قبل أيام، وعدت الحكومة البريطانية بإنفاق كلّ ما يلزم من أموال، وبأسرع ما يمكن، لإصلاح عشرات المدارس المهدّدة بالانهيار، والتي اضطرّت إلى إغلاقها كلياً أو جزئياً في اللحظة الأخيرة عشية بدء العام الدراسي الجديد. وجاء ذلك بعد أيام من كشف هذه المشكلة التي يُعتقد أنّها تشمل، بالإضافة إلى المدارس، مباني مستشفيات ومحاكم مهدّدة بالانهيار لأنّها مبنية بالخرسانة الخلوية المسلحة المتفتتة (RAAC).
وجرى تحديد حوالي 156 مدرسة على أنها معرضة لخطر الانهيار، ما أجبر العديد منها على الإغلاق التام وإعادة التلاميذ إلى التعلم عن بعد. وتخضع عشرات الآلاف من المباني الحكومية والخاصة للتدقيق مع تزايد المخاوف بشأن السلامة الهيكلية لهذه الصروح، مع تشديد الخبراء على أن فحوصات السلامة يجب أن تصبح ممارسة منتظمة ولا غنى عنها لحماية الأرواح والممتلكات.
وقالت جمعية الحكم المحلي (LGA) إنها تحذر من المخاطر التي تشكلها هذه الخرسانة منذ عام 2018، وأمرت المجالس بالتحقق من المنشآت المبنية من خلالها. في هذا الإطار، أصدرت الحكومة بعض التدابير الوقائية لمساعدة المستأجرين والملاّك، من بينها تجديد الكسوة (طبقة تستخدم توفير درجة من العزل الحراري ومقاومة الطقس وتحسين مظهر المباني). ويتوقع الخبراء ألا يعفى المستأجرون بشكل كامل من العبء المالي المتمثل في ترميم المباني المتضررة.
ومنذ حريق برج غرينفيل، غربي لندن، في 14 يونيو/ حزيران 2017، يواجه المستأجرون تهديداً بدفع فواتير ضخمة تصل أحيانًا إلى أكثر من 100 ألف جنيه إسترليني لإصلاح الكسوة. ومع اكتشاف مخاطر في الخرسانة الخلوية المسلحة المتفتتة، قد تزيد الأعباء المالية على أصحاب المنازل المقيمين في عقارات كانت تابعة للمجالس البلدية في الماضي. يشار إلى أن أصحاب المنازل مسؤولون عن تمويل صيانة المباني.
وتواصلت "العربي الجديد" مع المهندس عبد الخالق بدران، الحائز على شهادة دكتوراه في الهندسة المعمارية وماجستير في التصميم الصناعي من جامعة "كارديف" البريطانية، للتعرّف عن كثب على المخاطر المحيطة بهذا النوع من الخرسانة.
ويقول لـ"العربي الجديد" إنّ "الخرسانة الرغوية تستخدم عادة في بناء الأسقف والجدران. واكتسبت شعبية في أوروبا في منتصف خمسينيات القرن الماضي كبديل أرخص وأكثر خفة من الخرسانة المسلحة التقليدية. هي عبارة عن خلطة من الرمل والإسمنت وبعض المواد الكميائية المضافة، ما يجعل قدرتها على تحمّل الضغط أضعف من الخرسانة المسلحة العادية. كما أن وزنها الخفيف أدّى إلى الاستغناء عن تسليحها بشكل كبير، وهي قادرة على عزل الصوت والحرارة والصمود أمام الحرائق وكلفتها منخفضة".
يتابع بدران: "للأسف، بدأت عوامل انهيار وتآكل تلك الخرسانة تظهر في تسعينيات القرن الماضي. إثر ذلك، بدأت الدول بإجراء مسح لتلك المباني لمعاينة أخطار انهيارها. وما زاد تلك المخاوف التقارير البريطانية الحالية التي تحدّثت عن انهيار سابق لسقف مدرسة ابتدائية بريطانية عام 2018". ويلفت إلى أنّ "انتشار اعتماد هذه الخرسانة في المباني العامة من مدارس ومستشفيات في المملكة المتحدة جعل الحاجة إلى معالجتها ملحة. وبالتالي، أغلقت العديد من المدارس بشكل طارئ".
ويبيّن أن "العامل الرئيسي في انهيار الأسقف التي يزيد عمرها عن 40 عاماً من دون أي سابق إنذار هو ضعف قضبان التسليح. في الواقع، كان يصعب توقع حدوث ذلك في الماضي، لأن بنية هذه الخرسانة ونسيجها الإسمنتي مشابه للنسيج العظمي، لكن تبيّن أن قدرتها على عزل المياه تتراجع مع الوقت للتسرب إلى داخلها، ما يعرّض التسليح للأكسدة ويؤدي إلى الانهيار الحتمي".
وردّاً عن كيفية التأكد من سلامة المباني التي أنشئت بهذا النوع من الخرسانة، يقول بدران إنّه "من الضروري أولاً إجراء مسح عام للمباني التي اعتمدت تلك التقنية في بنائها، والإعلان عنها كمبان منتهية الصلاحية وعرضة للانهيار"، مشيراً إلى أنه في المملكة المتحده عشرات الآلاف من هذه المباني التي بنيت في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي. يتابع: "بعد ذلك، يجب إجراء اختبارات، خصوصاً أنه تظهر علامات التآكل والتدهور على العديد منها". يضيف: "بمقدورنا القيام باختبارات لا تسبب تلفاً للهياكل، مثل اختبار الموجات فوق الصوتية، أو الاختبار النظري أو غير ذلك".
وأخيراً، يلفت بدران إلى أنّ هذه الخرسانة تصنع وتركب في جميع أنحاء العالم، ويمكن أن تكون مادة بناء مناسبة إذا صممت وركبت وجرت صيانتها بشكل صحيح. لكن في حال تجديد هذه المباني، يقول إنّ هناك الكثير من التحديات والتعقيدات المحتملة، من بينها التوافق الإنشائي، كونه يصعب التجديد مع البناء الخرساني الرغوي، ومعظم الحلول ستكون مكلفة.