تهدر بشكل سنوي ثروة مائية ذات قيمة كبيرة في البحر المتوسط، شمال شبه جزيرة سيناء، شرقي مصر، لعدم الاستفادة من سيول "وادي العريش"، والتي يبدأ تشكلها في فصل الشتاء مع هطول الأمطار، حيث تتجمع المياه المحملة بالرواسب الغنية بالمعادن التي يكتنزها حوض الوادي الممتد من جبال وسط سيناء وصولا إلى شاطئ شمال سيناء.
وحسب معلومات مكتب وزارة الموارد المائية والري في محافظة شمال سيناء، فإن "أهمية وادي العريش وسيوله تعود إلى اتساع حوضه، بما يمنحه صورة فزيوغرافية جاهزة لنظام تصريف مائي ذي قيمة في ظل ضخامة كمية التصريف المائي للحوض، في حين تذهب غالبية مياه السيول إلى البحر، أو تتبخر وتتسرب خلال سيرها في حوض الوادي".
ويطالب خبراء باهتمام حقيقي بالوادي وسيوله بما يحقق الاستفادة منه لتعويض نقص الموارد المائية المصرية بشكل عام، وخصوصاً في صحراء سيناء، بالتزامن مع إقبال حكومي على تنفيذ مشاريع تنمية زراعية فيها خلال الفترة المقبلة.
وتؤكد المعلومات التي حصلت عليها "العربي الجديد"، أن وادي العريش كنز مائي غير مستغل من قبل الجهات الحكومية على مدار العقود الماضية، وأن كمية المياه التي يحتويها السيل المار عبر الوادي تبلغ سنوياً 370 مليون متر مكعب، ما يستدعي إنشاء المزيد من السدود للاستفادة من هذه المياه، إضافة إلى السدود الأربعة القائمة، وأبرزها "سد الروافعة" في العريش، والذي تم بناؤه عام 1946 في عهد الدولة العثمانية، ولديه القدرة على حجز 5.3 ملايين متر مكعب من المياه، و"سد الكرم" في منطقة المغارة، وقدرة تخزينه تبلغ 1.5 مليون متر مكعب، في حين أن النسبة الأكبر من المياه تهدر في البحر المتوسط.
وتشير المعلومات الحكومية إلى إمكانية الاستفادة من سيول وادي العريش في رفع مستوى المياه الجوفية، وتقليل نسبة الملوحة في الآبار، وتخزين كميات أكبر من المياه في السدود القائمة، وتحسين خواص التربة من خلال الطمي الذي يحمله السيل بما يجدد خصوبتها، فضلاً عن تنمية الثروة السمكية، إذ تحمل مياه السيول كميات كبيرة من الطمي الأصفر الذي يعد غذاء جيدا للأسماك، ويمكن توفير أماكن لتكاثر الأسماك سريعة النمو في المياه المخزنة أمام السدود، كما يساعد الاستثمار الجيد لمياه السيول في زيادة مساحة الأرض المزروعة، وتشجيع المزارعين على تنويع زراعتهم مع تقليل تكاليف الري.
ودعت كوادر فنية بوزارة الزراعة، إلى ضرورة إنشاء سدود جديدة بقدرات عالية، وإنشاء عدة بحيرات بالقرب من تلك السدود، واستخدام طرق حقن المياه في الأرض من أجل الاستفادة منها بأكبر قدر ممكن، ومن ثم إعادة استثمارها في مد المزارعين بالمياه، لا سيما في ظل خطة الدولة إلى تعمير سيناء.
ويقع حوض وادي العريش في القسم الأوسط والشمالي من شبه جزيرة سيناء، وتبلغ مساحته 23510 كيلومترات مربعة، ويأخذ الوادي اتجاهاً عاماً من الجنوب إلى الشمال، بمتوسط طول 241.5 كم، ومتوسط عرض 81 كم، ويقع جزء صغير من الحوض في صحراء النقب، بمساحة 1300 كم، وبطول 72 كم على حدود مصر مع الأراضي الفلسطينية المحتلة، في حين تتوزع النسبة الباقية من المساحة على محافظتي شمال وجنوب سيناء بنسبة 77.9 في المائة و 16.6 في المائة على الترتيب.
وتبلغ مساحة الأراضي الصالحة للزراعة في سيناء 3.5 ملايين فدان، في حين أن المساحة المزروعة حالياً أقل من 200 ألف فدان، وتتباين الأسباب بين نقص المياه، أو ملوحتها في حال توافرت في الآبار التي يتم حفرها بشكل شخصي من قبل المزارعين، وبدأت الدولة المصرية مؤخراً توزيع مزيد من الأراضي على مواطني شمال سيناء، بهدف استصلاحها للزراعة، مع توفير الإمكانيات اللازمة مثل حفر الآبار السطحية، وتوصيل المياه من مصادر تم تشييدها في الفترة الأخيرة لنقل المياه من محطات غرب قناة السويس إلى شرق القناة حيث مدن شمال سيناء.
ويقول مدير مركز بحوث الأسماك بجامعة العريش، صلاح صقر، إن "الجميع يترقب وصول سيل وادى العريش الذي تتشكل مياهه نتيجة سقوط الأمطار على جبال وسط سيناء، وتتحرك شمالاً حتى تصل إلى مثواها الأخير في البحر المتوسط، وقد أنفقت الدولة التي تعاني من الفقر المائي خلال السنوات السابقة ملايين الجنيهات لعمل حواجز حماية على طول وادي العريش، لتنتقل مياه السيول من وسط سيناء إلى البحر بلا استفادة منها، كما تركت السلطات سد الروافعة بلا صيانة، فأصبح لا يستوعب إلا 10 في المائة من طاقته الاستيعابية".
وأضاف صقر في تدوينة على موقع "فيسبوك": "أؤكد أن مياه السيول، وما تحمله من رواسب، سيكون لها تأثيرات ضارة على ميناء العريش البحري، إلى جانب تأثيراتها الضارة على محطات تحلية مياه البحر التي تنتج مياه الشرب في منطقة أبو صقل. ستزداد الرواسب الطينية والعكارة أمام محطات تحلية مياه البحر (ريسة 1) و(ريسة 2) بشكل كبير، بشكل سيؤدي لاحقاً إلى توقف المحطات عن العمل بعد تكرار تلف فلاتر التحلية والفلاتر الرملية الموجودة بالمحطة".