سكان شمال غزة بلا مياه... تعطيش متعمد

20 ابريل 2024
البحث عن الماء أزمة يومية في قطاع غزة (محمد الحجار)
+ الخط -
اظهر الملخص
- في غزة والشمال، الحصول على المياه أصبح شبه مستحيل بسبب توقف ضخ المياه من الآبار الجوفية نتيجة نفاد الوقود والتدمير المتعمد، مما أثر على أكثر من 350 ألف مواطن.
- السكان يواجهون أزمة مياه حادة، حيث تم تشغيل مضخات الآبار جزئيًا بوقود قليل، لكن المياه المتوفرة غالبًا غير صالحة للشرب، مما دفعهم للاعتماد على خزانات المياه الأرضية والبحث عن مصادر بديلة.
- العدوان الإسرائيلي تسبب في تدمير أكثر من 100 بئر جوفية وأضرار جسيمة للبنية التحتية للمياه، مما قلص ضخ المياه إلى 5% من مستويات ما قبل العدوان، مهددًا بكارثة بيئية وصحية.

بات الحصول على المياه من الآبار الجوفية في محافظتي غزّة والشمال شبه مستحيل بعد أن كانت مصدر مياه الشرب الوحيد للغزّيين الصامدين في تلك المنطقة المحاصرة التي تعرّضت لمجازر متعددة.

نفدت المياه تقريباً في المنطقة الشمالية المحاصرة التي تضم مدينة غزّة ومحافظة شمال القطاع، بعد أن توقف الضخ من غالبية الآبار الجوفية التي لم تتعرض للقصف بسبب نفاد الوقود، وذلك بعد أن ارتكبت قوات الاحتلال على مدار أشهر العدوان المتواصل جرائم تدمير متكررة لكثير من الآبار لمنع الفلسطينيين من الحصول على المياه.
وقبل أسبوعين، كانت مضخات عدد من الآبار تعمل جزئياً عبر كميات وقود قليلة تصل بصعوبة بالغة من خلال المنظمات الدولية التي تتولى التنسيق مع الاحتلال الإسرائيلي المتحكم في حركة الشاحنات بالمنطقة الشمالية، وكان السكان يحصلون منها على كميات محدودة من المياه، وكانت في الأغلب غير صالحة للشرب، لكنهم كانوا يعتمدون عليها في ظل عدم وجود بدائل.
ويوجد في المنطقة الشمالية المحاصرة من قطاع غزة أكثر من 350 ألف مواطن، جميعهم يتعرّضون لتعطيش متعمّد من قوات الاحتلال الإسرائيلي التي تواصل منع وصول الوقود إلى قطاع غزة، وسط تلميحات إلى اقتراب بدء العملية البرية على مدينة رفح.

دمّر الاحتلال ما لا يقل عن 100 بئر جوفية في محافظات قطاع غزة الخمس

وأصدر المكتب الإعلامي الحكومي في غزّة، مساء أمس الأول الجمعة، بياناً أكد فيه أن "مدينة غزّة تواجه كارثة جديدة تتهدد حياة المواطنين بعد توقف ضخ المياه من جميع الآبار كليّاً بسبب نفاد الوقود، والمدينة بالكامل تعيش حالة من العطش الشديد في ظل استمرار توقف ضخ المياه من خط (ميكروت) الذي أوقفت سلطات الاحتلال عمله منذ بداية العدوان في السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي".
يقول أحمد صيام الذي يقيم مع عائلته في منطقة الجلاء بوسط مدينة غزّة، إن الحصول على المياه في المنطقة الشمالية كان الأزمة الكبرى منذ بداية العدوان الإسرائيلي، وكان المئات يتجمعون يومياً حول آبار المياه، ويجري إحضار مولدات كهربائية مدعومة من منظمات دولية مثل وكالة أونروا وبرنامج الأغذية العالمي، لتضخ المياه للمواطنين المصطفين في طوابير طويلة، لكن بعد توقف الضخ، ونفاد المياه من بعض الآبار اختفت الطوابير.

