركه ذلك من دمار الحياة ومحاولة الناجين البحث عن النجاة.
El @GlobalSeedVault mayor Banco de la #Biodiversidad Agrícola Global, se alista para incorporar al Arca de Noé de Svalbard en #Noruega, más de un millar de variedades de semillas que representan el patrimonio vegetal de #España. https://t.co/B5INY6EFw3 pic.twitter.com/aAGd46lwj3
— Progresohispanonews (@progresohispano) March 3, 2022
وفي مثل هذه الكوارث سيقدم بنك الحبوب في أعماق الأرض، وبدرجة حرارة لا تقل عن 18 درجة سالبة، رصيداً للناجين، ولو بعد ألف عام من تاريخ الافتتاح. فالتخزين مثالي، ويحافظ على ما فيه من بذور ونباتات ولو وقعت حرب نووية أو كوارث مناخية أوقفت دورة الحياة على الأرض، بحيث يستطيع هؤلاء القائمون على البنك تأمين الإمدادات الغذائية العالمية. ويجري نقل البذور من حول العالم من قبل متخصصين عبر الطائرات، وذلك بالتعاون مع منظمات البذور المحلية في كل جزء من الكرة الأرضية.
ويفترض القائمون على بنك سفالبارد للبذور (Svalbard International Seed Vault) وصول الأرض إلى كارثة تدمر الزراعة على الأرض، أو وصول بلد بعينه إلى كارثة تدمير الإنتاج الزراعي الغذائي، بحيث يستطيع ذلك البلد الذي أودعت منه البذور في البنك الحصول عليها لإعادة الزراعة فيه.
بنك سفالبارد، الذي تحملت الحكومة النرويجية معظم تكلفة تأسيسه، لا يضم موظفين بدوام كامل، ويقوم على أساس تطوعي، بما في ذلك إيداع البذور، إذ تتعاون نحو 200 دولة في تأمين ما ينبت على أرضها، من حبوب ومزروعات.
ومع أن المسميات "سفينة نوح" و"يوم القيامة" قد تبدو ثقيلة على سمع البعض إلا أن العلماء والخبراء يرون في بنك سفالبارد للبذور أهمية كبيرة، مع تزايد ما يطلقون عليه "التآكل الوراثي"، عندما تبدأ بعض الأنواع بفقدان عوامل كثيرة من أجل البقاء على ذات مستواها السابق.
ويركز العلماء الساعون إلى تخزين البذور في أعماق الأرض على ما يطلقون عليه "ضمان التنوّع البيولوجي والتنوّع النباتي"، وبالتالي هم يقومون بدراسة واختبار البذور للحفاظ على أفضلها. بعضها يمكن الاحتفاظ به حتى 1700 سنة، مثل القمح المخزن في 18 درجة مئوية سالبة، بينما يمكن أن تبقى حبوب الذرة الرفيعة محافظة على خواصها لمدة تصل إلى 20 ألف سنة. بالطبع هناك بذور يجب أن تتجدد، حيث بعض الأصناف تفقد خاصيتها في زمن ليس طويلاً كغيرها، وبالتالي يجري تشجيع البلدان على تأمين بذور جديدة، بحسب ما يذهب الصندوق العالمي لتنوع المحاصيل، في طلبه للمجتمعات مواصلة تأمين بذور طازجة لاستمرار الحفاظ عليها وخدمة الهدف النهائي من بنك سفالبارد.