يُعدّ السوريون في السودان، الذين يعيش معظمهم في العاصمة الخرطوم، من أكثر الجاليات التي تقطعت بها السبل خلال الاشتباكات الدائرة حالياً بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، إذ لا يجدون جهة تهتم بتأمين سلامتهم وإجلائهم إلى خارج البلاد، كما تحاول أن تفعل العديد من الدول التي لديها جاليات هناك.
وفي تصريح اعتبره البعض مجرد ذرّ للرماد في العيون، قال القائم بأعمال سفارة النظام السوري في السودان بشر الشعار إنّ السفارة "بدأت بإرسال توجيهات لكل المعنيين والوجهاء المعروفين في الجالية السورية في السودان، للبدء بتسجيل أسماء السوريين ممن يرغبون بالإجلاء مبدئياً".
وأضاف الشعار، في حديث مع موقع محلي مقرّب من النظام، أمس السبت، أنه "فور وصول تعميم وزارة الخارجية والمغتربين بهذا الخصوص، في المرحلة الأولى، بدأنا بتبليغ كل المعروفين في الجالية، وطلبنا منهم وضع قوائم تتضمن أسماء الأفراد الراغبين بالإجلاء في كل المناطق وأرقام هواتفهم وأماكن إقامتهم تحضيراً للمرحلة الثانية".
وبعد أن أوضح الشعار أنّ طاقم السفارة بات خارج الخرطوم ويصعب عليهم الوصول إليها حالياً، رأى أنّ إجلاء جميع السوريين في الخرطوم "صعب جداً نتيجة الظروف السارية الآن بسبب إغلاق المطار الرئيسي في الخرطوم، والخيارات الأخرى بعيدة جداً، كمطار بورتسودان الذي يحتاج 15 ساعة للوصول إليه عبر السيارات، إضافة إلى العدد الكبير للجالية الذي يصل إلى 30 ألف سوري، وهذا يحتاج إلى تحضيرات وترتيبات وإمكانيات مادية ولوجستية كبيرة من مختلف النواحي".
غير أنّ أرقام الأمم المتحدة لعام 2021 تشير إلى أن أكثر من 90 ألف لاجئ سوري يعيشون في العاصمة الخرطوم.
وأضاف الشعار أنّ "السفارة ستعمل على تحضير نفسها بالتنسيق مع شركات النقل البري وشركة الطيران السورية، ليتسنى إجلاء السوريين في حال فتحت المطارات أو تم تأمين الطرقات البرية"، لافتاً إلى أنّ "إجلاء 10 آلاف شخص، على سبيل المثال، يحتاج إلى 50 طائرة في حال كان النقل جواً، أو إلى 200 حافلة (50 راكباً) للنقل براً إلى المناطق الآمنة"، مشيراً إلى أنّ السفارة "ستسعى بالتنسيق مع الخارجية السورية لطلب مساعدة من الدول العربية والصديقة ممن لديها إمكانيات تساعد في إجلاء قسم من الجالية السورية، كمصر وروسيا والإمارات والسعودية والصين".
وكان مصدر في خارجية النظام السوري قد قال، أمس السبت، إنّ الوزارة وجهت السفارة السورية في الخرطوم إلى تسجيل أسماء أفراد الجالية السورية الراغبين بالإجلاء "وفق الإمكانات المتاحة".
ولخّص موقع محلي المداولات الجارية بشأن سبل إجلاء السوريين من السودان بأنها تتمحور حول طلب مساعدة المنظمات الدولية والدول الأخرى التي لديها إمكانيات داخل السودان، لتأمين وصول السوريين إلى المناطق الآمنة براً، وتحديداً إلى مدينة بورتسودان، ليجرى نقلهم عبر الطيران من مطار المدينة أو عبر السفن.
ومن بين الخيارات أيضاً، الاحتذاء بما قامت به مصر التي أجلت في الأيام الأخيرة عدداً كبيراً من مواطنيها عبر مطار دنقلا الواقع على بعد 455 كيلومتراً شمال العاصمة الخرطوم، ليجرى نقل السوريين إلى مطار أسوان جنوبي مصر، وهو الأقرب إلى الحدود السودانية – المصرية، ومنها إلى دمشق.
