من الغوطة الشرقية في ريف دمشق (جنوب)، قاد التهجير القسري السوري رئيف الخاني وزوجته وشقيقته وأطفاله الثلاثة إلى جنديرس في ريف حلب (شمال). لم تسمح له الظروف بفتح ورشة نجارة كالتي كان يملكها في الغوطة، ليعمل مياوماً في مهن مختلفة لتأمين سبل العيش مع غيره من النازحين.
تعيش عائلة الخاني في منزل مؤلف من غرفتين استأجره مقابل 50 دولاراً شهرياً كي لا يضطر إلى العيش في المخيمات، لكن الزلزال دمر البناء، فبات هو وعائلته من سكان مركز إيواء مؤقت، ما جعل هاجس مغادرة سورية إلى أوروبا يسيطر عليه، لكنّ ضيق ذات اليد وعدم وجود منفذ يعيقان حلمه، لكنه يواصل العمل على إيجاد سبيل للهجرة بعد فقدان الأمل في تحسن الأوضاع.
يقول رئيف لـ"العربي الجديد": "لا أعرف كيف نجونا من الزلزال. أيقظني ابني الأكبر، فأيقظت الجميع، وهرعنا إلى الخارج، وبعد لحظات انهار جزء من البناء. حتى حياة النزوح لا تقبلنا، ولم يتبق لديّ سوى الهجرة، لكنّ الأمر مكلف، وفي حال توفر المال، فإن تركيا تغلق حدودها أمامنا لمنعنا من الوصول إلى أوروبا. أفكر باستدانة المال للهجرة، ثم التفكير بخيارات المغادرة".
لا يختلف الأمر كثيراً بالنسبة للسوريين اللاجئين في تركيا، خصوصاً من يقيمون في المناطق الجنوبية التي تضررت بفعل الزلزال، إذ بات الكثير منهم يفكرون في الهجرة بعد أن كانت خياراً مؤجلاً، أو يتم تجاهلها على أمل التوصل إلى حل سياسي يعيدهم إلى بلادهم.
نضال حميدي أحد هؤلاء الذين باتت الهجرة خيارهم بعد الزلزال. غادر نضال حين كان في بداية الثلاثينيات من عمره محافظته حماة إلى تركيا، على أمل أن تكون محطة عبور إلى أوروبا، لكنه اصطدم بواقع صعب عرقل خططه. منذ وصوله إلى مدينة غازي عنتاب، حاول الهجرة أربع مرات عبر البر وعبر البحر، لكن المحاولات فشلت، ويقول إن عدم منحه حق الإقامة المؤقتة يجعل حياته في تركيا بمثابة كابوس.
منحت الحكومة التركية حق الإقامة المؤقتة لنحو 3.5 ملايين لاجئ سوري، لكن مع تزايد الخطاب العنصري للمعارضة ضد السوريين، لا سيما الذين يصلون حديثاً، بات كثير ممن لديهم حق الإقامة المؤقتة مهددين بالترحيل عند أي مخالفة، فيما يطارد الترحيل الذين لا يحملون البطاقة المؤقتة حال صادفتهم دورية للشرطة.
يقول حميدي لـ"العربي الجديد": "أعيش بمفردي في تركيا، وربما هذا ما جعل وطأة الزلزال أخف علي. لكن الظروف التي خلفتها الكارثة جعلتني أصر على الهجرة، فلا مستقبل لي هنا، وأنا مهدد بالترحيل في أي لحظة. ليست لدي وجهة محددة، وأقبل أي مكان في أوروبا يمكنني من الحصول على أوراق ثبوتية كلاجئ، وعندها أستطيع أن أحضر عائلتي. أما في تركيا، فهذا الخيار لن يكون متاحاً حتى لو بقيت عشر سنوات، فالوضع يزداد سوءاً. هناك العديد من طرق الهجرة، وجميعها غير شرعية، وتكلفتها تختلف حسب سهولة أو صعوبة كل منها، وأنا في طور جمع المال، وعندها سأقرر الطريق التي سأسلكها".
قبل نحو أسبوعين، وصل إلى إسبانيا 89 لاجئاً سورياً كانوا يقيمون في مناطق تضررت من الزلزال في جنوب تركيا. كان من بينهم اللاجئ من مدينة حلب، عبد الصمد خيزران، مع خمسة من أفراد عائلته. يقول لـ"العربي الجديد": "كنت أعمل حلاقاً في مدينة غازي عنتاب، لكن ظروفي المعيشية لم تكن جيدة، ومع تزايد خطاب العنصرية ضد السوريين، قررت الهجرة، وقصدت مكتب الحماية قبل عامين، وأحيل ملفي إلى مفوضية اللاجئين، والتي اتصلت بي بعد الزلزال، ورتبت للعائلة مقابلات سريعة، وأخبرتنا بإمكانية الهجرة إلى إسبانيا، وبالفعل سافرنا، وننتظر حالياً استكمال أوراق اللجوء. أضراري بسبب الزلزال كانت خفيفة، لكن الوضع في تركيا أصبح لا يحتمل، وعائلتي سعيدة بالهجرة. نريد أن نبدأ حياة جديدة".
ضرب الزلزال مناطق عدة في حماة (وسط)، كان يقطنها مواطنون غالبيتهم فقراء، وحسب المتطوعة في إحدى الجمعيات الخيرية، سعاد علي، فإن "الهجرة كانت فكرة قائمة قبل الزلزال، وخاصة بين الشباب، وأحد المكاتب المعروفة في منطقة محردة، يستخرج يومياً عشرات من جوازات السفر بشكل مستعجل، وبات الآن يستخرج ضعف الأعداد السابقة. أهالي المناطق ذات الغالبية المسيحية لديهم أقارب في الخارج، وقد سرّع الزلزال قرارهم بالسفر، وبعض العائلات غادرت إلى لبنان، ومنها إلى أوروبا أو أميركا. فكرة الهروب إلى الخارج تسيطر على عقول غالبية الناس منذ سنوات، خاصة أولئك الذين فقدوا ذويهم في الحرب، ويريدون أن يحافظوا على ما تبقى من عوائلهم، والذين لم يهاجروا في بدايات الحرب ندموا ندماً شديداً، وحالياً لا شيء لديهم لتوفير تكلفة الهجرة".