الصغار أيضاً يبحثون عن الماء في غزة (محمد الحجار)
الصغار أيضاً يبحثون عن الماء في غزة (محمد الحجار)

يضيف صيام لـ"العربي الجديد": "كان غالبية الغزّيين في المنطقة الشمالية يعتمدون على تعبئة خزانات المياه الأرضية، أو ما تبقّى سليماً منها، في ظل تدمير معظم الخزانات التي كانت على الأسطح. دمّر قصف الاحتلال خزانات منزلي، ولم يتبق لي سوى خزان واحد لم يصب بأضرار، فقمت بإنزاله إلى الأرض رغم المخاطر، وحينها كانت طائرات الاستطلاع تحوم فوق المنطقة، وبدأت في تعبئته بالمياه. يعيش في منزلي نحو 50 فرداً، من بينهم أقارب نزحوا من شرقي مدينة غزة بعد أن دمرت منازلهم، والمياه تستهلك سريعاً، وفي فترة الحصار المشدد خلال ديسمبر/كانون الأول الماضي عانينا من نفاد مياه الشرب، لكن بعدها تحسن واقع المياه قليلاً، وأصبحنا نصطف في الطوابير لنحصل على مياه تصلح للطبخ والغسيل".
يضيف "تعرضت للمرض، وكذا جميع أفراد أسرتي بسبب قلة المياه، وتلوث المتوفر منها، وعندما تحسنت الأوضاع قليلاً، وبات يمكننا الحصول على قليل من الخبز، أصبحنا نفتقد المياه، ونعيش في انتظار وقلق. لا أريد أن يموت أحد من أفراد عائلتي عطشاً، ووالدتي مصابة بأمراض مزمنة، ولا أريد أن أفقدها كما فقدت كثيراً من أفراد العائلة شهداء".

تجمع حول عربة مياه في غزة (محمد الحجار)
تجمع حول عربة مياه في غزة (محمد الحجار)

انتظر معاذ أبو إبراهيم (40 سنة) قدوم أي عربة لتعبئة المياه لمدة ستة أيام بعد أن نفدت المياه من منزله تماماً، ويؤكد لـ"العربي الجديد"، أنه اضطر إلى بدء رحلة بحث عن عربات المياه، لكنه لم يشاهد أي عربة خلال بحثه المتواصل على مدار يومين.
يعيش أبو إبراهيم مع كثيرين في حي الشيخ رضوان بمدينة غزة، وهم يتنقلون يومياً تحت أشعة الشمس بين مناطق وجود الآبار علهم يجدون أحدها يضخ المياه، لكنهم خلال الأيام الأخيرة يعودون إلى منازلهم بلا ماء، ورغم العطش الشديد يضطرون لتناول قليل من المياه المتوفرة، ويحافظون عليها ما أمكن.
يقول أبو إبراهيم: "استطعت الحصول على غالونين من المياه أحاول استخدامهما في الطوارئ فقط، وقمت بتقليص كميات مياه الشرب لتوفير ما يمكن بعد أن كنت قبل عشرة أيام فقط أشرب الكمية التي أحتاجها من المياه، وتعيش شقيقتي في بلدة جباليا بشمال القطاع نفس الوضع، وكلنا نعاني من نفاد مياه الآبار في المنطقة الشرقية. الاحتلال يحاول تصدير صورة أننا أصبحنا نأكل بعد فتح عدد قليل من مخابز المنطقة، وترويج تلك الصورة للمجتمعات الغربية، لكنه في المقابل يمنع وصول المحروقات، ويريد أن يقتلنا عطشاً لأننا مصممون على الصمود في منازلنا".

