أودت التقلبات الجوية بحياة كثيرين منذ بداية موسم الأمطار في اليمن، في مارس/ آذار الماضي، بعضهم بسبب السيول الجارفة، أو بسبب الغرق في الحواجز والسدود المائية، وكانت مخيمات النازحين هي الأكثر تضرراً، في حين يبرز إهمال السلطات الحاكمة كجزء من أسباب وتداعيات تلك الحوادث.
وشهدت جزيرة "سقطرى" فيضانات عارمة متأثرة بالإعصار "بيبارجوي" الذي ضرب مناطق شمالي بحر العرب في طريقة باتجاه سواحل باكستان والهند، واستمرت الأمطار الغزيرة في جزيرة سقطرى لأكثر من أسبوع، وتداول ناشطون مقاطع فيديو لتدفق السيول الجارفة إلى السواحل.
وقال محافظ أرخبيل سقطرى، رأفت الثقلي، في تصريحات صحافية إن "موجة الأمطار والسيول خلفت أضراراً مادية في الممتلكات العامة والخاصة، بما في ذلك الحيازات الزراعية، وقوارب الصيد، والخدمات الأساسية".
وأفادت مصادر محلية لـ"العربي الجديد"، بأن "كثيرا من المنازل تضررت بشكل كبير، حيث إن البنيان في الجزيرة هش، والمباني منخفضة، مما يسهل دخول المياه إليها، كما تضرر الشريط الساحلي الجنوبي"، في حين لم ترد إحصائيات حول حجم الخسائر الإجمالية الناتجة من الإعصار الشديد.
وتقع جزيرة سقطرى في شرقي خليج عدن، حيث نقطة التقاء المحيط الهندي ببحر العرب، وتبعد عن أقرب نقطة من الساحل اليمني بنحو 340 كيلومترا، وهي تتعرض لموجات متكررة من الفيضانات متأثرة بتغيرات المناخ والعواصف التي تنشط بالقرب منها.
وسجلت الكثير من الوفيات الناجمة عن حوادث الغرق في السدود والحواجز المائية غير الآمنة، وهناك ضحايا في عدد من المناطق النائية الريفية، غير أن الكارثة كانت أكبر في الشلالات الطبيعة والسدود التي تحول بعضها إلى مزارات موسمية للمواطنين خلال فصل الصيف في السنوات الماضية.
وتوفيت أسرة كاملة مكونة من خمسة أشخاص في 27 مايو/ أيار الماضي، بعد سقوط السيارة التي كانت تقلهم في بحيرة شلال بني مطر (غرب صنعاء)، وأثار الحادث المأساوي غضب اليمنيين بسبب تجاهل السلطات تأمين منطقة الشلال الذي يتوافد عليه المئات من المواطنين القادمين من العاصمة المكتظة بالسكان.
يعيش خالد المساجدي في منطقة محيط العاصمة صنعاء حيث يقع الشلال، وهو يعتقد أن إهمال السلطات في توفير بيئة آمنة للزوار هو سبب تكرار حوادث الغرق ووقوع الكثير من الضحايا، ويقول لـ"العربي الجديد": "كل ما يحتاجه موقع الشلال هو حاجز حديدي يحمي السيارات التي تتدحرج من المنطقة الترابية المحيطة. يتوافد الزوار منذ سنوات إلى منطقتنا رغم عدم وجود بنية تحتية، لكن هذا لم يلفت نظر المسؤولين إلى أهمية حماية أرواح الناس. كأنه لا يكفي ما أخذته الحرب منا". وسجلت 36 وفاة على الأقل، غالبيتهم من الأطفال، بحوادث غرق في آبار وحواجز مائية خلال شهر مايو الماضي، وفي مطلع شهر يونيو/حزيران الجاري، توفي خمسة أشخاص من أسرة واحدة إثر سقوط سيارتهم في سد مائي بمديرية جبلة في محافظة إب (وسط)، وفي 4 يونيو، توفيت طفلة في المحويت (شمال غرب صنعاء)، وسجلت قبلها بيومين فقط حالتي وفاة مماثلتين.
وفق أحدث بيانات وكالات الأمم المتحدة، يوجد في اليمن نحو 4,5 ملايين نازح داخلي، والكثير منهم يعيشون في مساكن متهالكة أو خيام معرضة للدمار، ولم تتوقف موجات النزوح رغم حالة الهدوء السائدة. إذ كشفت إدارة مخيمات النازحين (حكومية) عن نزوح 345 أسرة يمنية خلال شهر مايو/ أيار الماضي، وغالبيتهم من محافظات تعز والحديدة ومأرب.
ويوجد في محافظة مأرب (شمال شرق) أكبر تجمع للنازحين يضم نحو مليوني نازح يتوزعون على 197 موقعا، وغالبية مساكنهم عبارة عن خيام، أو مبان من "الطرابيل" والألواح الخشبية، ما يجعلها معرضة للدمار بسبب الظروف المناخية المتقلبة.
