سوريون ينتظرون لمّ شمل عائلاتهم في تركيا

16 ابريل 2023
إجراءات لمّ شمل السوريين في تركيا معقدة (دييغو كوبلو/Getty)
+ الخط -

ترك كثير من اللاجئين السوريين عائلاتهم في بلادهم، إذ كان في حسبانهم أن يسبقوهم إلى تركيا ليؤمنوا لهم حياة أفضل، قبل جلبهم إلى المقام الجديد، لكن الأوضاع خالفت المخططات والأمنيات، فباتت المسافات والحدود قاطعة لرحم اعتادوا وصلها، خصوصاً في شهر رمضان.
غادر الثلاثيني السوري سامر المحمود العاصمة دمشق إلى تركيا قبل خمس سنوات، خشية اعتقاله وإجباره على التجنيد الإلزامي. يجلس إلى طاولة الإفطار وحيداً، ينتظر سماع الأذان، يضع صورة ولده وزوجته أمامه، ويرفع يديه داعياً الله أن يجمعه بهما. يقول لـ"العربي الجديد": "وصلت إلى تركيا في عام 2018، بعد سنتين قضيتهما في إدلب، تعرّض فيهما المنزل الذي سكنته للقصف. لحسن الحظ لم أكن موجوداً فيه؛ حاولت الدخول مع زوجتي مراراً عبر الحدود التركية، لكن في كل مرة كانت قوات حرس الحدود (الجندرما) تلقي القبض علينا، وتعيدنا الى إدلب. هذا الوضع اضطرني إلى أن أعيدها إلى دمشق، ثم حاولت اجتياز الحدود وحدي، واستطعت الدخول".
وحول سبب بقائه كل هذا الوقت من دون زوجته وطفله، يجيب المحمود: "عندما عادت زوجتي إلى دمشق، كانت حاملاً في طفلي، الذي لم أضمّه إلى صدري حتى الآن. بحثت عن طريقة تتيح لمّ شملي بهما من دون جدوى، ولا أريد أن أخاطر بهما من طريق التهريب مجدداً، إذ فقد كثيرون حياتهم على الحدود. ليس في تركيا نظام واضح للمّ شمل العائلات مثل أوروبا، والحصول على تأشيرة دخول للسوريين يحتاج إلى معجزة، أو إلى مبلغ كبير من المال، وأنا أعجز عن الدفع، فالرقم يتجاوز ستة آلاف دولار، وأنا مجرد عامل بسيط".
يسعى السوري منير حيدر لإحضار والدته إلى تركيا، عبر الطريقة الوحيدة غير التهريب للمّ شمل الأقارب، وهي تقديم طلب عبر القنصلية التركية في بيروت. يمتلك حيدر محل مفروشات في هاتاي، وهو ينحدر من منطقة القلمون في ريف دمشق، ويوضح لـ"العربي الجديد"، قائلاً: "بدأت تجهيز أوراق والدتي التي لم أرَها منذ عشر سنوات، والتي أنهكها المرض. أخبروني أنني أحتاج إلى كشف حساب بنكي لمدة ستة أشهر يظهر حركة المال، بالإضافة إلى إذن عمل. بالمختصر، يريدون أن يكونوا متأكدين أنني قادر على الصرف على الشخص الذي أريد لمّ شمله".
رغم تأمين كل تلك المتطلبات، إلا أن "نجاح هذه الطريقة غير مضمون"، بحسب حيدر، مضيفاً أن "الكثير من معاملات السوريين تحكمها المزاجية أكثر من استيفاء الشروط القانونية، وفي أغلب الأحيان تحتاج إلى واسطة، أو دفع رشىً لوسطاء. سأحاول كل ما بوسعي، فقد اشتقت لأهلي، ومرت سنين ولم أرَهم، وصار عندي أولاد كبار لا يعرفون جدتهم".

تكلفة لم الشمل مبالغ فيها (أوزان كوسي/فرانس برس)
تكلفة لمّ الشمل مبالغ فيها (أوزان كوسي/فرانس برس)

ولا تقتصر معاناة لمّ الشمل في تركيا على المتزوجين، بل ألقت بثقلها على كثير من الشباب المرتبطين بسوريات. من بين هؤلاء شهاب نور الدين، الذي وصل إلى تركيا في عام 2013، ليستقر به المقام في مدينة إسطنبول، ويفتتح فيها بشراكة مع شقيقه دكاناً صغيراً لتجارة الملابس.
لا يستطيع شهاب جلب خطيبته السورية المقيمة في الإمارات إلى إسطنبول، ويقول لـ"العربي الجديد": "أنا خاطب منذ 4 سنوات، وكنت متفقاً مع أهل خطيبتي على أن نتزوج خلال عام واحد بعد الخطبة، لكني منذ 3 سنوات أحاول الحصول على تأشيرة دخول لخطيبتي من دون جدوى، وحاولت عبر التسجيل لها في إحدى الجامعات، وبالفعل حصلت على مقعد جامعي، لكن لم يُوافَق على منحها إقامة طالب، وبالتالي لم تأخذ إذن دخول. في الفترة الأخيرة، لجأت إلى أحد المكاتب المتخصصة، بالأصح مكتب سمسرة وترتيب أمور من طريق العلاقات، فطلب مني 4000 دولار مقابل تأمين الفيزا، وقررت أن أجرب هذه الطريقة رغم خوفي أن أقع في شراك النصب والاحتيال، لكن ما العمل؟ فالغريق يتعلق بقشة".
يخضع السوريون في الأراضي التركية لقانون "الحماية المؤقتة"، وهو مختلف عن قانون اللجوء، فيحصل من خلاله السوري على بطاقة صفراء تعرف ببطاقة "كيملك"، التي لا تتيح لحاملها لمّ شمل أقاربه، أو السفر إلى بلد آخر للقائهم، ولا حتى التنقل داخل الأراضي التركية من دون إذن.

مدون من سورية
مدون من سورية

أسامة أبو زيد

ناشط سوري ومعتقل سابق. حاصل على بكالوريوس حقوق من جامعة دمشق، وماجستير في العلاقات الدولية، متحدث واستشاري سابق لدى المعارضة السورية

وصل الناشط الحقوقي محمد الوليد، حديثاً إلى ألمانيا بعد سنوات قضاها في تركيا، ويقول لـ"العربي الجديد": "قضية لمّ شمل السوريين في تركيا معقدة جداً، إذ لا يوجد قانون واضح يمنع ذلك، لكن الإجراءات صعبة، وتحتاج إلى تكاليف كبيرة يعجز كثير من السوريين عن دفعها، ما يجعلهم يحجمون عنها. أنا أحد من عجزوا عن لقاء أهلهم لمدة ثماني سنوات عشتها في تركيا، وحالياً على أمل لقائهم قريباً في ألمانيا بعد وصولي مع أخي الصغير الذي تتيح له القوانين التقدم بطلب لمّ شمل الوالدين، لكونه لم يتجاوز الثمانية عشر عاماً".
ويعيش في تركيا قرابة ثلاثة ملايين سوري، وفق الإحصائيات الحكومية التركية، وغالبيتهم قدموا إليها هرباً من جحيم الحرب التي تشنها قوات النظام على المدنيين المطالبين بحريتهم، ويحمل الكثيرون منهم بطاقة الحماية المؤقتة، لكن السنوات الأخيرة شهدت زيادة القيود، وبعض التضييق، فيما بدأت خطط لإعادة عشرات الآلاف إلى الشمال السوري.

المساهمون