عاد أهالي سيناء إلى قراهم من جديد بعد النجاح في طرد عناصر تنظيم "ولاية سيناء" الإرهابي من مراكز مدن رفح والشيخ زويد والعريش وبئر العبد، ليسارعوا إلى زراعة أراضيهم وتعميرها، وساعدت أمطار الموسم الحالي على أن ترى زهور اللوز والخوخ والحمضيات والزيتون النور، بينما اكتست عشرات الأفدنة الزراعية بالشعير والقمح.
ويؤكد أصحاب الأرض الذين غابوا عنها قسرياً لسنوات، أن أراضيهم لم تخذلهم، وجادت بالحصاد الوفير لتعوضهم عن كثير مما فقدوه خلال السنوات الماضية. يقول المزارع أحمد السواركة، من شمال سيناء، لـ"العربي الجديد"، إن "الثوب الأخضر الذي اكتسته قرى سيناء خلال الأسابيع الماضية يسر الناظرين، ويبشر بغدٍ أفضل بعد سنوات صعبة لم يشهدها أبناء سيناء منذ عقود. عمل المزارعين فور دخول قراهم على زراعة الأرض، وإحياء ما دُمّر من أشجار، وعملوا على تشغيل الآبار بجهود ذاتية، فلولا الظروف القاهرة ما خرجوا من قراهم أبداً".
يضيف السواركة: "مزارعو شمال سيناء يحتجون على تجاهل الجهات الحكومية لهم منذ عودتهم إلى أراضيهم، وعدم توفيرها أية مساعدات أو خدمات لهم، ولا سيما أنهم تعرضوا لأضرار فادحة في بيوتهم ومزارعهم، ومصدر رزقهم الوحيد هو تربية الحيوانات وزراعة المحاصيل. سيناء التي كانت سلة غذائية تصل فاكهتها وخضرواتها إلى كل أنحاء مصر، باتت تستورد الخضروات والفواكه لتلبية احتياجات سكانها، ولا بد من عودة الحال إلى ما كان عليه من خلال خطة حكومية تدعم المزارعين".
وتشتهر محافظة شمال سيناء بزراعة العنب، والتين، وبالنخيل، والرمان، والبرتقال، والليمون، واليوسفي، والجوافة، والمشمش، والكمثرى (الإجاص)، والتفاح، والبرقوق، واللوز، والفستق، والفول، والخضراوات الصيفية، والقمح، والشعير، وكانت تنقل كميات كبيرة منها إلى بقية المحافظات طيلة فصول السنة، فالمزروعات السيناوية معروفة بجودتها العالية.
وتتميّز المحافظة بأراضيها المنبسطة الغنية بالطمي، وتعتمد في الزراعة بشكل أساسي على المياه الجوفية، وتمتلك العديد من السدود، أهمها سد الروافعة، وسد الكرم، وسد طلعة البدن، بالإضافة إلى 15 خزاناً أرضياً في وادي الجراف، ويبلغ عدد الآبار في شمال سيناء 3452 بئراً.
وبالتزامن مع ربيع سيناء وأجوائها الخضراء، بدأت وزارة الدفاع المصرية إجراءات توزيع الأراضي على المواطنين للاستفادة منها في الزراعة وتربية الحيوانات ضمن خطة حكومية لتنمية سيناء. لكن الشروط قاسية وفق ما يقول كثيرون.
يقول أحد مزارعي مدينة بئر العبد لـ"العربي الجديد"، إنه صعق من الشروط التي وضعتها هيئة المشروعات الوطنية، المسؤولة عن توزيع الأراضي على المواطنين، ويضيف: "أقل مساحة يمكن للمواطن الحصول عليها هي 300 فدان، وهذه مساحات لا يستطيع المزارع العادي، وهم السواد الأعظم في سيناء، أن يتمكن من الحصول عليها، سواء لارتفاع قيمة الإيجار السنوي، أو عدم القدرة على توفير المستلزمات الضرورية لزراعة الأرض".
وأوضح المزارع الذي طلب عدم ذكر اسمه: "كنا نتمنى تخفيف الإجراءات الحكومية للانتفاع من الأراضي، لكن الواقع يؤكد أنه لا يمكن لأي مزارع أن يستفيد منها، بل سيستفيد منها رجال الأعمال والشركات الكبرى التي تمتلك القدرات والإمكانيات لتعمير مساحات الأرض الكبيرة. يمنع أن تقل المساحة عن 300 فدان، بينما قدرات المزارع في بئر العبد لا تزيد عن 10 أفدنة، وبالتالي فإن الإعلان عن تنمية زراعية شاملة يمثل ذراً للرماد في العيون، والمستفيدون سيكونون أشخاصاً بعينهم سينقضون على طموحات أهالي سيناء في التغيير والإصلاح".
وجاء في الإعلان عن عروض الأراضي أن "جهاز مشروعات الخدمة الوطنية في وزارة الدفاع يعلن عن مزايدة علنية بنظام المظاريف المغلقة لطرح الأراضي الشاغرة بمناطق في بئر العبد للاستغلال بنظام حق الانتفاع لمدة 25 سنة، وتتم المزايدة لكل قطعة أرض على حدة بمساحة لا تقل عن 300 فدان، وكافة التفاصيل والمواصفات موجودة في مقر جهاز مشروعات الخدمة الوطنية".
وبالتزامن مع التضييق على المزارعين في الاستفادة من توزيع الأراضي بحق الانتفاع، بدأت قوات الجيش المصري تنفيذ مشروع توزيع الأراضي على عناصر المجموعات القبلية التي كان لها دور بارز في طرد تنظيم "ولاية سيناء" من محافظة شمال سيناء خلال العام الماضي.
وكشف أحد مسؤولي المجموعات المسلحة التي قاتلت إلى جانب الجيش المصري، لـ"العربي الجديد"، أن ضباطاً رفيعي المستوى أبلغوا قادة المجموعات القبلية المسلحة أنه سيتم توزيع أراض بمساحات مختلفة للاستفادة منها في الزراعة والتجارة، من دون مقابل مالي، بشرط الاستفادة منها، بخلاف بقية مواطني سيناء الذين فُتح لهم باب التسجيل للحصول على أراض زراعية مقابل مبلغ مالي سنوي.