ووفق المصدر نفسه، فقد قضى 11 سورياً حتى الآن نتيجة المعارك الجارية في الخرطوم، إضافة إلى تعرض عدد من العمال السوريين الذين كانوا يعملون في السفارة السورية، أثناء خروجهم مع عائلاتهم من أماكن إقامتهم إلى أخرى آمنة، لطعنات سكاكين من مقبل مجهولين، أول من أمس الجمعة. كما "اعتدى مسلحون من قوات الدعم السريع على السفارة السورية في الخرطوم، ما أدى لحدوث أضرار فيها"، وفق المصدر.
ويقيم أغلب السوريين في الخرطوم في منطقة كافوري الواقعة في الجزء الشمالي من العاصمة، وهي حالياً منطقة اشتباكات، وتعرضت لقصف الطيران الحربي، وسقطت فيها قذائف عدة، وهو ما تسبب بوفيات عديدة من بينها خمسة سوريين. كما يقيم عدد من السوريين في منطقة الرياض بقلب مدينة الخرطوم، وهي أيضاً نقطة ساخنة.
وإلى جانب الضحايا نتيجة الاشتباكات، تعرض العديد من السوريين للاعتداء بهدف السرقة، وسط الفوضى الأمنية التي تعيشها العاصمة الخرطوم. وتوفي شابان سوريان في منطقة سكنية ضمن حي كافوري، بعدما داهم مسلحون ورشة الأثاث التي يعملان فيها هناك بهدف السرقة.
وقال محمد المحمد، وهو سوري مقيم في إحدى ضواحي الخرطوم، إنّ الوضع "صعب للغاية، خاصة مع انقطاع الماء والكهرباء عن معظم أحياء العاصمة، إذ نخرج بحذر وقت الهدنة لتأمين الاحتياجات الأساسية".
وأضاف لـ"العربي الجديد"، اليوم الأحد، أنّ "ما يفاقم الأوضاع انتشار عصابات السلب والسرقة مع غياب المرجعيات القانونية والشرعية، وهو ما يفرض على معظم السوريين البقاء في منازلهم، وعدم الخروج منها إلا للضرورة القصوى، على أمل توقف قريب للمعارك".
وحول السبل المتاحة للخروج من دائرة الخطر، قال المحمد إنه لا يعرف كيف سيتم الخروج، "وقد سمعنا عن عمليات تسجيل لأسماء من يود الخروج، ولكن لا نعرف من سيتولى ذلك، وإلى أين سنذهب"، مشيراً إلى أنّ العديد من السوريين في السودان "لا يستطيعون، ولا يرغبون في العودة إلى سورية، بالنظر إلى أنهم مطلوبون أمنياً هناك".
وعن إمكانية الذهاب إلى السعودية كما يقال، أوضح أنه وفق معلوماته، فقد يسمح فقط بخروج من لديهم إقامة في السعودية أو تأشيرة خروج بهدف أداء العمرة.
من جهتها، نشرت صفحة "الجالية السورية في الخرطوم" على "فيسبوك" نداءات استغاثة لكل الجهات المعنية، لمساعدة السوريين العالقين في الخرطوم على الخروج، ونقلهم إلى منطقة آمنة.
وكانت السعودية قد أعلنت بدء ترتيب إجلاء المواطنين السعوديين وعدد من رعايا الدول الصديقة من السودان إلى المملكة، وكذلك وزارة الخارجية الأردنية ومصر والعراق.
وتقع السفارة السورية في الخرطوم في حي العمارة، وهو من الأحياء القريبة من شارع النيل الذي تتمركز فيه مؤسسات الحكومة السودانية، وقد شهد اشتباكات بين الطرفين المتقاتلين، وتعرضت العديد من السفارات فيه لأضرار، من بينها السفارتان السورية واللبنانية، ما أدى إلى توقف عمل السفارة السورية هناك ومغادرة طاقمها.
وبعد اندلاع الثورة في سورية عام 2011، كان السودان أحد مقاصد الهاربين من الحرب، ووصل عدد السوريين في السودان إلى ذروته عام 2018، إذ قدر العدد حينذاك بنحو 300 ألف شخص، لكن، بعد عام 2019، مع تغير نظام الحكم، وصدور قرارات سلبية تمسّ السوريين، تناقص العدد إلى حد كبير، وغادر الكثيرون باتجاه أوروبا أو مصر وليبيا.