وفي تقرير أولي، أعلنت إدارة مخيمات النازحين في مأرب، تضرر أكثر من 9 آلاف أسرة نازحة من جراء الأمطار الغزيرة والسيول التي ضربت المحافظة في شهر مارس الماضي. وقال نائب مدير الوحدة التنفيذية لمخيمات النازحين بمأرب، خالد الشجني، إن "بعض مخيمات النازحين تضررت بشكل جزئي، والعديد من الأسر تضررت بشكل كلي، والأضرار تركزت في المساكن الطارئة للنازحين، وأغلبها خيام أو بعض بيوت الطين، بالإضافة إلى تلف بعض مواد الايواء والأغذية المخصصة للمتضررين".
وأضاف الشجني في حديث لـ"العربي الجديد": "خلال الشهرين الماضيين، هطلت أمطار، وحصلت سيول، فتضررت العديد من الأسر، لكن كلها كانت أضرارا جزئية في المأوى والإيواء والغذاء، وهناك حالة سقوط سقف منزل على أسرة، وتسبب ذلك في إصابة ثلاثة منهم. في المقابل، الاستجابة الإنسانية ضعيفة، ولا تغطي نصف المتضررين، ولا زلنا في بداية الموسم، وهناك توقعات بأن المناخ سيتغير، وستحصل فيضانات وسيول، والشركاء الإنسانيون لا يوجد لديهم مخزون طوارئ للاستجابة السريعة في حالات السيول".
في مطلع مايو، تسببت الأمطار الغزيرة في انهيار منزل أسرة بمحافظة حجة (شمال غرب)، ما أدى إلى وفاة طفل، وفي حادث آخر تهدم منزلان في محافظة تعز من جراء انهيار صخري، ما أسفر عن إصابات، كما توفيت امرأة في ضواحي صنعاء بانهيار منزل قديم.
ووفق إحصائيات لمجلس الشؤون الإنسانية التابع لسلطة جماعة الحوثي: "توفي أكثر من 18 شخصاً، أغلبهم من النازحين، وتضررت أكثر من 22 ألف أسرة بسبب السيول والأمطار في 15 محافظة خلال الأشهر الثلاثة من مارس إلى مايو الماضي"، وكشفت الإحصائيات عن "تضرر أكثر من ثمانية آلاف منزل بشكل كلي، وحدوث 82 انهيارا صخريا، وقطعا للطرق، و28 انهيار سدود وآبار وشبكات مياه، والأضرار التي سببتها السيول فـي مخيمات النازحين والبنية التحتية ومساكن المواطنين ومزارعهم ضاعفت المعاناة الإنسانية التي يعيشها الشعب اليمني، وتستدعي قيام المنظمات العاملة في اليمن بدورها الإنساني والإغاثي، وسرعة التدخل".
وليست تلك المرة الأولى التي يتعرض فيها اليمن لأمطار غزيرة تتسبب بوفيات، ففي أغسطس/ آب 2020، لقي أكثر من 130 يمنياً حتفهم وأصيب الآلاف بسبب الأمطار الغزيرة التي هطلت على عدة مناطق في البلاد، وفي عام 2022، أثرت الفيضانات على نحو 80 في المائة من مناطق البلاد، وتضررت نحو 74 ألف أسرة في 19 محافظة، وفق مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية "أوتشا".
وترى الناشطة في العمل الإنساني، نُهى عبد السلام، أن "مأساة اليمنيين تتلخص في الحرب المستمرة منذ ثمانية أعوام، فالكثير من السكان لم يتمكنوا من إصلاح أو ترميم منازلهم، مما يجعلها معرضة لأضرار جزئية أو كلية بسبب الأمطار الغزيرة التي لم يعتادوها من قبل". وأضافت في حديث مع "العربي الجديد"، أن "غالبية السكان همهم اليومي توفير الغذاء، حتى أن المنازل التاريخية في صنعاء القديمة تتعرض لأضرار بالغة، وبعضها مازال السكان فيها، ورغم أهميتها لكنها لا تلقى اهتماماً كافياً، وعلى هذا يتم قياس حجم المأساة في المنازل الشعبية وغيرها من المساكن الهشة في عموم اليمن".
ويزيد التغير المناخ من تقلبات الطقس وحدة الأمطار في اليمن، وفي العادة يبدأ موسم الأمطار السنوي في مايو، ويستمر حتى أغسطس أو سبتمبر، لكن خلال السنوات الماضية تغيرت المواعيد، فخلال العام الحالي، بدأ موسم الأمطار في مطلع شهر مارس.
وحذرت منظمات أممية في أواخر مايو الماضي، من أن العوامل الرئيسية لانعدام الأمن الغذائي ما زالت قائمة، ومن المتوقع أن تتفاقم خلال الفترة المقبلة، ووفق تقرير مشترك لثلاث وكالات أممية، فإن "اليمن ما زال أحد أكثر البلدان التي تعاني من انعدام الأمن الغذائي على مستوى العالم، ويتواصل ذلك بشكل أساسي بتأثير الصراع والتدهور الاقتصادي".
ويفيد التقرير بأنه بين يناير/كانون الثاني ومايو/أيار 2023، عانى نحو 3.2 ملايين يمني من مستويات شديدة من انعدام الأمن الغذائي الحاد في مناطق سيطرة الحكومة اليمنية، وتم تصنيفهم في حالة انعدام الأمن الغذائي الشديد، وهي المرحلة الثالثة من التصنيف الدولي.