سماسرة المساعدات... تجارة في قوت سكان غزة

31 يناير 2024
المساعدات الواصلة إلى غزة شحيحة أصلاً (فرانس برس)
+ الخط -

تشهد مراكز توزيع المساعدات الإنسانية في قطاع غزة ظاهرة انتشار ما يمكن أن يطلق عليهم اسم "سماسرة المساعدات"، الذين يقومون بشراء المساعدات الإغاثية أو الغذائية من المستفيدين لبيعها في الطرق والأسواق، ما يضمن لهم تحقيق ربح في ظل إصابة مختلف القطاعات الاقتصادية بالشلل التام.

وباتت التجارة بالمساعدات الإنسانية رائجة منذ بدء العدوان الإسرائيلي على القطاع، الذي تزامن مع إغلاق قوات الاحتلال كافة المعابر ومنع دخول المواد الغذائية ومشتقات البترول والأدوية والمستهلكات الطبية. وتخلق الفجوة الواسعة بين الشح الكبير في البضائع والمواد الغذائية وغيرها من متطلبات الحياة الأساسية وتزايد طلب الفلسطينيين على المواد الغذائية والأدوية مساحة واسعة لعمل السماسرة الذين يصطفون أمام مراكز توزيع المساعدات ويفاصلون المستفيدين في أسعار الكوبونات لشرائها، ومن ثم بيع محتويات المساعدات في السوق السوداء التي تشهد ارتفاعاً كبيراً في الأسعار.
ويضطر بعض المستفيدين إلى بيع المساعدات الغذائية، أو بعضها، بغرض الحصول على المال لشراء مستلزمات ضرورية أخرى لا تتضمنها المساعدات، وتزيد حدة الأزمة بفعل حالة النزوح القسري التي فرضها العدوان الإسرائيلي وأجبر بموجبها سكان محافظتي غزة والشمال في منتصف أكتوبر/ تشرين الأول، على التوجه إلى المحافظات الوسطى والجنوبية، ثم إجباره بعض المربعات السكنية في المناطق الوسطى على التوجه نحو الجنوب، وبعدها إجبار سكان مدينة خانيونس على التوجه إلى مدينة رفح، الأمر الذي فاقم حدة الأزمات المعيشية وزاد إقبال المواطنين على الشراء من السوق السوداء.
ويساهم في رواج عمل سماسرة المساعدات استهداف الاحتلال للأسواق والمنشآت الاقتصادية والمحال التجارية، ما يضطر النازحين إلى الشراء من البدائل المتاحة على الرغم من قدراتهم الشرائية المحدودة بفعل ويلات الحرب وما سبقها من حصار إسرائيلي مشدد على مدار 17 عاماً.
ولا يحبذ كثير من الفلسطينيين التعامل مع سماسرة المساعدات الإنسانية لشعورهم بالاستغلال الذي تتبعه حالة من الاحتكار، إذ يقوم عدد منهم بإخفاء البضائع ثم إظهارها بالتدريج وبيعها بأسعار مضاعفة، تصل في الكثير من الأحيان إلى عشرة أضعاف سعرها الطبيعي.
يقول الفلسطيني محمد اليعقوبي، لـ"العربي الجديد"، إن "أوضاع الأسواق قاسية على الفلسطينيين المنهكين أصلاً بسبب العدوان والنزوح وخسارة بيوتهم ومنشآتهم، وتوقف أعمالهم ومصادر رزقهم، في حين يواجهون تحديات عدة لتوفير لقمة العيش. كل بائع في السوق يشتري البضائع من المستفيدين ويبيعها على كيفه. سعر الصنف الواحد مختلف على البسطات، وكأنهم يتنافسون في رفع الأسعار على الناس. الحق على من يبيعهم المساعدات ويتيح لهم التحكم بنا".

لا تضم المساعدات كل مستلزمات الغزيين (فرانس برس)
لا تضم المساعدات كل مستلزمات الغزيين (فرانس برس)

ولا ينكر اليعقوبي حقيقة اضطرار بعض سماسرة المساعدات إلى ممارسة هذه "المهنة" لتأمين قوت أطفالهم بعد فقدانهم مصادر رزقهم، وتحديداً عمال المياومة منهم، ويقول إن "المشكلة تتمثل في التجار الكبار الذين يبتلعون كميات كبيرة من البضائع بهدف احتكارها ثم استغلال الناس الذين يبحثون عن قوت أطفالهم بدون أي مراعاة للظروف الصعبة التي يعيشها سكان القطاع". 
اضطر الفلسطيني سليم فروانة إلى مغادرة حي الشيخ رضوان بمدينة غزة في بداية العدوان والنزوح عدة مرات، كان آخرها إلى خيمة في حي تل السُلطان، غربي مدينة رفح، ويوضح أن "قيام بعض التجار والسماسرة بالتحكم في أسعار السلع التي جاءت بالأساس كمساعدات غير قابلة للبيع يعتبر من الأوجه القاسية للحرب، إذ يتم الاتجار بقوت النازحين واستغلالهم بشكل مرفوض. من غير الممكن إيقاف عملية بيع المستفيدين للمساعدات، إذ يقومون باستبدالها بأغراض أكثر أهمية بالنسبة لهم، فيما ترفد تلك التجارة السوق بأصناف مفقودة بفعل حالة الإغلاق الشامل". ويضيف فروانة، متحدثاً لـ"العربي الجديد": "المشكلة ليست في البيع والشراء، وإنما في حالة الاحتكار، وفي التنافس على رفع الأسعار، وكل هذا يزيد الأعباء الملقاة على عاتق الفلسطينيين، وتحديداً النازحين منهم".

وتشهد أسواق في قطاع غزة بيع بضائع وزعت ضمن المساعدات الإنسانية بعد شرائها من المستفيدين، أو سرقتها في بعض الأحيان، الأمر الذي يزيد صعوبة الأوضاع المعيشية مع تواصل العدوان الإسرائيلي، الذي طاولت تداعياته كافة نواحي الحياة.
وبدأت الأزمة الخانقة في الأسواق والمتاجر والمحال منذ اليوم الأول للحرب على قطاع غزة، فيما تعجز سلطات القطاع عن ضبط الأسواق أو التحكم في الأسعار نتيجة البيع غير المنتظم للبضائع التي يتم شراؤها من المستفيدين من المساعدات.

المساهمون