اختفت الطوابير بعد نفاد الماء (محمد الحجار)
اختفت الطوابير بعد نفاد الماء (محمد الحجار)

يشرف المهندس عبد الرحمن عبد الله على خطوط نقل المياه في بلدية جباليا النزلة، ويؤكد لـ"العربي الجديد"، أن نفاد مياه الآبار جاء بعد تحذيرات متكررة طوال أكثر من شهر للجهات الدولية التي تقوم بإدخال المساعدات، ومطالبتها بإدخال كميات أكبر من الطعام والوقود، خصوصاً إلى مناطق الشمال التي تضم بيت لاهيا وبيت حانون، والتي لا تعمل البلديات فيها بسبب الاجتياح البري الذي سبب تدمير المقار والبنية التحتية.
ويتابع عبد الله: "توقفت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) عن العمل في المناطق الشمالية، ما جعل المخيمات والمراكز التابعة لها لا تقدم الخدمات الأساسية أو الإنسانية، وباتت محافظتا غزة وشمال القطاع تواجهان كارثة بيئية معقدة تُضاف إلى سلسلة طويلة من الكوارث التي سببها الاحتلال مع توقف جميع آبار المياه بالكامل نتيجة نفاد الوقود وانقطاع التيار الكهربائي، وتبحث البلديات عن سبل للتعامل مع الأزمة، لكن لا يمكن ذلك إلا بإقرار إدخال الوقود إلى المنطقة، وهذا مرتبط بالسلطات الإسرائيلية. لن يصمد الناس أكثر من أسبوع بدون مياه، وربما تحدث وفيات كثيرة إذا لم يُتجاوَز الأمر".

يبلغ مقدار ضخ المياه في غزة نحو 5% من مستويات ما قبل العدوان

وحسب بيانات سلطة المياه الفلسطينية فإن مياه الآبار في قطاع غزّة تعاني منذ سنوات من تداخل المياه المالحة والمياه الملوثة، ويبلغ حجم ضخ المياه في قطاع غزة حالياً نحو خمسة في المائة من مستويات ما قبل العدوان الإسرائيلي، ويعيش غالبية سكان القطاع حالياً على أقل من ثلاثة لترات من الماء يومياً، وهو رقم لا يمكن مقارنته بالحد الأدنى من المياه الذي أوصت به منظمة الصحة العالمية، والبالغ 50 لتراً لتلبية الاحتياجات الأساسية، بما في ذلك الشرب والطهي والنظافة.
وكانت بلدية مدينة غزّة، وهي أكبر بلدية في القطاع، تضخ يومياً نحو عشرة ملايين ليتر من المياه في الشبكات من مصادر متعددة، أبرزها الآبار ومحطة التحلية والمياه الواردة من شركة "ميكروت" الإسرائيلية، وتمتلك البلدية 76 بئر مياه جوفية داخل وخارج المدينة، من بينها 60 بئراً كانت تضخ مياهاً صالحة للاستخدام في الشبكات، والآبار المتبقية تم إيقاف الضخ منها بسبب شدة ملوحة مياهها.

ويقول المهندس البيئي فارس أبو النصر لـ"العربي الجديد": "أوقف الاحتلال الإسرائيلي ضخ المياه عبر خط (ميكروت) في بداية العدوان، وتعيش مدينة غزّة حالياً حالة من العطش الشديد، ويعاني سكانها من نقص مياه حاد بعد تدمير نحو 40 بئراً جوفياً، ونحو 120 ألف متر من شبكات المياه، فضلاً عن نفاد الوقود اللازم لتشغيل مضخات الآبار. يضم قطاع غزّة حوالي 600 بئر جوفية، والكثير منها صغير الحجم، وتستعمل في الري والشرب، وكان نحو 30 في المائة منها يستخدم في تزويد الغزّيين بمياه الشرب منذ بداية العدوان، لكن الاحتلال دمر ما لا يقل 100 بئر في المحافظات الخمس من القطاع".
يضيف أبو النصر: "في بداية العدوان تعامل الغزّيون مع المياه ضمن واقع رضائي عبر الخضوع لاستخدام مياه غير نظيفة على اعتبار أنها ستكون مرحلة مؤقتة، لكن بعد أن طالت فترة العدوان أصبحوا مستسلمين للواقع، لكن سيكون لذلك عواقب كارثية تشمل أمراضاً مستقبلية بسبب المياه الملوثة، ومشكلات بيئية بسبب عنصر معايشة الإنسان والحيوانات للأزمة، والبيئة في غزة أصبحت مدمرة بالكامل، ويحتاج إصلاحها إلى ما لا يقل عن عشر سنوات وكلفة كبيرة وجهود أكبر".

المساهمون